العدد 246 - الجمعة 09 مايو 2003م الموافق 07 ربيع الاول 1424هـ

الجاسوس الإسرائيلي بولارد

الوسط - محرر الشئون التاريخية 

09 مايو 2003

تم القاء القبض على بولارد لأن زميلا له في العمل حيّ الضمير أبلغ بأن بولارد كان يأخذ وثائق محظورة من المكتب.

إن «هذيان العظمة» هو الاسم الذي يطلقه علماء النفس على الضعف في شخصية الاشخاص الذين يقومون في الغالب بارتكاب أعمال تجسسية.

بولارد: خيال يتسم بهذيان العظمة.

كان جونثان جي بولارد محلل استخبارات في سلاح البحرية تم القاء القبض عليه لقيامه بالتجسس لصالح «اسرائيل»، لقد استغل حرية الوصول الى المكتبات المحظورة وانظمة الحاسوب لجمع كمية كبيرة من المعلومات، وخصوصا عن انظمة الاسلحة السوفياتية والقدرات العسكرية للدول العربية. وعلى مدى ثمانية عشر شهرا الى أن تم القبض عليه في نوفمبر/تشرين الثاني العام 1986 قام بتسريب أكثر من ألف وثيقة سرية محظورة. وقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة.

ويركز هذا التقرير فقط على دوافع بولارد والخصائص الشخصية التي جعلته يميل الى الخيانة وكيفية القاء القبض عليه.

كان والد بولارد استاذا بارزا في علم الاحياء المجهري والذي كان غالبا ما يأخذ عائلته معه لحضور مؤتمرات علمية.

وقد حضر اثنا عشر فائزا على الاقل بجائزة نوبل حفلة عيد ميلاد الصغير بولارد التي اقيمت في السويد اذ كان والده يحضر مؤتمرا علميا. أما الخبرات التي شكلت حياته أثناء فترة شبابه فكانت القراءة الكثيرة وخصوصا عن «اسرائيل» والتاريخ العسكري، وتعرضه ومعاناته المستمرة من الحركة المناهضة للسامية. فقد فقدت عائلته أكثر من سبعين قريبا أوروبيا أثناء ما سمي آنذاك بالمحرقة.

هذيان العظمة

إن هذيان العظمة هو السمة المميزة التي يقول علماء النفس انها توجد لدى الاشخاص الذين يقومون بأعمال التجسس.

ويتضمن هذا السلوك النمطي لدى هذه الفئة من الناس تخيلات غير مكتملة عن النجاح والسلطة والحب، وتوقعات مبالغ فيها بالنسبة الى تقدير الاداء الوظيفي العادي وحساسية مفرطة للاهمال المتصور أو التقييم السيئ للاداء، والحاجة المفرطة الى المدح واظهار الاعجاب بأدائهم.

ويمكن أن يفضي هذيان العظمة الى قلق أمني اذ تصبح خيبة الأمل والمرارة حتمية عندما يخفق الآخرون في التعرف على المواهب الخاصة التي يراها هؤلاء الأشخاص المصابون بهذيان العظمة في أنفسهم. وقد يؤدي هذا الى الاستياء والشعور بالحاجة الى الانتقام وجهود ضالة لتبرير شعور مبالغ فيه بالاهمية والنفوذ لدى هذه الفئة من الناس.

إن الحاجة العاطفية الملحة للتقدير والشعور بالأهمية أو امتلاك قوة التأثير على الحوادث العالمية قد يدفع بهؤلاء الأشخاص الى التفكير في الكشف غير المسموح به عن معلومات سرية محظورة.

لقد كان هذيان العظمة عنصراَ سائدا في شخصية بولارد فمنذ طفولته عاش حياة حافلة بالأحلام تركزت على امكان ان يصبح بطلا عظيما للبلد التي يحبها كثيرا. لقد سيطر عليه هوس التهديدات التي تواجه «اسرائيل» والرغبة القوية في خدمة هذا البلد، وعزم على الهجرة اليها عندما يتقدم به السن. وبعد أن بدأ يشعر بلذة الحياة المريحة في الولايات المتحدة، عاني لسنوات طويلة من صراع عنيف بين رغبته في البقاء في أميركا قريبا من عائلته وهدفه حلمه الدائم في خدمة «اسرائيل».

وقد عمل قراره على التطوع جاسوسا لاسرائيل على حل ذلك الصراع. إن الجاسوسية كانت وسيلة جعلته يعيش في عالم أحلامه.

وفي جامعة ستانفورد كان بولارد معروفا ينسج القصص الخيالية، ولكنه كان رجلا مطلعا وواضحا الى درجة أنه كان يجعل سلسلة من المزاعم الغريبة تبدو مقنعة. وكان بولارد يتباهى باحتفاظه بجنسية مزدوجة وحصوله على رتبة عقيد في الجيش الاسرائيلي، وكان هو وبعض الاصدقاء يمضون الكثير من الوقت في لعب ألعاب عن الحرب والخطط الحربية، وقد اصبح ذلك وسيلة لتنفيذ أحلامه. وقد وصف بولارد في الكتاب السنوي لجامعة ستانفورد بـ «العقيد بولارد»، ويقال إنه اقنع الجميع بأن المخابرات الاسرائيلية كانت تدفع له رسوم الدراسة في الجامعة. وبعد أن تم القبض عليه قال بولارد إن ذلك كان مجرد مزاح ولهو، وأن احدا لم يأخذ كلامه بصورة جدية ولكن غالبية زملائه في الجامعة لم ينظروا الى ذلك كمزاح.

