يشغل بال المخططين العسكريين الاميركيين في هذه الآونة كيفية قيامهم بتأمين حقول النفط العراقية وحمايتها ضد أية عمليات تخريبية يقدم عليها الرئيس العراقي صدام حسين عندما يشعر بأنه ونظامه قد باتا في مأزق وأنهم قد أسقط في أيديهم.
ويعكف قانونيون ومخططون استراتيجيون من وزارتي الخارجية والدفاع الاميركيتين على دراسة افضل السبل المتاحة أمام إدارة الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش في هذا الصدد.
ويقول أحدهم إن هناك بديلا محتملا وهو إتاحة الفرصة أمام العسكريين الاميركيين للسيطرة على عمليات إدارة الانتاج لقطاع النفط العراقي وتنفيذ مايلزم ذلك من إجراءات للتأمين وإعطاء الجنرالات الوقت الكافي لتنفيذ هذه المهمة.
وينص اتفاق لاهاي الصادر في العام 1907 على تقنين ممارسات وسلطة قوة الاحتلال العسكري خلال وجودها على أرض بلد آخر.
وهناك تعديلات مكملة أدخلت على هذا الاتفاق وذلك بصدور اتفاقات جنيف لتنظيم واجبات سلطات الاحتلال خلال فترة إقامتها على أرض بلد آخر وكان ذلك في مستهل القرن الماضي.
وبحلول منتصف الخمسينات بدأ الجيش الاميركي في إدخال تلك الاتفاقات في لوائحه الرئيسية وهى اللوائح التي يضعها القضاة العسكريون الاميركيون نصب أعينهم.
لكن المحللين يرون أن تلك اللوائح لن تكون وحدها العامل الاكثر أهمية في التأثير على مسلك الجنرالات الاميركيين تجاه النفط العراقي فالاهم من ذلك كله هو الكيفية التي سيكون عليها رد فعل المجتمع الدولي ومن قبله الجماهير العراقية المعبأة إزاء السياسات الاميركية تجاه نفط العراق بعد أن تضع الحرب أوزارها.
ويقول المراقبون انه وفق حسابات كل المحللين السياسيين، قد تجد القوات الاميركية نفسها واضعة يدها على مخزونات النفط العراقية الزاخرة وستجد أيضا القوات الاميركية قانونا دوليا يتيح لها فرصة واسعة لادارة حقول النفط العراقية.
ويرى بعض المحللين ان واشنطن تسعى لتجنب الاتهامات القائلة انها تحارب على ارض العراق من أجل النفط، ولذلك يرى المحللون ان الادارة الاميركية ستحجم في الايام الاولى - اذا قدرت لها الظروف ان تسيطر على الاوضاع في العراق - عن اتخاذ قرارات بشأن النفط في الايام الاولى لاحتلال أميركي متوقع وقد يصبح واقعا على اراضي العراق.
ولكن القوانين الدولية المنظمة لعمليات الاحتلال العسكري والتى يرجع تاريخها الى بدايات القرن التاسع عشر تعطى لصقور الادارة الاميركية مايلزمها من ذخيرة والامكانات لكي تلعب دورا أكثر عدوانية على ساحة النفط العراقي.
وتقدم معاهدة لاهاي لسنة 1907 الخطوط العريضة لصلاحيات واسعة النطاق لسلطة الاحتلال في مجال ادارة الموارد الطبيعية الموجودة في الاقاليم المحتلة مثل ادارة الثروات الغابية والمعدنية وحقول النفط لكن هذا لم يمنع معاهدة لاهاي من تأكيد أنه لا ينبغي لسلطة الاحتلال استخدام تلك الثروات الطبيعية على نحو يؤدي الى نفادها وتدميرها على اعتبار ان تلك الثروات الطبيعية ملك لشعب الاقليم المحتل بل وملك خالص له وان كان المحتل يديرها بمعرفته خلال فترة الاحتلال.
ويقول خبراء في القانون الدولي انه يجب على الاميركيين لو قدر لهم احتلال العراق والسيطرة على نفطه ألا يستنزفونه بهدف تمويل فاتورة العمل العسكري الذي قاموا به أو حتى تمويل فاتورة بقاء قوات الاحتلال، فكل ذلك مرفوض والمطلوب هو ادارة الثروة النفطية للعراق لما فيه صالح الشعب العراقي.
ويؤكد خبراء القانون الدولي كذلك ان قوة الاحتلال في العراق ينبغي لها أن تسرّع قدر الامكان من عملية استعادة المدنيين للسلطة، ومن ثم فان القوات الاميركية بغزوها للعراق بوسعها أن تلعب دور القيّم على نفط العراقيين وهذا الدور يستلزم قيام الاميركيين بلعب دور آخر على صعيد اتخاذ القرارت العملية الضرورية بشأن منشآت البنية الاساسية للقطاع النفطي في العراق بما في ذلك عمليات ادارة مصافي النفط ومنشآت التكرير وأنابيب التوصيل.
ويقول مدير المعهد القومى لقانون وسياسات الطاقة والبيئة في أوكلاهوما بالولايات المتحدة البروفيسور لانجن كامب ان النفط ليس كمثل أي مورد طبيعي آخر بالنسبة إلى عسكريين فهو يفوق في أهميته كل الموارد الطبيعية الاخرى التي تطأها أقدامهم ولذلك فمن السذاجة ان نتصور أن يترك الجنرالات الاميركيون النفط العراق وشأنه اذا قدر لهم السيطرة على العراق.
وأكد كامب أن سيطرة الاميركيين على نفط العراق ستبقى حتى بعد أن تستتب الامور ويضع الاميركيون سلاحهم بعد الاشتباكات مع العراقيين الموالين لصدام وهي اشتباكات من السذاجة أن نتوقع أن تكون هينة.
ويعلق باحثون آخرون في المعهد القومي لقانون وسياسات الطاقة على القول السابق مؤكدين صحته وبأن من الواجب الاعتراف بأن النفط العراقي سيكون مصدر خطر على الاميركيين اذا قدر لهم السيطرة على العراق، فانهم ان لم يسيطروا على النفط العراق فإنهم سيفشلون في السيطرة على سائر أنحاء العراق.
وترى صحيفة (وول ستريت جورنال) في تقرير خاص ذي صلة بموضوع النفط العراق ان الجنرال الاميركي تومي فرانكس سيكون له القول الفصل فيما يتعلق بمستقبل المنشآت النفطية العراقية بعد انتهاء العمليات العسكرية.
ويقول محللون غربيون استضافتهم الصحيفة انه سيكون متعينا على الجنرال فرانكس أن يقرر ما الذي يتعين فعله ازاء الف وخمسمئة بئر نفطي عراقي بعد أن يعطي أوامر لمدافعه بالكف عن الضرب.
وسيكون على الولايات المتحدة عبء ادارة قطاع النفط العراقي واستخدام الموارد المالية الناتجة عن ذلك في تمويل الاعمال والتعاقدات خصوصا بشركات خدمة حقول النفط وتوريد مايلزم لقطاع النفط العراقي من احتياجات. وقبل كل ذلك اصلاح ما تم تدميره من هذا القطاع خلال العمليات العسكرية واعادة أوضاع القطاع الى سابق عهده قبل العمليات العسكرية.
ويتصور الكثير من مديري شركات النفط الاوروبية التي تستثمر في النفط العراقي ان الولايات المتحدة قد تلجأ الى تغيير خريطة التعاقدات والامتيازات المبرمة من جانب الشركات مع السلطات العراقية وقد تقوم أميركا بفسخ التعاقدات من هذا النوع وقد تقوم كذلك بتغيير إتفاقات امتيازات التنقيب السابق إبرامها مع السلطة العراقية. ويعتبر المحللون أن كل تلك الامور ستتوقف على مدى طول فترة الاحتلال الاميركي لاراضي العراق.
ويقول آدم روبرتس ان القادة الاميركيين لن يستغنوا عن عمال شركات النفط العراقية والذين يقدر عددهم بالملايين سواء من يعمل منهم في شركات خاصة أو في الشركات التابعة للحكومة العراقية.
ويتساءل البروفيسور روبرتس عن مدى تقبل الاميركيين لحق قيام هؤلاء العاملين بالاضراب عن العمل مثلا؟، ويرد البروفيسور روبرتس على التساؤل نفسه قائلا ان تلك المسألة سيحددها على نحو كبير مدى شعور أولئك العمال بأن الادارة الاميركية في العراق تدير قطاع النفط هناك بما فيه الفائدة لمصلحة الشعب العراقي وهو مايتطابق مع مقتضيات العلاقات القانونية بين الدول في أوقات الحروب والاحتلال لهذا الجزء أو ذاك من أراضي تلك الدول.
وكان وزير الخارجية الاميركي كولن باول قد أعلن في مناسبات كثيرة أن بلاده ستضع يدها على النفط العراقي حالما ينتهي القتال وأنها ستدير احتياطات النفط العراقي التى تعد الاضخم بعد الاحتياطات السعودية لما فيه مصلحة العراقيين.
ويضيف باول: «كل ماسيصدر عنا من أفعال تجاه النفط العراقي سيكون متماشيا مع مقتضيات القانون الدولي وسنحترم جميع المسئوليات الملقاة على عاتقنا بموجب القوانين الدولية باعتبارنا سلطة احتلال»
العدد 198 - السبت 22 مارس 2003م الموافق 18 محرم 1424هـ