العدد 155 - الجمعة 07 فبراير 2003م الموافق 05 ذي الحجة 1423هـ

لماذا لم يذكر شيئا عن حرب أفغانستان؟

كولن باول في مجلس الأمن...

يعتبر الرهان المضمون عن التقرير الذي قدم إلى مجلس الأمن من جانب وزير الخارجية الاميركي كولن باول أو بواسطة الجنرال كولن باول - كما اعادت الصحافة الأميركية تعيينه سرا الآن - انه لم يتحدث عن افغانستان.

فمنذ ان اصبحت حروب افغانستان نموذجا للدور «الناجح» للمجازفة الامبريالية الاميركية المرتقبة في الشرق الأوسط، فإن التدهور الوشيك للسلام في هذه الارض الموحشة والتآكل المستمر للقوات الاميركية في افغانستان - بالهجمات الليلية على القوات الاميركية والدولية والفوضى في المدن غير كابول، وسيطرة جنرالات الحرب وتجارة المخدرات وارتفاع اعداد القتلى - امور لا تذكر ورواية يتم حذفها على الدوام من وعي الاميركيين الذين يرسلون شبابهم وشاباتهم الآن بعشرات الآلاف لتمثيل قصة «نجاح» أخرى.

كتبت هذه القصة في موطن الرئيس جورج بوش، ولاية تكساس، حيث تنكس الاعلام على ربان المكوك كولمبيا، وحيث يرسل من هناك مزيد من قوات لواء مدفعية الدفاع الجوي «108» من قلعة بوليس إلى الشرق الاوسط، والانتشار الواسع من قاعدة هولومان الجوية في نيومكسيكو المجاورة لقاذفات القنابل «نايت هاوك - اف 117»، التي لم تلق غير القليل من الذكر في تقرير من «75 كلمة» في صحيفة «أوستن» المحلية.

فقط في نيويورك وواشنطن يشير المثقفون المحافظون الجدد - بفحش - إلى أن موت ربان المكوك كولمبيا ربما يقوي اكثر عزيمة ووحدة اميركا لدعم مجازفة بوش في العراق.

وقبل أشهر قليلة كان المطلوب منا الاعتقاد بأن «نجاح» ما بعد الحرب في أفغانستان يوحي جيدا بـ «نجاح» ما بعد الحرب في العراق.

اذا، دعونا نخترق الستائر هنيهة ونمعن النظر في مقاومة تلك الأرض التي تعهد كل من بوش وبلير بألا يهملاها. هل استسلم اولئك الذين يعلمون ان لدى تنظيم القاعدة محطة اذاعة تعمل داخل افغانستان وهي تدعو إلى الجهاد ضد اميركا؟ نعم حقيقة.

هل استسلم مرة أخرى كل من باستطاعتهم تخمين كم من مخابئ اسلحة تكتشفها القوات الأميركية يوميا بعد ان ادخلت إلي افغانستان ثانية بعد الحرب الاميركية «الناجحة»؟ هل هناك اية قوات اميركية تراجعت عن مواقعها على طول الحدود الافغانية - الباكستانية؟

ربما تقول لا توجد. ولكنك اخطأت. على الاقل هناك خمسة مواقع، وفقا لمصادر باكستانية في الجانب الآخر من الحدود، وقد اعترفت القوات الاميركية بتراجع واحد فقط.

في 11 ديسمبر/ كانون الاول الماضي، غادرت القوات الاميركية موقعها العسكري الخارجي في «لوار» بعد تعرضها لهجمات صاروخية ليلية دمرت عرباتها العسكرية. وقد انسحب حلفاؤها الافغان بعد ايام ومن ثم قصف مقاتلو القاعدة المعسكر الأميركي بوابل من النيران وتمت تسويته بالارض.

انها علامة فقط على فشل مهمة اميركا في افغانستان. وقد اوردت صاحبة الجلالة صحيفة «وول ستريت» المحافظة - وهي منارة السياسة الامبريالية والاسرائيلية في الشرق الاوسط وجنوب غرب آسيا - مقالا طويلا ومثيرا عن التقهقر الاميركي في افغانستان، مع انها طبعا لم تسمه «تقهقرا». كان تحقيق مارك كوفمان بعنوان «الجنود الأميركيون مازالوا يواجهون عدوا وهميا». كان العنوان شبيها بمقال اوردته - روبرت فيسك - في تغطيتي بعد سنة أو نحوها من الغزو الروسي لافغانستان في العامين 1979 - 1980.

وتذكرت الآن وصف الضابط الروسي في قاعدة باغرام الجوية «بقايا الارهاب المجاهدين» بأنهم «مؤامرة غربية» ضد محبي السلام من الافغان (والشيوعيين)، لذلك لاحظت المتحدثين الأميركيين يؤكدون بمرح - نعم، في قاعدة باغرام الجوية نفسها - أن «بقايا» القاعدة فلول من اتباع بن لادن.

واقيمت معسكرات التدريب مرة اخرى داخل افغانستان، ليس بواسطة قوات جلال الدين حكمتيار الافغانية العنيدة المناهضة لاميركا - كما يعتقد الاميركان - ولكن على يد عرب. وشملت المعركة الاخيرة بين القوات الأميركية و«بقايا» عدو بالقرب من «سبن بولداك» في اقليم «قندهار» مزيدا من المقاتلين العرب، كما ذكر ذلك زميلي فيل ريفز. ووطدت قوات الحزب الاسلامي التابعة لحكمتيار روابطها بتنظيم القاعدة وطالبان، وهو ما فعلته بالضبط «بقايا الارهابيين المجاهدين» نفسها في شتاء العام 1980، بعد سنة من الغزو السوفياتي.

قتل اميركي بواسطة لغم ارضي نصب حديثا في منطقة «خوست»، وتم تفجير 16 مدنيا بلغم آخر وضع حديثا خارج قندهار، بينما ألقيت قنابل على اميركيين أو قوات دولية في كابول، وهناك مزيد من التقارير عن الاغتصاب وحرق فصل مدرسي لطالبات في شمال افغانستانا... كل هذه الحوادث هي الآن نتاج للوضع الفاسد لحرب الامس.

لذلك لم يتبجح أو يفتخر كولن باول امام مجلس الأمن بنجاح اميركا في حرب الاستخبارات في افغانستان. كل ما ادعاه هو وجود صور اقمار اصطناعية تظهر مواد كيماوية تم نقلها إلى العراق، أو التقاط مكالمات هاتفية قيل انها تثبت ان العلماء العراقيين مازالوا يباشرون عملهم القذر، ولكنه لم يفسر من جانب آخر كيف ان جميع الاعتراضات على «محادثات الاتصال»، التي ذكر انها تم تجميعها في افغانستان، لم تبرهن شيئا. وبقدر ما حدث في افغانستان، تستطيع ان تقتبس من الشخصية الكوميدية البريطانية باسيل فولتي، «مهما تفعل من شيء، لا تذكر الحرب»

العدد 155 - الجمعة 07 فبراير 2003م الموافق 05 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً