أسئلة بحاجة إلى إجابة
الانتهاكات البيئية الصارخة التي يتعرض لها خليج توبلي، هي مثار استغراب وحيرة وقلق دائمين للمهتمين والمتابعين للشئون والقضايا التي تعصف بالوطن، وعلى رغم وجود الكثير من القرارت والتوصيات التي تحمي هذا الخليج وتبعده عن كابوس الاندثار إلا أن العمليات التدميرية والتخريبية مستمرة ومتواصلة من دون رادع أو خضوع لسلطة القانون.
وادراك حجم المشكلة التي يعاني منها الخليج بيئيا، هو مفتاح الحل الذي سيقودنا إلى رحلة ارجاع الخليج إلى حاله الطبيعية وعطاءه المتدفق الذي لم يتعرض في حقبة ماضية لمثل ما يتعرض له اليوم. ويبرز في هذا الموضع غياب الوعي الشعبي الجماهيري لقضايا الاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها من أية قوى تحدث اختلالا للعملية الطبيعية، من بينها طبعا هموم البيئة الساحلية. فعلى سبيل المثال اذا تطرقنا إلى مسألة بيع الأراضي المحيطة بالخليج والفائدة المرجوة من ذلك، لوجدنا أن القياس يتجه إلى أن سعر المتر المربع فيه أقل بكثير مقارنة بالفائدة المماثلة من بيع الروبيان في أوج توافره وموسمه.
ناهيك عن الثروة السمكية الغنية التي يتمتع بها خليج توبلي، يعتبر الموقع الجغرافي الرائع والتنوع الفطري والبيولوجي من أهم المميزات الطبيعية للخليج، ما جعله موقعا للأبحاث لكثير من البيئيين والاختصاصيين، بالاضافة إلى ما يمثله من متنفس وسياحة بيئية جميلة لأكثر من عشر قرى تطل عليه، ورواده من مختلف مناطق البحرين.
نتساءل... لماذا لم تقم شئون البيئة بوضع سياج على رأس سند عندما أعلنته محمية طبيعية؟ لماذا لم تقم ادارة المجاري بمد خط أنابيب من محطة معالجة مياه المجاري إلى وسط البحر خارج حدود الخليج أو التخلص من مياه المجاري بطريقة علمية بعيدا عن الخليج؟ أين البلدية ودورها في مواجهة عمليات الردم والدفان المستمر لهذا الخليج الذي شارف على الهلاك؟ لماذا تسمح وزارة الاسكان والبيئة ببيع الأراضي في الخليج؟
وهناك تكتم وعدم وضوح من قبل الجهات الرسمية المعنية بحماية خليج توبلي وعدم الافصاح عن الممارسات اللامسئولة التي تمس هذه الثروة البيئية، ومن شأن هذا التكتيم أن يؤثر على مكانة البحرين في المجتمع الدولي. نطالب بالافصاح الكامل عن الوضع الذي آل إليه الخليج، ومعالجة المشكلات البيئية التي تعرض لها، ونتوقع من جمعيات الشأن العام والمثقفين وعلماء الدين التحرك السريع لانقاذ الخليج قبل أن ترتكب انتهاكات بيئية أخرى أشد ضراوة.
وستقوم اللجنة الأهلية لحماية خليج توبلي بالتنسيق مع الجهات الرسمية بعمل أنشطة وفعاليات من أجل التحرك لانقاذ الخليج وحماية بيئته من التدمير والعبث.
حسين العريبي
ناشط بيئي
تجاوز الخط الأحمر...
قمنا في العام 1998 باجراء دراسة علمية لتتبع الاضرار البيئية التي يتعرض لها خليج توبلي، وأقمنا مخيما كشفيا كان الهدف منه لفت انتباه الرأي العام المحلي إلى أن الخليج ينزلق في متاهة يصعب الخروج منها. وقد قمنا بتحديد مصادر التلوث، ووجدنا أن المخلفات التي تلقى مخالفة بدرجة كبيرة للمقاييس الدولية المتبعة، واستمرارها يعني تدميرا بيئيا كاملا للخليج، وهو ما نلمسه اليوم من ضمور واختفاء بعض البيئات المهمة والنادرة بسبب الاهمال واللامبالاة. أضف إلى ذلك أن الزحف العمراني أثر بشدة على مساحة الخليج، والحياة الفطرية والبيئة الساحلية، التي لم يراعى فيها الدراسة المتأنية ووضع المخططات الاسكانية البعيدة التي تضمن حماية الخليج عن التلوث والدمار البيئي، واستثماره سياحيا واقتصاديا.
ومسألة اعادة تأهيل خليج توبلي تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، وارادة وعزيمة من الجهات المسئولة الحكومية والشعبية التي هي اليوم بأمس الحاجة إلى تكاتف الجهود وتكثيفها لايقاف عمليات الدفن والممارسات اللامسئولة تجاه الخليج. نحن بحاجة إلى تفعيل القرارات والقوانين التي صدرت، وكلما تقدم الوقت، كلما تدهور الوضع البيئي إلى الخليج وازداد سوءا.
إن أوجه القصور التي يعاني منها الخليج كثيرة، ويبرز الوعي البيئي باعتباره أحد الركائز التي يجب أن تدعم بين أفراد المجتمع. والالتفات الى الارث التاريخي الطبيعي لسواحلنا شيء مهم ومقدس وهو يلوث ويسمم كل يوم من دون وجود رقابة فاعلة من الجهات المسئولة. والضبابية التي تحيط بعملية التنسيق بين الوزارت الحكومية هي أحد الثغرات التي واجهتنا أثناء عملنا لوقف النزيف البيئي، فمثلا ادارة المجاري في وزارة الأشغال والاسكان لم تقم بالتنسيق اللازم مع جهات أخرى بيئية لحل مشكلة صرف المياه المعالجة في الخليج.
تقديم حياة كريمة ومشرفة لانسان هذه الأرض هدف نسعى له جميعا، ولن يتأتى إلا بالاهتمام والرعاية بما يحيط بحياة الانسان من بيئات مختلفة، ومنها البيئة الساحلية التي تعاني تراجعا وخسائر من الصعب تعويضها. علينا أن نعيد النظر في الآليات المتبعة لمعالجة موضوع خليج توبلي، وطريقة تقييم الأمور لكي لا نفاجأ في المستقبل أننا كنا نمارس «الخنق البطيء» لثرواتنا الطبيعية. لقد تم تجاوز الخط الأحمر بأمتار كثيرة وهي علامات تنذر بسقوط أوراق أخرى.
نفكر جديا خلال الشهور المقبلة، اقامة مخيمات وحملات بيئية بهدف نشر الوعي البيئي، والمساهمة في ايقاف التدمير البيئي الذي يتعرض له خليج توبلي وكذلك المنطقة الصناعية في المعامير وسترة، ونأمل أن يعاد التوازن البيئي لخليج توبلي قريبا.
سعيد منصور
ناشط بيئي وقائد عشيرة جوالة المالكية
العدد 133 - الخميس 16 يناير 2003م الموافق 13 ذي القعدة 1423هـ