تاريخ المحميات الطبيعية على الأخص النوع الأول منها (المحميات الطبيعية الصارمة) مليء بوقائع محزنة متصلة في الغالب بإقصاء بعض القبائل العريقة عن مناطق عيشها لإقامة المحمية عليها متخللة التسبب في مقتل عشرات بل ومئات من أفراد تلك القبائل في مصادمات مختلفة حاول الأهالي خلالها الصيد في مناطقهم الأصلية أو الدخول إليها. وإذ أن هذه المحميات كانت تدار من قبل علماء بيئيين وبيولوجيين صرفين ومن قبل قيادات عسكرية فلم تلق المجتمعات الإنسانية الكثير من التعاطف حينها، بل وكانت النظرة إليهم ثابتة على أنهم أعداء البيئة واستمرارهم في الصيد وقطع الأشجار وحرق الأعشاب كفيل بإنهاء ما تبقى من التنوع الحيوي في تلك المناطق الغنية أساسا بالحياة الفطرية.
والأمثلة على ذلك كثيرة، منها قبائل الأيكي في شمال أوغندا والذين تم إجلاؤهم لإقامة محمية كيدو العام 1958 مع قرار صارم بمنعهم من الصيد في الأراضي التي عاشت فيها هذه القبائل طوال تاريخها تمارس الصيد كطريقة للعيش وتوفير الغذاء مما أدى (بحسب آراء بعض الباحثين) إلى تعرضهم للمجاعة وإلى تغيرات شنيعة في قيمهم نتيجة ما عانوه من جوع ومعاملة جائرة.
ثم ما الذي حدث بعد ذلك؟ معظم المحميات التي أقيمت بالحديد والنار لم تستطع تحقيق أهدافها البيئية بشكل ناجح، ذلك أن المناطق التي بجانب المحميات عانت من تدهور شديد في أنظمتها الحيوية وفقد لأغطيتها النباتية نتيجة الضغط الكبير عليها، من جهة أخرى فإن عدم تعاون الأهالي بل وتربصهم بالمحمية واقتناص الفرص للصيد داخلها. هذا فضلا عن إخراج العنصر البشري من الغابات أفقدها عنصر التفاعل معه ليتفاجأ العلماء مثلا بنمو نباتات طحلبية ومنافستها للغطاء النباتي الحرجي أو حدوث كسر الاتزان بين الحيوانات ما يهدد بانقراض فصيلة ما، ولما حللوا الأسباب وجدوا أن القبائل البشرية في المنطقة كانت تحرق بعض الأعشاب وكانت تصطاد بمعدلات معينة هي التي حققت الاتزان الذي كان قائما والذي اختل عندما تم إخراج عنصر الإنسان من المنظومة متذكرين أن الإنسان البدائي أو القبائل الأصلية عاشت مع الطبيعة في توازن لمئات من السنين أخذت منها ما تحتاج إليه من دون أن تتسبب في تدميرها أو كسر اتزانها، وان الخلل بدأ في الظهور مع استخدام آليات التكنولوجيا من أسلحة نارية وماكينات عملاقة قادرة على إفناء الغابات في وقت قصير.
كما أن هذه القبائل صاحبة حق في مكان عيشها ورزقها وليس من العدالة انتزاعه منها، من هنا جاءت فكرة إقامة المحميات التي تدار من قبل أهل المنطقة أو التي يشترك أهل المنطقة في إدارتها والانتفاع منها وحمايتها. ومن الأمثلة الناجحة في هذا التوجه محمية غوانكاستا في كوستاريكا والتي بدأت بمحمية مغلقة مساحتها 10 آلاف هكتار طرد منها السكان الأصليون لتتحول العام 1987 إلى محمية وطنية مفتوحة مساحتها 120 ألف هكتار ويسكنها بشر يستفيدون من مواردها والتعيش من وظائف متصلة بها، بعد أن صرح مديرها جانزين في لقاء صحافي بأن «مبدأ عمل محمية باعتبارها مكانا منعزلا يديره موظفون من الحكومة وتتم حمايتها بالأسلحة هو مبدأ يحتضر بسرعة عالية ونحن نحاول الإسهام في زيادة هذه السرعة»، وهكذا وبكل شجاعة تمت تجربة المحمية التي يقطنها الناس ويسعون إلى العيش مع الطبيعة من خلالها بشكل متناغم والاستفادة من مواردها بشكل مستدام. رويدا رويدا أخذت المنطقة تستعيد الحياة والتنوع الحيوي كما وصف جانزين (أناس سعداء يعيشون بداخل وبجانب محمية يعملون لأجلها ويكتسبون من حمايتها).
المحميات الأهلية أو التي تدار من قبل البشر الذين يعيشون فيها وحولها فكرة مثالية لها أمثلة تطبيقية عديدة تختلف في تفاصيلها ونسبة نجاحها لكن كي تتحقق بشكل مستدام فلابد من مساعدة الأهالي على فهم الموارد الطبيعية ومحدوديتها وتدريبهم على وضع خطط مستقبلية طويلة الأمد وأخرى قصيرة الأمد تأخذ في اعتبارها حاجة البشر ومتطلباتهم كما تأخذ في اعتبارها حساسية المنطقة بيئيا وطبيعة التنوع الحيوي بها واحتياجات المحافظة عليها وتنميتها.
ذلك يتطلب جهدا مشتركا من الحكومة والجمعيات الأهلية ومنظمات حماية الطبيعة العالمية وتقديم دعم مادي واستشاري وتقني لهذه المجتمعات لتتمكن أولا من فهم وضعها الحالي والمستقبلي ووضع البيئة كذلك وتتمكن من انتخاب قيادات لها تصنع القوانين والمعايير والخطط والآليات لتقييمها ومراجعتها وتعديلها متى دعت الحاجة. المشاركة الحقيقية تكون بإشراك هذه المجتمعات في مشروعات الحماية منذ مراحل التخطيط وليس فقط كجندي منفذ وهنا تكمن صعوبة التحدي وجدية مشروع المحميات الأهلية