إن تدخين السجائر أهم سبب لسرطان الرئة على الإطلاق، ولقد قام الأطباء والعلماء بأخذ كمية من دخان السجائر المترسب ووضعوها على جلود الحيوانات المريضة بسرطان الجلد... وأعادوا التجربة مرة أخرى وجعلوا الحيوانات تستنشق هذا الدخان فأصيبت بسرطان الرئة... ولم يكتفِ الأطباء والعلماء بهذه الأدلة لكنهم شرّحوا جثث المدخنين الذين ماتوا بأسباب أخرى غير سرطان الرئة، فوجودا أن الشُّعب الهوائية لهؤلاء المدخنين بدت فيها تغييرات مرضية تؤدي إلى السرطان، كما وجدوا بعضها تحول فعلا إلى سرطان، ذلك أن الرئة تربة خصبة للسرطانات لأن الدم الذي في الجسم يمر خلالها في كل وقت يقوم فيه بدورته، ونظرا إلى أن كتل خلايا السرطان تنتقل من جزء إلى آخر في الجسم، وتحمل غالبا بواسطة الدم، فإن هذه الكتل تميل إلى الإقامة في الرئة التي تستمر في تكاثرها هناك. وفي معظم حالات سرطان الرئة، يبدأ السرطان في الخلايا التي تملأ الممرات الهوائية المؤدية إلى أنسجة الرئة الدقيقة والخارجة منها، وهذه الممرات يقال لها «شعبتا القصبة» ومن ثم دعيت معظم السرطانات الأولية في الرئة «الشعب السرطانية» وهي التي تسمى غالبا السرطانات الرئوية. وقد صار ما يفعله التدخين في الرئة شيئا واضح المعالم ومن ضمنه التأثير السام والمباشر للدخان على الشعب الهوائية والغشاء المخاطي الذي يغطيها والأهداف التي تؤدي دورا دفاعيا مهما للحفاظ على الشعب الهوائية. وتؤثر المواد القطرية السامة على الشعب الهوائية، إذ ينتج عن احتراق السيجارة عدد كبير من هذه المواد التي تؤثر على الخلايا المبطنة لجدار الشعب الهوائية وتحولها إلى نوع آخر مختلف عن النوع الأصلي من ناحية الشكل والعدد والوظيفة... وطبعا فإن هذا التحول هو بداية الاستعداد للإصابة ـ لا سمح الله ـ بالمرض الخبيث.
جعفر الخابوري
العدد 223 - الأربعاء 16 أبريل 2003م الموافق 13 صفر 1424هـ