العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ

عاشوراء العام... بين إبداعات الشباب وغياب المآتم

لم يعد الموكب الحسيني ومسيرات التعزية، على رغم أهميتها وخصوصيتها أيضا، هي الفعالية الوحيدة التي حكمت طرق إحياء موسم عاشوراء لهذا الموسم، فقد برز واضحا تأثير أجواء الانفتاح والحرية في صوغ عقلية المبدعين من الشباب باتجاه رؤى أخرى، وأساليب إبداعية جديدة. ووضح أيضا أن التشبث بالقديم ليس رغبة ولا حبا في الجمود، وإنما لوجود القيود والهواجس الكثيرة التي تحكم عقلية المبدعين من الشباب. وما هذه الطفرة في الأساليب إلا جسا للنبض لتفجير طاقات أكبر، كما عبر عن ذلك أحد المشتغلين بهذا الهم.

ووضح أيضا حجم الاستثمار المؤسساتي لهذه المناسبة، فنشطت مختلف الجهات والجمعيات الثقافية والسياسية في طرح مشروعاتها، وتقديم نفسها للناس مستفيدة من الطابع الجماهيري الحاشد والمتنوع الذي يغلب على هذا الموسم بالذات، فانتشرت الكتيبات والنشرات والمواد السمعية والبصرية، وبرز الدور الخطابي للتعريف بالفعاليات والمشروعات. كما برز التنميط الثقافي لهذه الفعالية، في محاولة لإعطائه بعدا شعبيا من خلال حوارات المثقفين التي دشنت بقوة في هذا الموسم، إلا أن الغائب الأكبر في هذا الخضم الحاشد هي المآتم وبامتياز، فقد بدت عقلية العائلة والاتجاه الفكري والعصبوي واضحة ضمن أطر التحالف والتضاد، وهذا الاتجاه لا يبشر بالخير مستقبلا، وعلى رغم أن بعض هذه المآتم لها جماهيرها الواسعة، فإنها لم تطور من أدائها، ولم تحاول تلبية طموح جماهيرها، بل اشتغلت بهمومها الذاتية على حساب الأهداف الكبرى لثورة الإمام الحسين (ع).

نقطة أخرى يمكن إثارتها وبصراحة، وهي أن الجهد المؤسساتي ليس قائما على أسس هيكلية تضمن بقاء جذوة هذه الفعالية مستمرة، وإنما غالبية الإشراقات والإضاءات في هذا الموسم نتيجة حماس شبابي منقطع النظير. وغالبية الشبيبة لا ينتمون إلى المؤسسات التي يعملون تحت لوائها، وبالتالي فالحاجة ماسة جدا إلى إعادة هيكلة المؤسسات الثقافية والسياسية منها، لتتمكن من احتواء الشباب وإبداعاتهم من دون أن تكون عالة عليهم أو سارقة لجهودهم، لأن هذا قد يؤثر سلبا على هذه الأنشطة والإبداعات الرائعة.

آخر ملاحظة يمكن إثارتها في هذا المجال، هو بروز ملامح مستقبل جميل للوحدة بين أبناء هذا الشعب، إذا خطط له بصورة دقيقة وجريئة في الوقت نفسه. فقد كانت شعارات الموكب في التسعينات تقول: «يا أيها المسلمون، اتحدوا اتـحدوا» وما أحوجنا للوحدة في هذه الأيام. ويقينا إن قلوب جميع أبناء هذا الشعب تخفق للوحدة والمحبة والوئام في ظل تصاعد الهجمات العدوانية الأميركية والصهيونية على العرب والمسلمين، ويقينا إن الحواجز المصطنعة بدأت تنهار. نعم، لقد ذوبها دم الحسين (ع) فعلا، وهي بحاجة إلى العزم والإرادة والجرأة لمحوها من ذاكرة هذا الشعب، وما حملات التبرع بالدم التي حضرتها فعاليات شعبية من مختلف الأطياف، والجهات الرسمية أيضا، حتى البوذي والبريطاني والأميركي، إلا رسالة بأن الدم يفعل فعله في تحريك العالم بكامله نحو الأهداف النبيلة والضخمة. ولا أجمل من التلاحم بين طوائف هذا الشعب، ولا أجمل من الحضور اللافت إلى الفعاليات الرسمية والشعبية بكل أطيافها في هذه الشعيرة المقدسة، ولا أجمل من الحضور المبهر للجاليات الأجنبية، فلنرسم ما أطلقناه من شعارات بالأمس ليكون واقعا لحاضر ومستقبل هذا الشعب، ولنبدأ من الحسين (ع)

العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً