النص المنشور للشاعر السعودي فهد عافت يدفعنا إلى إعادة النظر فيما نرتكبه من ثرثرة وهلوسات نظن اننا «نحسن» صنعا... فيما نحن نصنع «النحس» لأجيال تكاد تفيق على نعي وعواء أكثر منه «نشيد» «يدشن» التبرير العميق والحقيقي لمعنى وجودنا على أديم هذا الكوكب.
فهد عافت شاعر طويل... طويل النَفَس والروح والمغامرة والكشف والإدهاش... طويل بذهابه العميق ومجيئه الأعمق... بسهره على نمو رأسه الكفيل بتخريب بلادة استقرار الأمكنة التي تتحرك فيها نصوصنا الشعبية... في الحدود القصوى من اصطناع المكابدة.
لاأزال أحتفظ بذكرى عطرة وقاسية عن فترة تعاملي وعملي مع عافت في المشروع الذي طالما حلم بتحويله الى خبز يومي يغزو بيوتات البشر البسطاء بكل هموهم وأوهامهم وحتى أقساطهم التي لا تعرف الى النهاية سبيلا... أقساط تمتد من الحق في الحياة ولا تنتهي بأقساط وضريبة أن يولد بعضهم دميم الشكل... كواجهة دبابة... أو شاهد قبر!.
كان مدهشا صاعقا كعناق عدو بعد ندم... ندم طويل... مألوفا كبسملة... متاحا كهواء... عصيا كصبر أب متشح بتيجان من الكبرياء والاحتساب... مهانا كالمدن التي عممت دروس صبرها وصمودها وصلاة خوفها... غريبا كحرف في مهب التهجئة... عنيفا كزلزال داهم مخلوقات لاذت بالعراء!.
الذين عملوا مع الرجل عن قرب اكتشفوا وسيكتشفون روحه المراوغة والمغامرة... المراوغة في وجلها وخجلها من المساس بكل ما من شأنه إثارة حفيظة الحياة ... والمغامرة بذهابها الفادح نحو آفاق هي موضوعة للتهلكة كل التهلكة!. يوم أن اسندت إليّ مهمة كتابة مقدمات القصائد في مجلة «قطوف» وكان يرأس تحريرها... توجست خيفة من هكذا اسناد «عليّ أن أنسلخ ربما من قناعاتي تجاه عدد من النصوص والأسماء معا»... وأتذكر وقتها أن نص (الجواشن) للرائعين قاسم حداد وأمين صالح لم يفارقني أينما وليت وجهي شطر الغربات... وأعترف انني استوحيت منه كثيرا من نصوص تقديم القصائد... وأبى عافت إلا ان يمارس مهمة عودة النصاب الى حيث ينتمي... في لقاء أجرته معه الزميلة «فواصل».
أكررها... فهد عافت... رجل طويل النَفَس والنفْس... طويل بتقصيه أخبار أحبته ونصوصهم... رحب وموحش معا كبرية هادنها مطر طارئ... متاح كاللغة لدى عاشق مطعون.
من يجرؤ على ارتكاب نصوص بكل هذه الفداحة والرعب والأمل في حدوده الفارهة التي لا تجيء... ولا يبلغها إلا الراسخون في الشقاء؟
من يجرؤ على تلمس مواطن الروح سوى رجل هو في الصميم من بناء وهندسة الروح؟
من يجرؤ على تركنا في مهب الحنين إليه... الى عنفه وقسوته ومزاجه وتجهمه ومراوغته، سوى رجل بحجم رجل طويل يدعى فهد عافت؟
العدد 203 - الخميس 27 مارس 2003م الموافق 23 محرم 1424هـ