العدد 118 - الأربعاء 01 يناير 2003م الموافق 27 شوال 1423هـ

حقوق الجمعيات الأهلية... وحقوق أفرادها في ظل القيود الحكومية

الوسط - محرر الشئون البرلمانية 

01 يناير 2003

ما هي الحقوق التي تتمتع بها المنظمات غير الحكومية، ومن أين تستمد تلك الحقوق؟ اتخذ حق الفرد في حرية تشكيل جمعية أو الانضمام إليها من وقت بعيد. وهل هو كل ما في الأمر؟ هل للدولة مطلق الحرية في تحديد كيف تشكل منظمة، وكيف تتلقى تمويلها، أو كيف تستنبط قوانينها الداخلية وسياساتها؟ إذا كانت الإجابة بـ «نعم»، فإن العواقب ربما تكون مدمرة. وعلى سبيل المثال، تم السماح للافراد بتشكيل والانضمام الى المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، ولكن بمجرد ان أُنشئت، منعت هذه المجموعات من جمع التمويل في وطنها وفي الخارج، كما منعت من رفع الدعاوى، ونشر التقارير التي تنتقد الحكومة، وان تقوم بالاتصال بالهيئات الدولية لحقوق الإنسان، من ثم يعاني الأفراد الذين تشملهم هذه المجموعات بوضوح من عوائق تمنع حقوقهم المشروع.

الطريقة المتقدمة والأخّاذة لفهم هذه النقطة ترد في المادة 46 من الدستور البرتغالي، والذي قسم حق الحرية في الجمعية إلى ثلاثة عناصر.

أولا: حق تكوين الجمعية أي حق أفراد المواطنين في تكوين جمعيات من دون معوقات أو ضرائب من الدولة، والحق في الانضمام الى الجمعيات الموجودة من قبل، ثانيا: حرية الجمعية، أي حق الجمعيات نفسها في التنظيم والقيام بنشاطاتها بحرية، ثالثا حرية (عدم) الجمعية، أي حق كل مواطن في ألا ينتمي إلى منظمة وحقه في ترك أية منظمة.

وهناك فقرة تقرر أنه يمكن للجمعيات أن تتابع أهدافها بحرية من دون تدخل من جانب أية سلطة عامة. ويجب ألا تحل بواسطة الدولة وألا توقف نشاطاتها إلا بقرار قضائي.

ولذلك يمكن ثبات أنه من أجل أن يدرك الأفراد تماما حقهم في حرية الجمعية، يجب أن تُمكن المنظمات نفسها من العمل بحرية من دون تدخل حكومي غير معقول. ويمكن القول ان حقوق الانسان كلها تحمل ضمنيا حق الفرد في فرض هذا الحق، متضمنا تشكيل أو الانضمام إلى جمعية للغرض ذاته. ومرة أخرى، إذا كان يوفر هذا حماية حقيقية للفرد، فيجب أن يتضمن أن الجمعية نفسها يسمح لها بالعمل بحرية.

يوجد الدعم القوي لنظرية أن حرية الجمعية تتطلب أن الجمعيات نفسها لها حقوق معينة، في معاهدات، ومبادئ وقرارات منظمة العمل الدولة. المعاهدات الرئيسية لمنظمة العمل الدولية التي نص على حرية الجمعية - معاهدات 87 و98 - تشترط تحديدا ان الاتحادات التجارية، وليس فقط أعضاءها، لها حقوق. وقد أضافت القرارات الشاملة لمنظمة العمل الدولية في هذا المجال، والتي تتعامل مع الأمور التي تشمل متطلبات التسجيل إذ يجتمع ربما الاتحاد التجاري قبل ان يعترف به، صفة مميزة الى صوغ المعاهدات.

وأقرت المادة الثامنة في الميثاق الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نظرية مماثلة، تشترط تحديدا ان للاتحادات الحق في «العمل بحرية». تميز هذه اللغة أن الحق في تشكيل والانضمام لاتحاد تجاري في حد ذاته ليس كافيا لحماية الفرة العامل. وقبل الميثاق الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ضمنيا ان المنظمة نفسها يجب ان يكون لها حقوق معينة من أجل أن يحمي أولئك الأفراد أنفسهم كما ينبغي. وبينما لا تشترط المعاهدات الدولية والإقليمية الرئيسية لحقوق الإنسان على نحو واضح حرية الجمعية بما في ذلك حقوق الجمعيات، تشير وثيقة منظمة العمل الدولية الى كيف أن هذه النظرية ضرورية إذا تلقت الاتحادات التجارية حماية كافية.

ومثل الاتحادات التجارية، المنظمات غير الحكومية لحقوق الانسان خصوصا عرضت لعمل حكومي عدائي، وهي تتطلب أيضا حماية خاصة لتأكيد أنها قادرة على العمل بحرية. ويعني انكار ان المنظمات غير الحكومية لحقوق الانسان لها الحق في العمل بحرية، ان ممارسة حق الفرد في حرية الجمعية سيقلص بصرامة.

وبحسب أقوال خبير في هذا المجال: «إنه من المفيد توضيح الحقوق والضمانات التي أخذت في الاعتبار في القانون والممارسة، كعناصر مهمة لحرية الاتحاد التجاري، لأن هذه الحقوق والضمانات جوهريا أساسية لحرية الجمعية...». بالإضافة إلى ذلك، بدأ الرأي العالمي يؤكد أنه إذا كان للأفراد حقوق فإنه يجب أن يكون للمنظمات حقوق أسمى وأعلى من حقوق الأفراد الذين كونوها. وفي هذا السياق، يصبح غير جدير كحق ممارس مسبقا إذ ان المنظمات غير الحكومية هي أشخاص قانونيون يؤهلون «للحقوق» نفسها مثل الكيانات التجارية الأخرى أو الأشخاص القانونيين في القطاع الربحي. يجب أن تتضمن هذه الحقوق، على الأقل، الحق في امتلاك ثروة، الحق في ان يُقاضي أو يُقاضى والحق في التمتع بالإرث الدائم.

ترددت مجموعة من القوانين الدولية في قبول هذه النظرية على نحو واضح على رغم أن هذا الرأي لم يتقدم كثيرا.

ما يفهم أكثر من هذه الدعوى القانونية هو اعتراف واضح بأن هذا التفسير لحرية الجمعية ضروري إذا كان الحق فعالا في حماية المجموعات.

المقوم المفاهيمي المميز لحرية الجمعية هي شخصيتها المولّدة، كحق فردي، وجمعي معا. إنها معدة نموذجيا وفقا لصيغة أدوات حقوق الإنسان الدولية كحق للفرد، أي حق الأفراد في ان ينضموا الى بعضهم بعضا.

ولكن ينضم الأفراد الى بعضهم بعضا بطرق مختلفة مهمة. وربما اجتمعوا فقط عرضيا أو على أساس مرة واحدة. ولكن ربما تتكون الجمعية أيضا من شيء دائم أكثر، من شخصية مؤسساتية. وإذا كانت الجمعية ذات أمد طويل، وطبيعة مؤسساتية، ومن ثم يمكن أن تقرر - ولو فقط بالتضمين - أن المؤسسة (أو الجمعية) نفسها لها الحق في العمل بحرية وبفاعلية كشخصية جماعية. وبمعنى آخر، مبدأ حرية الجمعية، على رغم أنه معد نموذجيا وفقا لصيغة كونه حقا فرديا، يمكن أن يتم إثباته ليتضمن حقا على جزء من الجمعيات بعد تكوينها، لتعمل حرة من القيود الحكومية المفرطة أو غير المعقولة.

في هذا السياق، يوفر القانون الدستوري للولايات المتحدة إطارا مسوغا للرجوع إليه. فقد اعترف ضمنيا بحق الجمعيات في إدارة القضايا الخاصة بها «حرة من قيود حكومية مفرطة أو غير معقولة». مثلا، أيدت المحكمة العليا مرارا حق الأحزاب السياسية في تكوين الإجراءات الداخلية الخاصة بها وأحكام عضويتها. وفي قضية، استبعدت المحكمة لائحة الدولة لكثير من الأمور المتعلقة بالقوانين الداخلية للحزب وتكوينه، بما في ذلك تكوين هيئات الحزب والشروط المقيدة لمسئوليه. وقررت أن الدولة لا تملك الحق في التدخل في «تنظيم حكومة الحزب الداخلية»، وأضافت المحكمة أن «الدولة لا يمكن أن تحل قضاءها محل قرار الحزب كمرغوبية لتكوين حزبي داخلي خاص، وأي شيء غير ذلك، عليها أن تخبر الحزب أن علاقته المقترحة بأعضائه غير حكيمة».

لذلك، على رغم احتواء مختلف معاهدات حقوق الإنسان حرية الجمعية بلغة حقوق الأفراد، هناك حجج مقنعة على قبول النظرية في منظمة العمل الدولية، مفسرة لها أن تتضمن حقوق المنظمات نفسها في متابعة نشاطاتها الضرورية لإنجاز أهدافها من دون تدخل حكومي غير معقول. يحتاج مظهر الحق في حرية الجمعية عاجلا مزيدا من التطوير.

وسيكون مجرد حق رسمي بتكوين أو الانضمام لجمعية بلا معنى إذا كانت الجمعية نفسها، بعد تكوينها، لا حق لها في متابعة أهدافها. إن الثغرة الموجودة حاليا في قرارات القانون الدولي تركت المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان عرضة لكثير من أشكال القيود الحكومية

العدد 118 - الأربعاء 01 يناير 2003م الموافق 27 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً