هل باتت سورية مقتنعة بأن الحرب ضد العراق أصبحت وشيكة ومحتومة؟
هذا هو السؤال الذي يتبادر إلى الذهن عندما يجري النظر إلى النشاط الاستثنائي الذي تتابعه دمشق ودبلوماسيتها في الأسابيع القليلة الماضية، وهو نشاط يبدو في تزايد، وكأن دمشق في سباق حقيقي مع الزمن هدفه منع الحرب التي تكاد تندلع، وتفرز تأثيراتها المدمرة ليس على العراق وحده، بل على كل دول المنطقة، وستصل تأثيراتها إلى ما هو أبعد من المنطقة، طبقا لما يعتقده السوريون.
ففي آخر التحركات السورية، يقوم وزير الخارجية فاروق الشرع بزيارتين لطهران والرياض، إذ يسلم الرئيس الإيراني رسالة من الرئيس الأسد، ويلتقي في الرياض ولي العهد ويسلمه رسالة من الرئيس السوري، كما يجري محادثات مع وزير الخارجية سعود الفيصل، فيما تستعد دمشق لاستقبال الاجتماع الوزاري السداسي لدول الجوار العراقي في الأسبوع المقبل والذي يفترض أن يعد الصيغة المطلوب عرضها على زعماء دول قمة الجوار العراقي في تركيا، والتي تحضرها سورية ومصر والسعودية والأردن وتركيا وإيران، وتعقد تاليا في أنقرة، ويترافق ذلك مع استمرار اتصالات دمشق مع العواصم المختلفة منها بيروت والقاهرة من أجل هدف يكاد يكون وحيدا وهو البحث في الموضوع العراقي، وإمكان العمل على منع قيام الحرب ضد العراق.
وبطبيعة الحال، فإن ما يتم القيام به من الجانب السوري من اتصالات ومشاورات ولقاءات، هو استمرار لنشاط سوري واسع عربي ودولي، شارك فيه على مدار الأسابيع القليلة الماضية الرئيس بشار الأسد الذي زار كلا من لندن وباريس والجزائر، ونائبه عبد الحليم خدام الذي عاد أخيرا من موسكو، فيما كان الوزير الشرع يجري مباحثات مع المسئولين الأتراك الذين لديهم مخاوف لا تقل عن مخاوف السوريين من تأثيرات الحرب الأميركية إذا بدأت على العراق، وهو ما يفسر جانبا مهما من التقارب السوري - التركي الذي ظهر أخيرا في لقاءات الاتراك والسوريين، وفي حركتهما الدبلوماسية النشطة، بل يمكن قراءة اختيار دمشق مكانا للاجتماع الوزاري لدول الجوار العراقي الأسبوع المقبل، والمشروع التركي لعقد قمة إقليمية، تبحث في الموضوع العراقي بعضا من تقاطع الموقفين السوري والتركي في الموضوع.
ولاشك في أهمية التحرك الذي تلعب فيه دمشق دورا محوريا، إذ أنه يصب في تفعيل قوة شعوب ودول المنطقة من العرب والأتراك والإيرانيين، ودفعهم إلى رفع الصوت اعتراضا على احتمالات الحرب على العراق في وقت تتواصل فيه الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
و مما يضفي المزيد من الأهمية على التحرك السوري المتواصل أمران مهمان، الأول، تقاطعه مع تحركات في المنطقة، تقوم بها حكومات معظم البلدان سواء في الإطار الإقليمي أو في الإطار الدولي، والثاني ترافق هذه التحركات مع تحركات في أوساط الرأي العام بأحزابه ومنظماته من أجل منع الحرب، وهو جزء من نشاط عام، يلف نحو نصف دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، مطلقا الدعوات المناهضة للحرب، وداعيا إلى حلول سلمية للموضوع العراقي.
وإذا كان من الصعب، تقدير النتائج النهائية للتحرك السوري في إطار الحركة الإقليمية والدولية باتجاه منع الحرب، فإن جهودا بهذا الاتجاه، لن تكون من دون أثر حتى لو مضت واشنطن في مشروع حربها ضد العراق، ذلك أن العالم، لابد أن يصحو سواء على صوت مدافع الحرب، أو على مواجهة الآثار المدمرة التي ستترتب على حرب أميركية يكون العراق مسرحها
العدد 135 - السبت 18 يناير 2003م الموافق 15 ذي القعدة 1423هـ