أكد رئيس المجلس البلدي للمحافظة الشمالية مجيد السيد علي أن العمل البلدي في البحرين سبق قيام الدولة وأنه ارتبط بالإنسان البحريني منذ آلاف السنين وأنه كان ثقافة يتمتع بها إنسان هذه الأرض. جاء ذلك في محاضرة له بمجلس الشيخ عبدالأمير الجمري مساء أمس الأول تناول فيها نشأة العمل البلدي وكيف هو ضرورة اقتضتها تطورات المجتمع وكيف بدأ الحضور الجماعي في مناطق محددة تشترك في الكثير من الخدمات.
كما تطرق مجيد في هذا المحور إلى أن العمل البلدي نظام إداري محلي ينظم ويوفر الخدمات الأساسية للإنسان مما يلبي احتياجاته الأساسية، مؤكدا أن العمل البلدي سبق تشكل الدولة الحديثة لذلك فهو سابق للعمل السياسي.
لماذا المجالس البلدية؟
وفيما يخص دور المجالس البلدية حصرها مجيد في ثلاثة محاور: هي: التنمية والديمقراطية والإصلاح.
وقد أجاب مجيد في حديثه عن سؤال يدور في أذهان الكثيرين، وهو: لماذا المجالس البلدية؟
وفي ذلك قال مجيد: «أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال تنحصر في ثلاث نقاط، هي: أولا: لإدارة وظائف محدودة لا تقوم بها الدولة، ثانيا: لإشراك المواطنين في تشخيص الاحتياجات وإدارة الخدمات، ثالثا: لفشل الأسلوب المركزي في العمل.
دوافع السلطة لطرح المشروع
ويرى مجيد أن دوافع السلطة لطرح مشروع المجالس البلدية تتمثل في: أولا تعليم الناس وتعويدهم على الانتخابات والترشيح، وضرب لذلك مثلا بدولة قطر إذ لم تجتمع المجالس البلدية هناك ولا مرة واحدة، ولكن التجربة القطرية علمت الشعب القطري معنى ناخب ومرشح واقتراع، وهذه المفردات يعيش المواطن من خلالها جوا ديمقراطيا، والدافع الثاني المشاركة المحدودة في الإدارة وخصوصا أن السلطة تنظر إلى المجالس البلدية باعتبارها جزءا من الجهاز التنفيذي.
وتساءل مجيد: أين المجالس البلدية في البحرين من كل ما ذكره؟ مؤكدا أن المجالس البلدية يجب أن تسهم في التشريع، ولذلك فهي قد تكون تابعة للسلطة التشريعية ولها اختصاصات محددة وقراراتها موقوفة ومرتبطة بهيئة أخرى.
مكامن القوة في المجالس البلدية
ويعتقد مجيد أن لمشروع المجالس البلدية مكامن قوة يجب على الأعضاء وضعها في الاعتبار واستثمارها، وهي: أولا، ان المجالس البلدية تعنى بالشأن الخدمي والحياتي المباشر للناس وبذلك تكون صلة الناس بها قوية وخصوصا أنها منتخبة من قبلهم وبمشاركة شاملة في الانتخاب.
ثانيا دافعية العمل لدى الأعضاء كبيرة على رغم الإغراءات القليلة، وهذا الأمر يجعل الأعضاء المتقدمين إلى هذا المشروع أكثر فاعلية ونشاطا، ثالثا تعدد المجالس ما يوفر حالا من التنافس في الإنجاز، رابعا كرر المواقف من الميول والتحالفات السياسية وعدم تحمل عمل المجالس التلون أو المناورات السياسية، خامسا اعتبار هذا المشروع هو المنقذ بعد إخفاق الحكومة في تلبية احتياجات المواطن.
مكامن الضعف في المجالس البلدية
ويؤكد السيد مجيد أنه كما للمجلس مكامن قوة فكذلك له مكامن ضعف، ويلخصها السيد مجيد في عدم الاستقلالية التامة، وتقييد الصلاحيات التشريعية والرقابية، كما يعتقد مجيد أن كون المجلس منتخبا هو موطن ضعف من جهة إذ يشكل انتخاب الناس له ضغطا عليه، ومزاحمة الجهاز التنفيذي له، وضعف الجهاز الإداري إذ تحتاج المجالس إلى كوادر متخصصة، وقلة الامتيازات للأعضاء وعدم تبلور فكرة وفلسفة المجالس البلدية على المستوى الشعبي والتركة الثقيلة التي تسلمتها المجالس البلدية من إهمال القرى وتمييز بين مناطق البلاد لفترة طويلة وعدم رصد الموازنة الكافية وكذلك غياب وتدني الوعي بفلسفة ودور المجالس البلدية.
كما اعتبر ان النسبة التي صوتت في الانتخابات تدل على عدم مبالات قطاع من المواطنين، وتعتبر نقطة ضعف بالإضافة إلى كون المجالس أول تجربة بعد مرور أكثر من 30 عاما.
المخاوف التي قد تعترض المجلس
قال مجيد: «قد تعترض المجالس البلدية مخاوف ومعوقات كبيرة، لعل أبرزها مزاحمة جهات أخرى لعمل المجالس وسرقة إنجازاته لصالح الجهاز التنفيذي والتهميش من الجهاز الحكومي».
كما اعتبر مجيد حال الإحباط التي يمكن أن تطول الأعضاء بعد فترة من الزمن مخاوف متوقعة أيضا.
وأضاف مجيد: «ان هناك الكثير من المخاوف، غير الذي ذكر، منها: استمرار دور الواسطة والمحسوبية وطغيان المركزية مرة أخرى، وخلق بدائل أكثر كي تمرر الإنجازات كغيرها، وتأصيل الفردية في العمل وغياب روح الفريق الواحد، وقصر النظر والخضوع لضغط الشارع على الأعضاء، ما قد يتسبب في أساليب تصادمية غير مدروسة قد تساهم في إجهاض التجربة».
فرص متاحة للتطور
وعلى رغم كل ما ذكر من المخاوف والمعوقات يبدي مجيد تفاؤلا في إمكان التغيير، ويؤكد أن هناك فرصا متاحة لتطوير هذه التجربة من خلال دعم المشروع الإصلاحي بشكل مبتكر واضح، وتشجيع التعاطي الإيجابي في العملية الانتخابية من خلال إنجازات محسوسة، وتوسيع صلاحيات المجالس للعب دور أكبر، واشتراك في إعداد المشروعات المختلفة في المناطق وإيصال رأي المواطن فيها، ومراجعة الكثير من القوانين وتعديلها.
كما يرى مجيد أن تفعيل دور المراقبة ووقف الفساد في الأجهزة التنفيذية فرصة أيضا لتطوير هذا المشروع، بالإضافة إلى رفع مستوى الخدمات وتفعيل الدور الأهلي وتأصيل النمط المؤسساتي للعمل وتحقيق قدر من التعاون والانسجام بين المناطق المختلفة في الدائرة الواحدة وبقية الدوائر.
ويقول مجيد: «إن تقديم تجربة تكامل وتعاون مع الحكومة لإنجاز خدمات المواطنين، ومد جسور الثقة المتبادلة مع الحكومة لتأسيس نمط جديد من التعاطي والعلاقة يخلقان فرصة جيدة لتطور هذا المشروع البكر، ومن الأمور التي تخلقان فرص التطوير أيضا إعداد وتشجيع الكوادر والطاقات القيادية الشعبية للانخراط في العمل العام والانفتاح على تجارب الدول الأخرى والاستفادة من تجاربها ومد جسور التعاون مع المدن والدول المحيطة على المستوى البلدي. كما يرى مجيد أن تبني المشكلات البيئية والخدماتية وتشجيع عمل الدراسات لها ومن ثم تبنيها محليا أو دوليا له الأثر البالغ في إيجاد فرص التطوير، وكذلك الاستفادة من الإعلام للتركيز على المشكلات بشكل مدروس وموضوعي واقتراح أو تبني مشروعات في المنطقة ذات مردود اقتصادي وتشجيع المستثمرين ما يوفر فرص عمل ويرفع مستوى المعيشة
العدد 118 - الأربعاء 01 يناير 2003م الموافق 27 شوال 1423هـ