العدد 233 - السبت 26 أبريل 2003م الموافق 23 صفر 1424هـ

«نارك» فيلم بوليسي نمطي ولكنه متكامل بطريقته الخاصة

مثل «الهيصة» والانفعالية التي تطغي على اجهزة الارسال المتعددة في كل موسم اعياد، تصلك الافلام الهادفة إلى اجتذاب الجمهور والمقترعين على جوائز الاوسكار على حد سواء، مثل فيلم «Narc» (شرطة مكافحة المخدرات) كخبطة مفاجئة بمطرقة حديد باردة على صدغك.

تحس باللسعة، وتذوق الدم. اذا كانت معدتك لا تتحمل ففيلم «نارك» ليس لك. إلا انه سيبقى حديث الساعة بين اصحاب الاعصاب الفولاذية الذين لا يأبهون للعنف والبهات طالما انهما يخدمان قصة تستحق ان تروى.

هذا الفيلم يتحدى الصيغة التي طغت على الافلام البوليسية خلال السنوات العشرين الماضية: شريكان في العمل كرجلي شرطة. احدهما رجل استقامة والآخر حزمة اعصاب فائرة يتبادلان اللكزات والغمزات ويخالفان الانظمة ويستفزان رؤسائهما ويجران الاشرار إلى التوقيف بطريقة مشينة ومذلة. انه فيلم كبير وغبي وصاخب.

في استلهامه الافلام البوليسية العائدة للسبعينات - مثل «الاتصال الفرنسي» و«سربيكو»، يقلب كاتب - مخرج الفيلم جو كارناهان (32 سنة) هذه الصيغة رأسا على عقب. و«نارك» هو فيلم صغير وذكي، ولكنه صاخب على كل حال.

يبدأ الفيلم الذي تدور حوادثه في مدينة ديترويت بمشهد لضابط شعبة مكافحة المخدرات نيك تيلليس (جايسن باتريك) وهو يطارد شخصا يشتبه انه تاجر مخدرات. ويطلق نيك الذي يتعاطى المخدرات لكي خفي حقيقة عمله، النار على امرأة حامل ما يؤدي في النهاية إلى اجهاضها.

وبعد 18 شهرا من هذا الحادث تحل ضجة جديدة مكان العاصفة التي اثارتها تصرفات نيك: جريمة قتل غامضة ذهب ضحيتها عميل سري آخر في شعبة المخدرات.

وفي غياب مؤشرات إلى الحادث يلجأ مسئولو الشرطة اليائسون إلى نيك ويعدونه بوظيفة محرزة يختارها اذا قدم مشورته بشأن التحقيق في الجريمة.

ويدرك نيك بسرعة ان نجاحه في مهمته يتطلب ان يعمل مع اللفتنانت هنري اوك (راي ليوتا) الشريك السابق للشرطي القتيل الذي سحب من القضية بسبب تقلبه وعصبيته. (عندما نلتقيه يكون منهمكا بضرب شخص مكبل يشتبه به بستيكة (مضرب) بيلياردو داخل جورب).

في النزاع الدائر بين تيلليس وأوك يجسد «نارك» صعوبة التوصل إلى الحقيقة عندما تكون الظروف المحيطة بموت شرطي مريبة. ويتزايد الضغط على تيلليس عندما يلمح بما يشبه الكفر إلى ان الشرطي القتيل ربما لم يكن قديسا او شهيدا.

وفي حين يقول بشكل مقنع ان التحقيق في موت زميل يبرز اسوأ الصفات عند ضابط الشرطة، يبقى كارناهان متعطافا مع اجهزة تطبيق القانون. انه يعي تماما الضرر الذي تسببه الاعيرة النارية للجسم والاثر الذي يخلفه عمل الشرطي على حياته العائلية.

ومع تقدم التحقيق بوصات قليلة، يخلق كارناهان اجواء من النذير المحزن باقتباسه المتقن لعمل ستيفن سودربرغ - التصوير السينمائي المائل إلى الزرقة، ثم الموسيقى المرتجفة الخالية من اللحن، من كليف مارتينيز، المؤلف الذي يستعين به سودبرغ في افلامه.

وقد استفاد المخرج الشاب ايضا من التاريخ السينمائي لنجومه. فبعد ان لعب ليوتا اول دور مرموق له في فيلم Something Wild، بنى لنفسه شهرة في لعب ادوار المصابين بالذهان العصابي والاشرار والاشخاص العاديين الذين تدفعهم الحوادث نحو اقصى درجات العنف. وجمهور السينما يعرف تاريخه ويحب التفرج عليه وهو يعصب، ويعرف انه سينفجر في النهاية.

ويظهر كارناهان طبيعة ليوتا الانفجارية منذ البداية ثم يطبق ذلك على الشرطي المتفاني الحزين الذي يقول ان كل ما يسعى إليه هو العدالة. والسؤال هو، هل نصدقه؟ ليوتا اصبح اكثر تهديدا مع تقدمه في العمر، فعيناه الزرقاوتان الثاقبتان اصبحتا اكثر بهاتا وشرا. كما انه بالكرش الذي رباه لهذا الفيلم و«سكسوكته» الكثيفة يبدو سمينا ومخيفا اكثر.

باتريك نفسه مشى على هذا الطريق من قبل، في فيلم «Rush» ودور شرطي مخدرات يصبح مدمنا. وهنا يقض ماضيه بوصفه مدمن مخدرات مضجع تيلليس، وزوجته، مضيفا عنصر خطر جديدا إلى عودته إلى الخدمة الفعلية. على رغم حضور ليوتا الطاغي، هذا الفيلم هو فيلم باتريك، وهو يقوم بالدور بحكمة وثقة وحدة.

ويزيح كارناهان مبالغته الفنية من درب الفيلم في بداياته مدركا انه فور اكتساب الفيلم زخمه من الافضل له ألا يقف في الطريق. ومع المشاهد النهائية يبدو أن الفيلم يخرج نفسه بنفسه.

والمشاهد يحس بعشق كارناهان للمادة في السياق المتوحش لطريقته في رواية القصة.

«نارك» فيلم بوليسي صغير ومتين. انه فيلم نمطي ومخيف في الوقت نفسه،7 صنع على يدي شخص ولد مخرجا سينمائيا. انه فيلم متكامل بطريقته الخاصة.

الفيلم من توزيع بارامونت بيكتشرز ويستغرق عرضه 107 دقائق

العدد 233 - السبت 26 أبريل 2003م الموافق 23 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً