اقتناعا منهم بان الحرب ستكون خاطفة، بدأ يسيل لعاب الكثير من الحكومات والصناعيين امام مليارات الدولارات التي ستوظف لإعادة تعمير العراق، مع وجود مخاوف جدية لدى الأوروبيين من ان تذهب هذه اللقمة السائغة كاملة الى فم الأميركيين.
وحسب تقدير وضعته جامعة رايس في ديسمبر/كانون الأول الماضي فإن إعادة اعمار العراق «ستكلف ما بين 25 و100 مليار دولار بمعزل عن الحاجات الانسانية العاجلة».
أما المعارض العراقي عدنان الباجه جي المقيم في دولة الامارات، والذي يمكن ان يصبح احد قادة العراق ما بعد صدام حسين، فقال: إن تكاليف اعادة الاعمار للسنة الاولى ما بعد الحرب ستكون بحدود ثمانين مليار دولار.
وبعد ثلاث حروب (بين العراق وايران من العام 1980 حتى 1988 وحرب الخليج العام 1991 ثم النزاع الجاري) وخصوصا بعد 12 عاما من الحصار الدولي بات العراق «ارضا بورا» بحسب أمين عام الجمعية الفرنسية العراقية للتضامن الاقتصادي، كريستيان فاليري.
واضاف فاليري الذي كانت جمعيته مسئولة عن الجناح الفرنسي في معرض بغداد منذ العام 1997 «ان البنى التحتية لا تزال كما هي منذ سنوات طويلة وسكك الحديد توقفت عن العمل منذ 12 عاما والمعدات النفطية أصبحت بالية على رغم برنامج النفط مقابل الغذاء الذي اتاح تصدير كميات معينة من النفط».
وتابع «اضافة الى هذه البنى التحتية العاجزة لابد من الاخذ في الاعتبار النقص في التدريب وفي الخبرات العلمية».
ويعتبر عدنان الباجة جي انه لإعادة اعمار البلاد لابد من «ضخ مكثف للرساميل من الخارج اي اعداد نوع من خطة مارشال على ان يشارك فيها الكثير من دول العالم بينها الدول العربية والدول الصناعية مثل اليابان والمانيا والولايات المتحدة».
وقبل الهجوم الأميركي الاخير اطلقت الوكالة الاميركية للتنمية الدولية استدراج عروض لعقود بلغت قيمتها نحو 900 مليون دولار في اطار اعادة اعمار العراق. كما ان واشنطن أنشأت مكتبا خاصا مكلفا بدراسة الحاجات الانسانية وتنسيق جهود اعادة الاعمار تحت اشراف وزارة الدفاع الاميركية.
وبسبب التوترات الدبلوماسية بشأن الحرب شكك بعض الأوروبيين في احتمال مشاركتهم في حملة اعادة الاعمار. وهكذا اعتبر رئيس الوزراء السويدي غوران بيرسون ان البريطانيين والاميركيين يجب ان يتحملوا تكاليف اعادة الاعمار. وقال: «عندما يتقرر اطلاق حملة تتعارض مع القانون الدولي لا يمكن ترك الفاتورة للآخرين».
واضافة الى الكلفة فإن اعادة الاعمار العراقية تعني ايضا تداعيات اقتصادية هائلة والموقف الاميركي بهذا الصدد يقلق الكثيرين. ذلك ان العراق بلد غني يملك ثاني احتياطي نفطي مثبت في العالم، والورشة التي ستنطلق لإعادة اعماره لا يمكن الا ان تثير لعاب الحكومات والمؤسسات الخاصة والمستثمرين الكبار.
وقال كلود فالوي المسئول في شركة سيكامكس للمعدات الكهربائية الموجودة في العراق: «لن يترك سوى الفتات للشركات غير الاميركية وغير البريطانية». الا انه ستكون هناك عقبات قد تعوق الاحتكار الاميركي البريطاني. فالمعايير المعتمدة في القطاع الكهربائي العراقي مثلا فرنسية بسبب عقود وقعت مع شركة كهرباء فرنسا منذ اكثر من عشرين عاما. وقال فالوي: «لن يتمكنوا من تغيير كل البنى الكهربائية القائمة لذلك سيكون من الصعب تجاهل الشركات الفرنسية». إلا انه بات من الاكيد ان القطاع النفطي سيقع تحت الهيمنة الاميركية البريطانية، ويعتبر فالوي ان بعض عقود الاستغلال النفطي التي وقعتها شركات فرنسية «ستلغى». وختم كريستيان فاليري قائلا إنه في كل الاحوال «فإن ورشة الاعمار في العراق ستكون كبيرة بشكل لن تستطيع الشركات الاميركية وحدها سدها»
العدد 198 - السبت 22 مارس 2003م الموافق 18 محرم 1424هـ