العدد 205 - السبت 29 مارس 2003م الموافق 25 محرم 1424هـ

مسقط الرأس... بين الحنين والهجران

هل السعادة أن يسكن الإنسان في قصور مشيدة، وحدائق غناء، وأنهار جارية، بعيدا عن الناس، وقد بنيت بينه وبينهم جدران عالية؟

لو خيرت بين العيش مع أهلي وعشيرتي في بيوت صغيرة تنقصها الحداثة، وبين السكن في حديقة غناء لا يسكنها بشر، لا أعتقد أني سأختار الثاني، ولو سألت من ترك منطقة سكناه إلى فيلا بنيت بأحدث التكنولوجيات عن معاناته لوجدته في همٍّ كبير، وكأنه فقد أعز الناس إليه، لأنه لم يعد يرى أصدقاء طفولته، لم يرَ الطرق والشوارع التي ترعرع فيها ونشأ، ويمكن أن يكون غير مقتنع بالحياة التي عاشها يوم ذاك، وكم كان يتأفف من الفقر والحياة الصعبة التي كان يعيشها مع والديه وجمع من إخوته وأخواته، وكم كان يتمنى أن يسكن المنازل ذات الطابع الغربي.

في تلك الحقبة من الزمن كانت القوة والمحبة والتعاون رمز اتحادهم، كانت قلوبهم واحدة يحبون بعضهم بعضا، ترى الكريم منهم قد فتح مجلسه لاستقبال أهل منطقته يدعو إخوته إلى التسامر والحديث والتشاور في جميع أمور دينهم ودنياهم، بهذا الاتحاد سجلوا انتصارات عدة في مواجهات دامية بين من تسول لهم أنفسهم الاعتداء على أعراضهم، وبإيمانهم بالله الواحد الأحد سجلوا انتصارا آخر على أنفسهم، فكانت الأخلاق دينهم، والشيمة فعلتهم، ومساعدة المستضعفين جهادهم.

ان شباب الأمس آباء اليوم، مازالت رواسب حبهم لتلك المحاسن جارية في عروقهم، فما من مناسبة حزن أو فرح إلا وهم في المقدمة، يتغنون بأمجادهم، سعداء بإنجازاتهم في تلك العقود الماضية، ويحاولون أن يزرعوا شعورهم هذا أيضا في شعور فلذات أكبادهم، وقد نجح أكثرهم وخصوصا ذوي العواطف الجياشة منهم في تبني أبنائهم العيش في أحيائهم القديمة مع جداتهم وأجدادهم الذين لم تتزين الدنيا في أعينهم، بل بقوا يتعايشون مع القطط والفئران والحشرات الزاحفة، ينتظرون من يأتي إليهم ليعيد بناء هذه الأطلال ويعيد إليهم أمجادهم وأبناءهم بعد طول هجران.

محمد رضا النشيط

العدد 205 - السبت 29 مارس 2003م الموافق 25 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً