بينما أكد طوني بلير ثانية دور بريطانيا في الشأن العراقي وذلك أثناء فترة جلسة برلمانية يوجه النواب خلالها اسئلتهم الى رئيس الوزراء...، صاح عضو برلماني: «ما الذي يهمنا في هذا الشأن؟»، وتصادف أن هذا العضو كان في صفوف المحافظين... ما أتاح الفرصة لبلير لأن يتحدى بازدراء الانشقاقات الخفية والكبيرة وسط مقاعد المحافظين فيما يتعلق بالحرب التي تلوح في الأفق.
أجاب رئيس الوزراء متحديه المجهول قائلا: «انه في المصلحة القومية لبريطانيا ان تأخذ موقفا متصلبا تجاه العراق». وعلى رغم ان اجابات بلير دائما واضحة مفحمة فإن هذه الاجابة أثارت مزيدا من الأسئلة أقلها:
«لماذا اذا من مصلحة بريطانيا القومية هذا التشدد؟».
ليس بالضرورة ان تكون من الجناح اليميني لكي تعترض على موقف بريطانيا، بينما هي مرة أخرى، تقف الكتف بجانب الكتف مع الولايات المتحدة الاميركية.
بالنسبة الى الرئيس بوش فإن فوائد دعم بريطانيا له واضحة وجلية، اذ يوفر بلير غطاء رمزيا للضربة العسكرية التي سينفذ الجزء الأعظم منها بواسطة الولايات المتحدة. ستكون مساهمة بريطانيا طفيفة. ولكن من حيث وجهة النظر البريطانية هنا بالضبط تبدأ المشكلات.
ستعطي سيناريوهات الحرب انطباعا مفصلا بأن بريطانيا تلعب دورا عسكريا كبيرا بعكس الواقع، ويشوه ذلك مرة أخرى الطريق التي تسلكه هذه الدولة والذي وضعت نفسها فيه. من السهل والمفجع، تخيل الساعات الاولى للحرب على شاشة تلفزيوننا. سيدلي الرئيس بوش بكلمة من واشنطن تذاع في جميع انحاء العالم. وبعد دقائق أخرى، سيفعل بلير الشيء ذاته من داونينغ ستريت، مع وجود حشد كبير من المراسلين السياسيين المتجانسين بالخارج وهم يبوحون بنبرات كئيبة: «كان بلير في محادثة هاتفية لمدة 30 دقيقة مع الرئيس بوش بعد ظهر اليوم...».
هذا ما حدث في ليلة بدء الحرب في افغانستان العام الماضي. ومن ثم لا أحد يذكر سواء بلير او المراسلون الدوليون بعد ذلك ما اذا كانت المشاركة العسكرية لبريطانيا مقتصرة على صاروخ وحيد رمزي أم غير ذلك. سيكون هذا السيناريو المضلل مدركا حالا في السنة التالية مباشرة كما كان الحال في حرب افغانستان. وتتبجح وسائل الاعلام بـ «جنودنا» وبرغبة بريطانيا في الحرب مقارنة مع بقية الجبناء في اوروبا، وتعتز اجزاء من بريطانيا بنفسها من خلال عظمة الدولة ومحتفلة بالعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة.
ويطلق البعض الشكوك جدلا عن أوروبا وأوهام الفخامة لمكانة بريطانيا في العالم.
وفي الخارج، هناك من المحتمل تفاعلان. أجزاء من اوروبا، وخصوصا أن دولا اخرى في شمال اوروبا كانت مذهولة من قبل بالموقف البريطاني. هنا دولة لا تستطيع تسيير قطار في وقته، ذات مستوى معيشة متدن مقارنة بكثير من جيرانها، ترى انه تقف الى حد ما الكتف بجانف الكتف مع القوة الوحيدة العظمى في العالم.
ويعزز احتمال حرب أخرى الغموض المحبط عن منزلة بريطانيا في العالم. هل هي في قلب أوروبا؟ هل هي الحليف غير المنحرف للولايات المتحدة؟ هل هي قوة عسكرية اساسية على رغم موازنتها العسكرية المتواضعة نسبيا؟
هذا يعتبر هراء ثانويا مقارنة مع عواقب أخرى خارجية. ينظر الى بريطانيا على انها هدف مغر اكثر في حرب وهمية أكثر خطورة والتي تسمى «الحرب ضد الارهاب». وجرت محاولات كثيرة لدمج الهجوم المحتمل على العراق بالمعركة الدائرة مع القاعدة وحلفائها الذين اساءت اميركا تعريفهم. كل هذه المحاولات أصبحت غير مقنعة، بريطانيا في موقف غريب بالاستعداد لخوض هجوم إرهابي محتمل بينما تتخذ موقفا رائدا آخر من المحتمل ان يثير مزيدا من الارهاب.
فيما يتعلق بالعراق فإن دور بلير يصعب تصنيفه، فلا شك في انه نأى ببوش بعيدا عن العمل الأحادي الى اللجوء الى الامم المتحدة. فقد لعب بيده الصغيرة بمهارة استراتيجية معتبرة. ولكن ما نهاية لعبته هذه؟
في الواقع نظرية بلير في الحرب لها اصداء بعيدة تعود الى الاستعداد للفوز بانتخابات العام 1997. ما بين الاعوام 1994 و1997 كان بلير عبقرية تكتيكية فهو يبني في تحالف لانتصار ساحق يأتي بتغيير النظام الضروري في العراق. كان أقل وضوحا في السياسات التي ستعقب الانتصار. فكانت كلمات مثل «التحديث» و«الاصلاح» تشوش الخوض في التفاصيل. اما الآن فهو يساهم في بناء مظلة دولية كبرى، ولكن ماذا سيحدث في حال «كُسبت» الحرب؟ يظل غامضا. ان اجابة بلير بغضب عن سؤال النائب بالقول انه لا يفهم لماذا بعض الناس يثورون تجاه الاطاحة بديكتاتور وغد؟.
ولكن هذه اجابة لسؤال مختلف تماما. مع معطيات المخاطر المماثلة، ليس كافيا الترحيب باحتمال ازاحة صدام من دون فهم واضح للعواقب بعد ذلك. فقد وضعت وعود لا تحصى وغامضة بواسطة زعماء المجتمع الدولي في اعادة بناء افغانستان بعد الحرب. ومن الواضح ان المجتمع الدولي وخصوصا الولايات المتحدة فقدت مصلحتها في افغانستان والتي تحركت من أجلها.
اذا عضو البرلمان البريطاني المجهول ولكنه في صفوف المحافظين سأل سؤلا وجيها: لماذا من مصلحة بريطانيا القومية ان تلعب دورا متشددا في قضية مازالت غامضة وخطرة؟ يحتاج بلير الى ان يجيب بردود وافية ومقنعة بعد عطلة عيد الميلاد.
خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط
العدد 135 - السبت 18 يناير 2003م الموافق 15 ذي القعدة 1423هـ