نصح علماء الدين مئات الآلاف من المصلين في أحياء بغداد يوم الجمعة الماضي ألا يستغلوا الحرية الجديدة التي اوجدتها القوات الاميركية للتشرب بالعادات الغربية التي وضعت «لايذاء الاسلام». وقد ذهب كثير من علماء الدين في جميع انحاء المدينة إلى أبعد من ذلك، بتقديم رؤية موجزة للدولة يجب ان تطبق من خلال تجنب الكحول، والتزام النساء بالحجاب من الرأس إلى اخمص القدمين، وان تدير المجموعة الاسلامية المتعلمة المدارس على كل المستويات. وقد امّ جزءا من المصلين في مسجد المحسن، في مدينة الصدر (صدام سابقا) الفقيرة، والشاسعة والاكثر أهمية في ضواحي العاصمة العراقية، الشيخ محمد الفرطوسي، الذي اعتقلته القوات الاميركيةسابقا لمدة ثلاثة أيام. وقال بعد اداء الصلاة ان «الاميركيين يجب ان يغادروا العراق بأسرع ما يمكن، فقد جاءوا محررين لا محتلين كما يقولون. واذا لم يكن هذا احتلالا فيجب أن يغادروا فورا».
المصلون جاءوا بالباصات والشاحنات والسيارات الصغيرة لحضور الصلوات بحماسة متناهية بعد أن كانت غائبة في العهد السابق، ولكن جميع الخطب الطويلة التي استمعوا لها طغت عليها الدعوات المتكررة لتعزيز وتطبيق النظم والقوانين الاسلامية الاجتماعية بحزم، وحث اللصوص على إعادة السلع المسروقة. وواقتصرت انتقادات الداعية الكبير الشيخ جابر الخفجي للاميركيين على المزاعم القائله انهم يقدمون «هدايا غير مقبولة» للنساء المسلمات وانهم فعلا يشجّعون على السرقات، وفي بعض الحالات يستخدمون المتفجرات لكسر الأبواب لمساعدة اللصوص كي يقتحموا المباني.
وجاءت آخر الانتقادات بعد ان اذاعت القوات الاميركية والبريطانية المحتلة دعوات للشرطة في بغداد للعودة إلى العمل، بعد استثناء سبعة من اسوأ المنظمات في جهاز أمن صدام، من ضمنها جهاز الاستخبارات العسكرية، وادارة الحرس الخاص ولواء الطوارئ. وحث الشيخ جابر الرجال على الا يسمحوا للنساء والأطفال بالتقرب للقوات الاميركية. وحذر من ان الصور التلفازية لتلك الاتصالات والسرقات الواسعة في الاعلام الغربي اعطت صورة مشوهة للمسلمين العراقيين. وتوقف الخفجي قليلا في الدعوة الواضحة إلى دولة إسلامية.
وفي مقابلة مع الشيخ الفرطوسي قالانه يرغب في رؤية رئيس ينتخبه بحرية «الشيعة والسنة والمسيحيون والاكراد وجميع العراقيين». واضاف ان صدام هو الذي فرق بين هذه الطوائف. ولكن اللغة التي يستخدمها علماء الدين هؤلاء تحث بشدة على ان تسعى الأمة وتطالب بدولة اسلامية. واوضح الشيخ جابر ان النساء يجب ان يرتدين الزي الاسلامي التقليدي والحانات يجب ان تغلق. واعلن «لا تتبعوا قانون ولوائح الغرب. اتبعوا قانون ونظم رسول الاسلام. لا تقلدوا الشعوب الغربية بل كونوا مسلمين حنفاء». واستطرد قائلا: ان السلع المسروقة التي لا يعلم مالكوها ستسلم إلى الحوزة التي يراها كثير من المسلمين في العراق بأنها ستكون مصدر السلطة. واذا لم يتم التعرف عليها ستباع في مزاد ويساهم بريعها في مشروع الحوزة الهادف إلى بناء مدارس اسلامية.
وقد طلب الاميركيون والبريطانيون من الشرطة العراقية الا ترتدي زيها المكون من قلنسوات سوداء وقمصان شبه عسكرية باللون الاخضر الزيتوني، وهي علامات رجال أمن صدام. كما طلب من الشرطة العائدة ان تستأنف العمل بقمصان بيضاء والا تظهر أي شيء يبين رتبها، ولكن سمح لها بامتلاك المسدسات.
من جهة أخرى أصدر داعية آخر في مسجد المحسن، الشيخ عبدالزهراء السويدي رسالة إلى البعثيين قائلا فيها «نعلم انكم تعقدون اجتماعات سرية ولذلك نطلب منكم اعادة الممتلكات التي سرقتموها من الناس. عسى الله ان يغفر لكم اذا تبتم عن الماضي وانضممتم إلينا في الصلاة كاخوان».
من جهة أخرى ما زالت مدن العراق يعاني فيها الاطفال من وطأة أزمة المياه، فيتفشى بينهم حالات يعاني الاسهال والتقيؤ. ويعود تفشي مرض الالتهاب الرئوي في مدينة الصدر إلى النقص في المياه النظيفة والذي اشتد عقب الحرب. وفي مستشفى القادسية مثلا تستخدم مضخة كهربائية لضخ المياه من الحنفيات والتي لا توفر غير قطرات قليلة. واوضح الاطباء في المستشفى ان المضخة تسحب ايضا جميع الاوساخ بما فيها المجاري السكنية التي تلوث الانابيب، فيما أثنوا على الحوزة التي تقدم المساعدة ولكنهم قالوا انهم يتطلعون إلى حكومة عراقية جديدة منتخبة - لا يقودها الشخصيات الثرية الآتية من المنفى لانها لا تشاطرهم المشكلات والمعاناة.
خدمة الاندبندنت - خاص بـ«الوسط
العدد 242 - الإثنين 05 مايو 2003م الموافق 03 ربيع الاول 1424هـ