العدد 208 - الثلثاء 01 أبريل 2003م الموافق 28 محرم 1424هـ

فرنسا... الحدائق

باريس - ايمانويل تيفنون 

تحديث: 12 مايو 2017

منذ عدة أعوام، تزايدت المبيعات في كل ما يخص الحدائق بصورة كبيرة، كما ارتفع عدد جمعيات المحافظة على الاصناف النباتية، واليوم مع زيادة إقبال الجمهور على الأماكن المفتوحة مثل المتنزهات وحدائق الأبنية التاريخية والحدائق الخاصة فان الفرنسيين يعيدون اكتشاف حدائقهم، وقد تواكبت هذه الظاهرة مع بروز جيل جديد من منسقي الحدائق المتخصصين والذين غالبا ما يكونون من خريجي مدرسة فرساي الوطنية العليا للمناظر الطبيعية. ومنذ عقدين تتولى هذه المواهب الجديدة تنفيذ الكثير من المبادرات على تنوعها من ترميم الحدائق التاريخية إلى ابتكار أعمال لها طابع الغرابة الكلية، فكانت النتيجة ان ميشيل راسين الذي كان في العام 1991 أحصى في كتابه «دليل الحدائق الفرنسية» مئة وخمسين حديقة تتميز بجودة مناظرها الطبيعية وبجمال نباتاتها، بات دليله اليوم يحتوي على 750 حديقة.

إن المحافظة على الحدائق فن في جوهره سريع الزوال. وامام الخوف من فقدان التعددية البيولوجية في مختلف الحدائق، يعتمد البستانيون على عملية المحافظة المطبقة في حديقة نباتات باريس أو في حديقة زهور لاي - لي - روز في اقليم فال - دو - مارن، وتساهم حتى حديقة البامبو لبرافرانس في بلدة اندوز في اقليم جار التي تحوي 700 غرسة من البامبو. في الحفاظ على حيوان الباندا!

والى جانب هذه الاعمال الكبيرة في المحافظة على الحدائق. هناك مبادرات أخرى اقل تواضعا ولكنها في الوقت نفسه لا تقل اهمية فمنذ العام 1989، قام بيار باريس أحد المتخصصين المولعين بالحدائق بجولة حول العالم لجمع مجموعة فريدة تضم 400 نوع من شجر البهشية ليزود بها مختبره التجريبي للاشجار في بري دي - كولان ضمن بلدة مون - سور لوارا قليم لوايي والتي نكتشفها في غابة تتخللها الظلال المتفرقة لأشعة الشمس.

حدائق «على الطريقة الفرنسية»

يحظى ترميم المعالم التاريخية ايضا بانطلاقة ملحوظة. وتأتي على رأس عمليات الترميم تلك المتعلقة بالحدائق الشهيرة التي صممها. على الطريقة الفرنسية في القرن السابع عشر، بستاني الملك لويس الرابع عشر في فو - لو - كونت في مدينة سو اندري لونوتر وطبعا في قصر فرساي، تلك الحدائق التي لاتزال تشكل افضل ما صممه هذا الفنان والأكثر اكتمالا. وحدائق فرساي التي تمتد على مساحة تقارب 800 هكتار وهي اشبه بتحفة اوبرا موسيقية من الخضار الشاسع فيها الرخام والبرونز وتتخللها نوافير المياه والتصميمات المتعددة الاشكال، تجرى فيها حاليا حملة تجديد تحت اشراف بيير - اندري لابلود امام حدائق التويلري في باريس او حديقة قصر كورماتان في اقليم سون - إي - لوار فهي تشكل أمثلة اخرى ناجحة لعملية اعادة تأهيل حدائق العصر الكلاسيكي ولكن بروح أكثر عصرية.

بساتين الزهور

يستطيع المرء ايضا اعادة اكتشاف سحر حدائق العصور الوسطى التي تحظى حاليا بعملية اعادة اعمار واسعة مع المحافظة بأكبر قدر ممكن على طابعها الاصلي وذلك بالاستعانة بالمراجع المكتوبة والمصورة وبنقوش سجاد ذلك العصر. واذا كانت الحديقة القوطية التابعة لمتحف لفر نوتردام في مدينة ستراسبورغ يرجع انشاؤها إلى العام 1931 فحدائق أوزس في اقليم جار أو تلك المقامة في متحف كلوني في باريس أو تلك الموجودة في دير سالاجون ببلدة مان في اقليم ألب - دو - أوت - بروفوانس هي جميعها حدائق اكبر حداثة وهي محاطة بسياج من الغصون المضفرة. وتضم زهورا عطرة ونباتات من الخضار والفاكهة أو اخرى للزينة.

في قصر لاجيونيار القائم في بوليو - سو بارتوناي (إقليم دو - سيفر) أو حديقة سانك سونس ديفوار في (اقليم هوت - سافوا) شكلت العصور الوسطى اداة وحي لمصمم المناظر الطبيعية ألان ريشير في تصميمه حديقة من الطراز الحديث انشأها على جزيرة تحتوي على نباتات الكرنب واشجار الصفصاف والفاكهة الصغيرة والفراشات. وهو تصميم يولد شلالا من الأحاسيس العذبة.

أما حدائق قصر فياندري في اقليم اندر - إي - لوار التي انشأها في اوائل القرن العشرين كارفالو صاحب هذا القصر. فهي تمثل بلا شك احدى اعمال الترميم الاكثر نجاحا، ويحوي بستانها من الزهور تلك التي لا وجود لمثلها (12500 متر مربع)، زهورا ملونه منسقة باشكال هندسية معقدة ومسطحات هي مسكبات للزينة.

تلبية للطلبات العمومية وبفضل مبادرات خاصة لا تحصى انشئ الكثير من الحدائق الجديدة المتماشية مع العصر الحديث إذ يتسم تصميمها بالتنوع في الافكار، حدائق برية تترك للنمو بصورة طبيعية وبلا عناية، حدائق معنية أو نباتية، حدائق مخصصة للنباتات العطرية ذات الالوان المتعددة او مخصصة للماء والنار.

وبفضل مبادرة ذات طابع بيئي ابتكر جيل كليمون مشروع الحديقة المتحركة (متنزه اندري - ستروين في باريس). وهو عبارة عن ارض فضاء اشبه بمرعى تنمو فيه الحشائش الضارة التي تتم معالجتها. اما الفكرة التي نفذها فرانسوا بران وميشيل بينا في الحديقة المسماة الاطلسي المليئة بالنجليات والمعلقة فوق محطة مونبوناس فهي تحوي النباتات البرية التي تنمو بحرية وتعطي احساسا بالغربة في وسط باريس. اما باسكال كريبييه فقد ابتكر تصميما جديدا في ميري - سور - واز في اقليم الفال دواز إذ أقام حديقة تجريبية مصممة على حركية المياه في جميع حالاتها الغازية، والسائلة والجامدة، تيمنا بصاحب المكان. ألا وهو شركة فيفاندي العالمية.

ابداع معاصر

وبقية المناطق الفرنسية غير مستثناة من هذه الانطلاقة إذ نجد فيها فن البستنة حيا حتى في اصغر الدوائر الادارية مساحة. لقد قام المصممان ان سيلفى برويل وكريستوف دلما باستصلاح الموقع المدمر لمحجر بيفيل (400 نسمة) في اقليم المانش وقد تمكنا باسلوب ذكي من استعادة منظره الطبيعي على رغم وجود قمة محفورة في الحجر يتجاوز ارتفاعها 40 مترا.

اما حدائق الخيال التي انشأها في العام 1996 المصممان كاترين جوستافسون وفيليب مارشان والقائمة في تيراسون لا فيلديو احدى المدن الصغيرة في اقليم دوردوني فهي تغطي مساحة ستة هكتارات على منحنى احدى التلال يعطي هذا المتنزه انطباعا يوحي بالاغراء، وخصوصا بوجود الكثير من النباتات وسط المياه الغامرة ما يضفي على هذا الموقع طابق البساطة الطبيعية. ويمكننا اخيرا ذكر منتزه ايسودان في الاندر الذي صممه ميشيل ديفيني وكريستين دالنوكي وخصوصا حديقة زان الرائعة الجمال من تصميم اريك بورجا القائمة في بومون مونتو في اقليم دروم وفي هذه الحديقة وضع هذا الشاعر البستاني صفا من الاعمدة من البازالت تتخللها امواج متوالية من نبات البقس، انتهاء ببركة مياه تحيط بها كوكبة من نباتات البحر المتوسط العطرة، انها بحق تحفة كاملة.

حدائق الريفييرا الغريبة

بفضل مناخها المتوسطي، تحظى منطقة الكوت دازور بتراث مهم من الحدائق الغريبة، منها العامة ومنها الخاصة فيلات نواي دو جراس ويير وحدائق هنبوري وفيلا فان رامه وحديقة فونتانا روزا وحدائق الكوبيار ومشتل المادون وفيلا ايل - دو - فرانس (حدائق متحف افروسي روتشيلد ومن ضمن هذه الحدائق المنشأة أخيرا متنزه فونيكس للازهار الذي يحوي مجموعة من النباتات الفريدة. اما مزرعة ريول التي اعاد تصميمها جيل كليمن لصالح معهد المحافظة على الساحل، فهي تحوي مجموعة رائعة من المناظر الطبيعية المستوحاة من شيلي ومن نيوزيلندا ومن جنوب افريقيا. مع العلم أن معظم هذه الحدائق مفتوحة للجمهور.

لابل فرانس - بالاتفاق مع السفارة الفرنسية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً