العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ

المراسم حفظت أمانة عاشوراء

عضو اللجنة المركزية في حزب الله الشيخ مالك وهبي:

توجهت «الوسط» بسؤال عن معنى عاشوراء الديني والزمني اليومي، إلى عضو اللجنة المركزية لـ «حزب الله» الشيخ مالك وهبي فأجاب بالآتي:

ليست عاشوراء مجرد زمان، كما ان كربلاء ليست محض مكان، فقد خرج كلا اللفظين عن مدلولهما الخاص وتشكل لهما على مدى التاريخ في وجدان الامة مدلول عام يحوي ابعادا متعددة تجسدت في مضامين عظيمة وامتزجت مع اشكال مختلفة. قد يطلق عليها لفظ الطقوس والمراسم، ونحن لا نحبذ استخدام كلمة «الطقوس» بل نقتصر على كلمة المراسم والمجالس. وقد تمكنت الاجيال السابقة من حفظ هذه المناسبة في وجدان الامة وحفظت الامانة بإبقاء هذا الحدث شعلة وضاءة. ولئن تم التركيز في بعض مراحل الزمن ولدى بعض المحبين على المراسم واحياء المجالس من دون التنبه الى المضامين والابعاد الفكرية والمعنوية فإن هذه المراسم والمجالس هي التي سمحت للاجيال اللاحقة بالتنبه الى تلك المضامين. الا ان الشيء المؤكد هو ان الاهتمام بتلك المراسم واحياء تلك المجالس لم يكن بهدف اظهار الامر وكأنه طقس غير مفهوم نأتي به من غير وعي، ولم يكن هذا ما يسعى اليه الائمة (ع) من أهل البيت حين دعوا إلى إحياء امرهم.

لقد شكلت عاشوراء وكربلاء ساحة صراع جلي بين طرفين احدهما إمام من ائمة العدل والهدى والصلاح، والآخر من ائمة الضلال والظلم والفساد. وإمام العدل والهدى إمام على كل المستويات، فشكلت كربلاء مدرسة من مدارس التوعية وبث روح التضحية في النفوس في كل موقف يتطلب هكذا روح. واذا كان الامام الحسين (ع) سعى الى «الاصلاح» في امة جده (ص) كما صرح بنفسه قبل انطلاقته الى الكوفة، فانه كان في الحقيقة يسعى الى اسمى الاصلاح وهو صون الاسلام عن الضياع، وحفظ الامة الاسلامية من ان ترتد الى الجاهلية بكل قيمها، كما كان يسعى اليه ائمة الضلال في ذلك الزمن. وقد كان للهدف الاسمى الذي وضعه الامام الحسين (ع) نصب عينيه قيمة بحيث يستحق ان يبذل الامام (ع) وخيرة من معه النفوس في سبيل تحقيقه، وقد تحقق، ولذلك وصل الاسلام الينا ناصعا. ولئن كنا نعاني من بعض النواقص فيما وصلنا فإن هذا خير من ألا يصلنا اساسا. ولذلك كانت الأمة الاسلامية بكل فئاتها ومذاهبها مدينة للامام الحسين (ع) في وصول الاسلام اليها، ولولا تلك التضحيات التي بذلت في كربلاء لكنا شهدنا جاهلية، ولكان الاسلام مجرد تاريخ. الا ان شهادة الامام (ع) ومن معه قامت مقام المعجزة، ولذلك ساوت في قيمتها قيمة الاعجاز الإلهي في حفظ القرآن من الضياع والتحريف.

إن أهم الدروس التي نستقيها من عاشوراء الامام الحسين (ع): ان الوقوف في وجه الظلم لا يكفي فيه اطلاق الشعارات، فكم من الشعارات التي اطلقت في زمن الامام الحسن (ع) في عام خمسين للهجرة، الا انه حين أراد القيام رافضا البيعة التي اريد منها ان تكون توقيع الإمام على اقصاء الاسلام، خذله اولئك الذين ادعوا الاستعداد للنصرة، وليتهم اكتفوا بذلك بل وقفوا في وجهه يحاربونه وينكرون ما كانوا اعترفوا به. وهذا يعني ان شعارات الحب للحق والعدل لن تكون كافية الا اذا كان الحب مسيطرا في قلوبنا، مؤثرا في افعالنا، مشعا في ارواحنا، حينها نكون مستعدين لسماع صوت الحق والعدل في مواجهة الظلم والفساد.

إن كل محب للعدل يحب مظاهر العدل، وكل محب للحق يحب مظاهر الحق، وكل مبغض للظلم يبغض مظاهر الظلم من غير أن يتأثر لا بانتماء ولا بانتساب، فالعدل جميل من اية جهة صدر والظلم قبيح من اية جهة جاء.

وفي كل موطن يظهر ظلم نكتشف اننا بسكوتنا عنه عمليا يتعشعش في مجتمعاتنا حتى نصير من اولياء الظلم والظالمين. لن يكون الاستنكار كافيا ولا الشعارات الرافضة، بل يجب ان نملك روح الاستعداد لمواجهة هذا الظلم ومن اجل احياء العدل ونشره في كل ساحة صراع بين الظلم والعدل، وكربلاء مظهر من مظاهره تحتاج الى نفوس كنفوس اهل العدل في كربلاء لنجابه الظلم. وما لم نتمكن من تربية نفوسنا بالاستفادة من المدرس الاعظم الامام الحسين (ع) ومَنْ معه لنصل الى مستوى التحدي، فلن يكون لنا اي تاثير في اقصاء ظلم او تضعيفه او ارجاع حق او صونه.

إن الكثير من التصنيفات المتعارف عليها بين الناس ستتبدل في ساحة يتواجه فيها اهل الظلم والعدل، فربما نجد مسلمين يقفون في وجه العدل بينما نجد مستضعفين من غير اهل الاسلام في صفوف العدل. وكلما اشتد الظلم اشتد العطش للعدل... كلما اقتربنا من ساحة صراع هي اشد ما يكون يتحد فيها المستضعفون ضد المستكبرين، وسنجد ان الراية التي ستخرج وتنتصر ضد الظلم هي راية العدل العالمي في مواجهة الظلم العالمي .

إن درس عاشوراء درس صريح واقعي للشروط الواجب توافرها في كل نهضة تريد ان تحقق هدفا هو من مظاهر العدل او لاقصاء مظهر من مظاهر الظلم. وهكذا قال الامام الخميني: «كل ما لدينا من عاشوراء». ولأن عاشوراء مدد عظيم لكل ساحة صراع بين الظلم والعدل، فهي المدد لساحة الصراع العالمية التي نحن نقبل عليها شيئا فشيئا، بين الظلم العالمي بكل مظاهره الفكرية والسلوكية من سياسية واخلاقية، وبين العدل العالمي بمظاهره المتنوعة

العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً