عدد مجموعة الإداريين في كل مدرسة هو الذي يحدد قدر الأعباء الإدارية التي تقع على عاتق المدرس إلى جانب عمله الفني وهو التدريس، وهو الذي يحدد إمكان عطاء المدرس وتطوير قدراته والإنتاجية التي يقوم بها اتجاه الطلبة، وطالب المعلمون بحل هذه المشكلة كثيرا فلا حل يوجد مع تراكم الأعباء على المدرس فهم الآن ينظرون بعين اتجاه الوزارة وبأخرى اتجاه مجلس النواب للنظر في أمرهم.
في بعض الدول يصل عدد الإداريين في المدرسة إلى 10 أو 15 إداريا ما بين مدير ومساعد ومشرف واختصاصي وسكرتير، أما عندنا فان كل مدرسة - كثر عدد تلاميذها أو قل - لا نجد فيها سوى مدير ومساعد واختصاصي وسكرتير ولأن الحال كذلك فإننا نجد المدرس هو المشرف ومراقب حركة التلاميذ أثناء الفسحة بل ويكلف بالعمل داخل المقصف المدرسي باعتباره مشرفا على الطلاب يدربهم على البيع والشراء ويعودهم اليقظة في هذا العمل هكذا يقول بعض مديري المدارس عن حدود عمل المدرس في المقصف ولكن هناك بعض المدارس التي تطالب المدرس أن يبيع ويشتري أي يتعامل مع متعهدي توزيع ما يبيعه المقصف ويقف ليوزع ذلك على التلاميذ، وهذا العبء الذي فرضه قلة عدد الإداريين في المدرسة لا يعفي المدرس من أعباء إدارية أخرى منها المساهمة في الأنشطة الطلابية والمسابقات والمناوبة ومساعدة الطلاب الضعاف وعلى كل مدرس أن يدون في دفتره الأنشطة التي سيقوم بها (مشاركة في الاحتفالات - عمل مجلات - الإشراف على إبداعات الطلاب - عمل الوسائل التعليمية) ويحاسبه المدير على ما نفذ من اقتراحاته ويدون كل ذلك في سجل زيارات المدير ويؤخذ به في التقرير السنوي.
ومن الأعباء الإدارية أيضا إعداد الكشوف المتعلقة ببيانات الطلاب واستخراج الدرجات والمعدلات ومتابعة الغياب. بل وإصلاح ما اعوج من أمور وسلوكيات بعض الطلاب داخل الحصة حتى يستطيع السيطرة على الطلاب وإلقاء الدرس الذي هو صميم عمله. من كل ذلك كان السؤال ذا علامة الاستفهام الكبيرة.
هل الأعباء الإدارية للمدرس تؤثر على أدائه الفني؟ وبمعنى أوضح هل يؤثر على عمله في شرح الدروس المختلفة والحرص على إدخال هذه المعلومات إلى عقول أبنائنا على اختلاف فروقهم الفردية؟
الأعباء الإدارية لها دور
فاعل في العملية التربوية
يقول أحد المدرسين إننا لا نستطيع أن نقلل من أهمية الأعمال الإدارية أو من حاجة المدرس الماسة إليها وذلك لما لها من دور فاعل في دفع العملية التربوية، ولكننا نلاحظ وللأسف اعتمادا كبيرا على بعض المدرسين للقيام بالأعمال الإدارية وذلك بسبب الأعباء الثقيلة الملقاة على كاهل مدير المدرسة ومساعده، فالزيارات الصفية متتالية ومتتابعة والاجتماعات تأخذ الوقت الكثير إضافة إلى جداول المدرسين ومشكلات الطلاب وغيرها من الأعمال التي تتطلب من المدير ومساعده أعمالا متواصلة ترهق الاثنين معا (وهنا تساءل) ولكن هل يستطيعان القيام بالأعمال الإدارية كاملة؟
وأجاب، طبعا لا يمكن ذلك حتى لو واصلا الليل بالنهار، ربما يقوم المدرس ببعض الأعمال الإدارية وهذا ضمن عمله المكلف به ولكن من المشرف على الغياب ومتابعة حالات الطلاب وغيابهم والأخذ بأيديهم وحل مشكلاتهم وإلى غير ذلك من أعمال كثيرة تستدعي وجود إداريين مختصين داخل المدرسة.
الإشراف الإداري يعوق الأنشطة
وأكد أحد المدرسين ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ ان إسناد العمل الإداري للمدرس يؤدي إلى إرهاقه وربما ينعكس هذا سلبا على محور العملية التربوية ألا وهو الطالب، والإشراف الإداري لا شك انه يقف حائلا أمام المشاركة في الكثير من الأنشطة المدرسية التي تخدم العملية التعليمية وقد يؤدي أيضا إلى وجود بعض المشكلات أو الحساسية في المعاملة بين المدرس وزملائه، إضافة إلى ان المدرس المكلف بالعمل الإداري لا يستطيع القيام به على أكمل وجه، فلابد من وجود بعض الثغرات في عمله.
وطرحنا الموضوع بشكل مختلف في صيغة سؤال على رجل في الميدان التربوي منذ 30 سنة وعمل مديرا لمدة عشر سنوات... لماذا لا يتفرغ المدرس للتدريس فقط ويترك الأعمال الإدارية الأخرى لأشخاص آخرين؟
أجاب مدير مدرسة... من يقوم بتلك الأعباء المدير أو المساعد أو الاختصاصي الاجتماعي... نحن مدرسة إعدادية مكونة من عدد كبير من الطلاب وتتكون الإدارة من مدير واحد ومساعد واختصاصي اجتماعي واحد... وهل يعقل أن يتفرغ الثلاثة لكل الأعمال الإدارية طبعا مستحيل لان الأعباء الإدارية كثيرة على كاهل المدرس كرصد الدرجات واستخراج المعدلات وريادة الصف والأعمال الإشرافية داخل المدرسة واشتراكه بالأنشطة الخاصة بالمدرسة كل ذلك على رغم انه يأخذ وقتا وجهدا من المدرس إلا انه واجب على المدرس القيام به ويدخل ذلك ضمن التقرير السنوي للمدرس وهذا هو الوضع عندنا.
التجربة التونسية
من خلال الإطلاع على بعض النظم الدراسية في الوطن العربي لاحظنا ان المدرس في المدارس التونسية يقوم بالتدريس فقط ثم يرصد درجات الطالب على ورقة مدونة بها الأسماء للصف كاملا ثم يقدم هذه الدرجات لإدارة المدرسة لاستخراج النتائج كما لاحظنا ان مدرسي الصف الواحد يجتمعون في نهاية كل فترة دراسية ليقرروا نجاح الطالب أو رسوبه وعلى إدارة المدرسة استخراج وتوزيع الشهادات والسبب الدافع لذلك هو ان لكل مدرسة هناك (في تونس) طاقما إداريا خاصا لاستخراج النتائج وهذا الطاقم الإداري في معظم المدارس التونسية تتكون من مديرين و3 مساعدين و4 مشرفين واختصاصيين و3 سكرتارية أي ان عدد الإداريين ما بين 10 إلى 15 شخصا حسب عدد طلاب المدرسة وهذا العدد يكفي للقيام بالأعمال الإدارية ما يساعد على تخفيف العبء عن المدرس وتفريغه للتدريس.
استراتيجية الجودة
أصبح لزاما على كل الأطراف المعنية بالعملية التعليمية والتربوية وعلى رأسها المعلم أن يتسلح بكل ما هو جديد في ثورة المعلومات التي حولت العالم بأسره إلى قرية واحدة متناهية الصغر، وانطلاقا من هذه القناعة لابد من تبني القيادات الواعية استراتيجية الجودة والإبداع كأساس يجب أن تستند إليه مخرجات التعليم وهذه دعوة لا ننكرها عليهم كون المؤسسات التعليمية والتربوية هي من أهم الروافد التي تؤثر في المجتمع وتتأثر به والتي تعنى بتخريج الكوادر البشرية الفاعلة، وعليه فقد برز للمعلم دور جديد كونه المحور الرئيسي في منظومة التعليم والتربية فهو مطالب بأن يشجع طلابه على الإبداع والابتكار والتعبير عن آرائهم وأن يثمن لديهم مهاراتهم للتعلم الذاتي لان الحاجة لتعليم نوعي يؤهل أبناءنا لأداء دورهم في مجتمعهم بكفاءة أصبحت ماسة وملحة، ولكننا أقول إن فاقد الشيء لا يعطيه لأننا إذا أردنا ان نطالب بهذا الدور الجديد فعلينا أن نهيئ الأجواء الملائمة لذلك ونحدد الآليات المطلوبة، ولعل من أهمها التخلص من كل ما يستنفد وقت المدرس وجهده من أعمال إدارية، اذ ان تحديد الأدوار والتقيد بها وتوزيع المسئوليات والعمل عليها هو الذي يحقق التميز.
وإذا نظرنا إلى الميدان لمسنا المسافة الشاسعة بين ما هو رائع وما هو مؤمل فالمعلم مشتت التركيز نظرا الى قيامه بأمور عدة بعضها ذو صلة بعمله وبعضها مكمل وبعضها لا يمت لمتطلبات عمله بصلة فهو مطالب ولو بشكل ودي بكتابة الكشوف والمتعلقة ببيانات الطلاب وما إلى ذلك مما قاله من سبقوني في الحوار.
الحاسوب يسهم في تخفيف العبء
وعندما أدخلت تقنية الحاسوب في المدارس تنفسنا الصعداء لأن الجميع توقع أن يوفر الحاسوب مشقة هذه الأعمال الكتابية والإدارية ولكن سرعان ما تبدد الحلم لأن المعلمين أصبحوا مطالبين بتدقيق كشوف الحاسوب لان الخطأ وارد، ومن هنا لا يمكن إلقاء اللوم على إدارات المدارس التي تعاني في أحيان كثيرة من نقص في طاقمها الإداري تضطر معه للاستعانة بالمعلمين وذلك لكثرة أعبائها وتشعب مسئولياتها ولكننا في المقابل نقول إنه ليس من المعقول أن يتحمل المعلم تبعة ذلك، واعتقد انه يجب أن يوفر للمعلم فضاءات أوسع وأرحب من حريته في التفكير والحركة يستطيع من خلالها تجديد نفسه وشحذ همته وصقل ملكاته لا ان يتم إرهاق كاهله بأعباء إدارية كثيرة وان تتم قولبته بأفكار جامدة تحد من طموحاته وعطائه.
أعباء أخرى وتحقيق الذات
ومن الأعباء الأخرى ارتفاع نصاب الحصص لدى بعض المعلمين الذي قد يصل الى 21 حصة في جميع المراحل الى جانب أعمال المناوبة، وحصص الاحتياط، وريادة الفصول بجانب تصحيح الكراسات والتحضير للدروس، والأنشطة المدرسية الأخرى التي يكلف بها المعلمون مثل حضور الدورات التدريبية وإعداد البحوث.
ويقترح بعض المدرسين أن ينظر الى وظيفة المعلم من خلال تقسيم الواجبات وإيجاد بدائل مناسبة تخفف من الأعباء الوظيفية نظرا لأن المعلم مطالب بالنهوض بمستوى الطلاب الضعاف والذين يشكلون هاجسا وهما للمعلم والمعلمة الذي يقضي أجمل الأوقات بين طلابه عندما يتبادل معهم الآراء ويعطي بلا حدود علمه وثقافته لهم.
كما ان المعلمة في دولتنا بالإضافة إلى أعبائها في البيت ومسئولياتها تجاه الأسرة والمجتمع ومحاولتها إثبات وجودها والمشاق التي يواجهها في سبيل ذلك تنظر الى الوظائف الأخرى فلا تجد لها المتاعب والمسئوليات نفسها التي تكابدها حين تسند إليها الأعباء الإدارية مثل المناوبة وأعمال الريادة ومعالجة مشكلات الطلبة وتحمل تصرفات بعض الطالبات من ذوي الأسر المتفككة وكل ذلك يحد من عطائها ويحجم بذلها وجهودها وإذا خففنا الأعباء التي تحدث عنها الزملاء والزميلات فان ذلك يساعدها على الابتكار والانطلاق نحو مزيد من العطاء، وأكدت صفاء طه انه إذا كانت النظرة إلى الطالبة والطالب على انهما محور العملية التربوية فالمعلمة والمعلم يمثلان الأم والأب والقدوة والمثل لأبنائنا وبناتنا وكيف لهما أن يكونا كذلك وهما مثقلان بالأعباء الإدارية التي تحد من الإبداع في المسئوليات الفنية.
المشرف الإداري ضرورة تربوية
خلاصة الأمر نستطيع ومن خلال عملنا الميداني أن نؤكد ضرورة توفير المشرف الإداري داخل المدرسة ليكون عونا لمدير المدرسة ومساعده ويخفف من الأعباء الثقال الملقاة على كاهل الإدارة والمدرسين، فالمشرف المتخصص هو الذي يتقن عمله الإداري وهو المتفرغ لهذا العمل الذي يحتاج إلى جهد متواصل وغير منقطع، وأما أن تبقى الأعباء الإدارية ملقاة على كاهل المدير ومساعده وبعض المدرسين فهذا أمر غير صحيح ولا يستند إلى أسس تربوية سليمة وخصوصا ان مدارسنا تحتاج جميعها إلى مزيد من الإداريين لما تحتوي عليه من ازدحام طلابي واختلاف في منابع تربيتهم وتنشئتهم
العدد 161 - الخميس 13 فبراير 2003م الموافق 11 ذي الحجة 1423هـ