العدد 242 - الإثنين 05 مايو 2003م الموافق 03 ربيع الاول 1424هـ

أفضل المأمول فشل خريطة الطريق!

كان أول تجاوب مع نشر خطة السلام «خريطة الطريق» في الشرق الاوسط مخيبا للأمل كما كان متوقعا، وذلك إثر العملية الفلسطينية الاخيرة في تل ابيب التي أدت إلى مقتل ثلاثة مدنيين اسرائيليين ومن ثم التوغل الاسرائيلي في غزة الذي تسبب بدوره في مقتل ثمانية فلسطينيين من بينهم طفل يبلغ الثانية. وماذا عن الزعماء في كلا الطرفين؟ عمليا لا شيء يذكر. وبدلا من ذلك، خرج مستشارو ارييل شارون ورئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس، يرددون المطالب القديمة نفسها التي جعلت التقدم صعبا للغاية في ايرلندا الشمالية. فقال المتحدث الاسرائيلي: «حسنا، قبل ان يوقف الفلسطينيون جميع اشكال العنف، لا نستطيع الجلوس ومناقشة السلام». ورد الفلسطينيون: «مجرد ان يوقف الاسرائيليون توغلاتهم واغتيالاتهم والاحتلالات التي تؤدي إلى اثارة العنف من جانبنا، حينئذ نأمل ان نضع الاشخاص الذين يقومون بالعنف تحت السيطرة».

ان النزول إلى الاتهامات المضادة المتبادلة هو في الواقع ما يفترض ان تتجنبه «خريطة الطريق»، بالاصرار على ان كلا الطرفين يجب ان يكف عن المواجهة الدموية. ولكن بالحكم على التفاعل الأولي مع الخطة يبدو ان هناك قليلا من الزخم الطبيعي في كلا الجانبين لتنفيذ ذلك. فليس لمحمود عباس سلطة كافية ليبدأ بفرض سيطرة حقيقية على المنظمات، من دون ان يجعل من نفسه عميلا أمنيا للاسرائيليين. أما ائتلاف الجناح اليمني في اسرائيل فلا يرى سببا لتقديم أية ارضية لـ «خريطة الطريق» حتى يتحقق «أمن اسرائيل» كلية. ولذلك فإن الآمال بالسلام لا تعتمد على ضغوط داخلية من المعنيين في الطرفين ولكن على ضغوط خارجية من دول اخرى وخصوصا الولايات المتحدة. وذلك يكفي. ففيما يتعلق بالفلسطينيين فإن قضيتهم يتم افسادها دائما بسبب عدم التكافؤ المتزايد في القوة بين دولة ذات آلة عسكرية ضخمة وأسلحة نووية مدعومة من القوة العظمى العالمية الوحيدة، وبين شعب محتل دعمه الوحيد يأتي من الدول العربية المجاورة التي تعتبر في حيرة من أمرها بين تأييد قضيته والحفاظ على مصالحها.

ولكن الكثير من الدول العربية المجاورة جعلت اسرائيل تتحدث عن انها دولة محاصرة ومحاطة بالاعداء الذين لا يرفضون الاعتراف بها فحسب، ولكن يتمنون رميها في البحرأيضا . ومن ثم يدرك المرء كيف ان الغزو الاميركي للعراق واعتماد الرئيس بوش لـ «خريطة الطريق» يمكن ان يعطيا أملا في الخروج من هذا المأزق. فمن خلال كسبها للحرب، تعتبر واشنطن في وضع تستطيع ان تمارس فيه ضغطا كبيرا على سورية والاردن ودول عربية اخرى لتغيير نظرتها لإسرائيل، ومن ثم ازالة بعض مخاوفها الامنية بطريقة مباشرة من خلال الاعتراف بها، وغير مباشرة من خلال وقف دعم الجماعات «الارهابية» على حد سواء.وفي المقابل، يمنح هذا الادارة الاميركية الحق والوسيلة للضغط على اسرائيل من اجل القيام بتنازل للمطالب الفلسطينية وذلك بإزالة المستوطنات اليهودية والانسحاب من الاراضي المحتلة.

انها بحق نظرية رائعة. ويبدو ان خلفها شيئا من الحقيقة. فقد اعلن بوش بنفسه النصر في الحرب من على متن الحاملة الاميركية لنكولن، ويرغب في نظام اقليمي جديد اكثر امنا في الشرق الاوسط. ومن خلال رؤيته، يبدو انه سعيد من مشاهدة دولة فلسطينية حرة، ديمقراطية ومزدهرة. ولكن اذا اعتقد الفلسطينيون ان هذا يعني ان الولايات المتحدة اثبتت اخيرا ازدواجية في خطتها، فإن المرء يخشى ان تخيب آمالهم تماما. ومن اجل رغبتها في استقرار وأمن الشرق الاوسط، اصبحت واشنطن قريبة للغاية من رؤية الحكومة الاسرائيلية من ان الالتزام المبدئي يتمثل في ان يوقف الفلسطينيون جميع اشكال العنف قبل ان يُتوقع من الاسرائيليين ان يقوموا بأي انسحاب او ازالة للمستوطنات في المقابل.

وجاء هذا التوجه لدى الادارة الاميركية من مجموعة متطرفة- ديك تشيني، دونالد رامسفيلد، باول وولفويتز، ريتشارد بيرل - ذات روابط بحزب الليكود واليمين الاسرائيلي. ويتوقع ان تفتح حرب العراق عهدا جديدا من الأمن «الديمقراطي» وليس العدل.

وليس هناك اية فائدة سياسية للرئيس بوش من تورطه في مفاوضات السلام التي تتطلب - كما علم سلفه بكلفتها - التزاما شخصيا كبيرا مع فرص نجاح محدودة للغاية. وإذا كان بوش في الواقع - كما وصف نفسه - لاعبا جيدا في الممرات الضيقة، فإن قدراته تحتم عليه البقاء بعيدا ما لم يكن هناك تقدم مبكر وحاسم قبل ان يقترب موسم الانتخابات الرئاسية في نهاية العام الجاري.

ان وجود الروس والاوروبيين مع الامم المتحدة في الهيئة الرباعية التي وضعت «خريطة الطريق» قصد منه في الأساس اضافة توازن من خلال بعض الاصوات المتعاطفة مع الفلسطينيين. ولكن مع الاخذ في الاعتبار الخلافات التي سببتها الحرب في العراق، فإن من غير المرجح ان ترغب واشنطن في الاسهام بقوتها في هذه القضية. ومن دون حدوث تقدم فوري فإن سعي واشنطن لتحقيق الأمن في الشرق الاوسط لن يتجه إلى التنمية المستدامة لفلسطين ولكن إلى عزلها. وربما يكون من المصلحة اذا ما فشلت «خريطة الطريق»، ويعتقد انها ستفشل مبكرا فالسلام المفروض من اعلى نادرا ما يستمر. وفي النهاية سيقوم الاسرائيليون والفلسطينيون بتنفيذ تسوية مؤقتة (طريقة للعيش) لأن شعوبهم يرغبون في ذلك وليس لأن غيرهم قرر ذلك

العدد 242 - الإثنين 05 مايو 2003م الموافق 03 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً