الصرخة التي أطلقها عضو مسرح الصواري الشاب باسل حسين في مسرحية «القادم» التي عرضها نادي المسرح في جامعة البحرين السنة الماضية، كانت متأججة ومنفعلة ومليئة بالصخب والتمرد على الواقع، وتتطلع إلى التغيير وحب الاستكشاف، لكنها لم تكن موجهة إلى ايقاف ترسانة الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية على العراق. وإن سُمح لباسل ورفاقه اليوم أن يعيدوا عرض المسرحية، فلن يتكرر مشهد الرجل الذي يلقي بالجماجم على الأرض ويتسخ ثوبه بدماء مصطنعة، ولكن المشهد سيعود بدماء حمراء تغلي، وصرخة تتوجه إلى انقاذ العراق.
وشباب البحرين الذين عبروا بطرق متعددة عن رفضهم للحرب الأميركية بخروجهم في مسيرات سلمية تطالب بايقاف عجلة الحرب وبقوة الكلمة ومختلف أشكال الفنون، هم اليوم مدهوشون لما يجري في الساحة الدولية من اصرار أميركي على غزو العراق، ويتشبثون بأمل أن يحل السلام بدل الحرب. وبالأمس يعلن عن بدء حرب الخليج الثالثة، ومع هذا التصاعد العسكري قامت «الوسط» بالالتقاء مع عدد من الشباب والحوار معهم عن قضية العراق والتطورات الأخيرة التي شهدتها.
خيوط العنكبوت
يقول الشاب سلمان الحداد وهو طالب في جامعة البحرين: «نتائج الحرب محسومة سلفا، فالترسانة الأميركية متطورة وحديثة ولا مجال للمقارنة مع امكانات العراق العسكرية، ولكن السؤال المهم هو ماذا بعد الحرب؟ سيبني العنكبوت الأميركي خيوطا بيضاء غليظة تلف المنطقة بأسرها ويمهد لقيام دولة «اسرائيل» الكبرى، ولكن علينا مواجهة كل ذلك بارادة وعزيمة وتسلح بالايمان والوعي». ويرى الحداد أنه من الضروري أن تبادر بسرعة المنظمات الانسانية في انقاذ الوضع في العراق مثلما حدث في أفغانستان وأن تكون هناك خطة لمعالجة آثار الحرب تشترك فيها الدول العربية والصديقة.
وعن مبادرة جلالة الملك ودعوته إلى استضافة الرئيس العراقي صدام حسين في البحرين حفاظا على العراق ونظامه يقول الحداد: «هي بادرة طيبة وتدل على النهج الحكيم الذي تتبعه القيادة السياسية في البلاد في معالجة الشئون العربية والعالمية». وأمل أن يحل السلام بدل الحرب التي تقوم «وستخلف وراءها خسائر لا تقدر بثمن». وقال: «عدم استطاعة الأمم المتحدة ايقاف الحرب ـ وهي جهة دولية يفترض أن تكون محايدة ـ لا يعني ذلك نهاية العالم. علينا أن ننظر بعين التفاؤل للمستقبل، ونعتبر من الدروس الماضية».
ضد الحرب
ويجيب القاص أحمد المؤذن عن موقفه من الحرب: «أعارض هذه الحرب بشدة كونها تفتقد الصدقية الدولية وقرارا من المجتمع الدولي يجيز لها أن تعتدي على العراق وتجريده من أسلحة الدمار الشامل المزعومة. لا يحق لأي دولة أن تعتدي على سيادة دولة أخرى، ومن حق الشعوب أن تحقق ما تصبو إليه».
ويصف المؤذن أن الدعوة التي طرحت في القمة العربية أخيرا إلى تنحي الرئيس العراقي عن الحكم «غير مجدية لوجود النية المبيتة مسبقا لشن الحرب». ويقول: «المستفيد الأول من الحرب هو الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها، وهي دول أثبتت مواقف تاريخية سيئة في ظل تخاذل الموقف العربي في ايجاد موقف حازم تجاه القضايا المعاصرة التي يعايشها. والخاسر هو الشعب العراقي بالدرجة الأولى، وشعوب المنطقة».
وعن دور الشباب في ظل الظروف الراهنة يرى المؤذن أن بإمكانهم أن يعبروا بأكثر من طريقة تظهر مدى سخطهم وعدم رضاهم لما يجري للعراق وفلسطين عن طريق المسيرات السلمية واستخدام الفنون للتعبير. ويقول: «لا يشكل الشجب والاستنكارشيئا يذكر للمواطن العراقي في الداخل، لابد من استخدام وسائل أكثر فعالية، والشباب قادرون على ذلك».
مع الحرب
ووجدنا صوتا مختلفا من بين الأصوات التي تنادي بايقاف الحرب، صوت ينظر بزاوية مختلفة إلى الهجوم الأميركي، ويرى فيه منافع إلى الشعب العراقي. يقول علي عباس: «أعلم أن رأيي يبدو غريبا وسيلقى تهكما من قبل الآخرين، لكنني مع الحرب لأنها أكثر فائدة للشعب العراقي الذي عانى سنوات طويلة من الفقر والحرب. حين أعلنت أميركا أنها ستدخل العراق، فانها ستفعل ذلك، وعلينا التأقلم مع الظروف الجديدة التي سيفرزها هذا الوضع». ويفضل عباس أن ينسحب الرئيس العراقي من الحكم بدل أن يعاني الشعب العراقي من ويلات الحرب.
ويقول عباس: «الادارة الأميركية هي الرابحة لأنها ستحقق مكاسب كانت تطمح منذ زمن إليها مثل النفط والهيمنة العسكرية على منطقة استراتيجية وحيوية في العالم».
سلاح النفط
ويرى الشاب أحمد علي أن الدول العربية هي جزء وطرف في القضية العراقية. ويقول: «لماذا لا يتوحد العرب ويستخدمون سلاحا مهما وهو النفط في مواجهة الغطرسة الأميركية؟ لقد استخدم العرب ذلك في حرب اكتوبر/تشرين الأول في العام 1973 واثبت نجاحه، وهي ستنجح اليوم كذلك، ولكن تحتاج إلى عزيمة وإرادة».
ويؤكد علي ضرورة أن يحفظ النظام بعد اجتياح القوات الأميركية وحلفائها الأراضي العراقية، وتبقى موحدة وأن «لا ينصب حاكم أميركي يمثل الهيمنة والجبروت الأميركي». ويقول: «يكفي ما عاناه الشعب العراقي من ويلات الحروب في الثمانينات والتسعينات، وان كان لابد من الحرب، فنتمنى ألا توقع خسائر كثيرة، وأملنا أن يحل السلام والطمأنينة، ولا يتكرر مشهد حرب الخليج الثانية».
ويقول الشاب محمد جاسم أخيرا: «موقف الشعب البحريني ثابت وراسخ تجاه الأزمة العراقية، ونحن مستعدون لتقديم المساعدة والعون للشعب العراقي... نريد فقط أن تتوقف الحرب»
العدد 196 - الخميس 20 مارس 2003م الموافق 16 محرم 1424هـ