وبينما كان يعمل في المخابرات التابعة لسلاح البحرية أصبح معروفا بنسج القصص الخيالية. ومع أنه أبقى على آرائه المؤيدة لاسرائيل طي الكتمان خلال هذه الفترة، فإنه زعم ذات مرة أنه عمل لصالح المخابرات الاسرائيلية، ولم يتم الإبلاغ عن هذا الأمر لأنه لم يؤخذ بجدية من قبل أي شخص. كانت قصصه الخيالية عن نفسه بمثابة نكتة في المكتب، كان بولارد غير محبوب من قبل زملائه لأنهم كانوا مستائين من اسلوبه الذي كان يتسم بالتفاخر والصلف ومعرفة جميع الاشياء.

وفي احدى المرات حصل بولارد على رخصة لاقامة قناة اتصال سرية مع المخابرات في جنوب افريقيا من خلال صديق من جنوب افريقيا تعرف عليه في المدرسة التي تخرج فيها. ومن خلال مجموعة من العوامل بدأت قصة بولارد عن علاقته مع بعض الاشخاص في جنوب افريقيا تتكشف. وبعد ان أخبر بعض المحققين في سلاح البحرية قصصا خيالية عن اقامته في جنوب افريقيا وان والده عمل رئيسا لمركز وكالة المخابرات الاميركية هناك، تم سحب رخصة الأمن الممنوحة له وطلب منه الذهاب للعلاج النفسي. وبعد أن افاد الطبيب بأن بولارد غير مصاب بمرض نفسي قدّم بولارد شكوى رسمية حصل بعدها على رخصته الامنية واعيد الى وظيفته. ان حاجة بولارد الى الشعور بالاهمية وجعل الآخرين يؤكدون هذه الأهمية أدى به الى تسريب تحليلات اقتصادية وسياسية سرية الى ثلاثة أصدقاء شعر أن بامكانهم استخدام هذه المعلومات في أعمالهم. لقد تم ذلك قبل تطوعه بتقديم خدمات لاسرائيل، ومع أنه كان يأمل في أن يحصل على منفعة في نهاية الأمر، الا أن دافعه الرئيسي كان يتمثل في نيل اعجاب أصدقائه بالمعرفة التي يمتلكها وأهمية عمله.

مميزات أخرى

وبالاضافة الى هذيان العظمة كانت هناك مؤشرات بسيطة على وجود ميول معادية للمجتمع ومشكلات في علاقات بولارد مع الاشخاص الآخرين. وعندما كان طالبا في الجامعة كان بولارد يميل الى اتباع اسلوب النكات القذرة مع الناس. فعلى سبيل المثال كان يضع مفرقعات نارية على الأنوار الموجودة في الحجرة حتى تنفجر عندما يتم اشعال النور. كما كان يختبئ داخل خزانة الملابس في حجرة شخص آخر ويقفز منها عندما يدخل الشخص الحجرة.

إن المداعبات السمجة هي شكل معروف من اشكال السلوك العدواني الاجتماعي، ومع أنه كان صهيونيا متعصبا فإنه لم ينضم ابدا الى أية مؤسسة يهودية اثناء دراسته في الجامعة. لقد كان شخصية منعزلة ولم يشعر بالارتياح للانضمام الى المنظمات.

تعرض للشبهة

كان هذيان العظمة أول ما جذب اهتماما معاكسا من قبل الاستاذ المشرف على بولارد ما ادى الى تعرض الأخير للشبهة.

لقد اكتشف المشرف أن بولارد كان يكذب بالنسبة الى تعاملاته مع مؤسسة حكومية أخرى، وكان الهدف الوحيد من الكذب على ما يبدو هو جعل بولارد يبدو شخصية أكثر أهمية مما يبدو. وبدأ المشرف يتساءل عن سبب قيام بولارد بتلفيق مثل هذه القصص.

وفي الفترة نفسها فشل بولارد في انجاز عدة واجبات دراسية في الوقت المناسب لأنه كان يكرس الكثير من وقته للبحث عن معلومات لتلبية متطلبات الاستخبارات الاسرائيلية.

وقد لاحظ المشرف انه كان كان يطلب الكثير من الوثائق السرية للغاية المتعلقة بالمعدات السوفياتية التي يتم تزويد الدول العربية بها حتى أصبح عبئا على الكاتب الذي كان عليه فتح برنامج معين في الحاسوب لاستخراجها.

ولم تكن لبولارد اية حاجة واضحة لهذه المعلومات، ولكنه قدم تفسير معقولا عندما سئل عن سبب حاجته لهذه المعلومات.

ويمكن تفسير المخاطر التي واجهها بولارد بطلبه الكثير من الوثائق بنزعة هذيان العظمة لديه إذ إن هؤلاء مثل هؤلاء الاشخاص يشعرون في الغالب بأنهم غير عرضة للخطر وأنهم أذكياء بحيث يتعذر القاء القبض عليهم.

وقد ابلغ المشرف مكتب الادارة، ولكن على رغم ارساله رسالتي تذكير، فإن بولارد تأخر أربعة أشهر في تقديم بيانات عن ماضيه الشخصي كانت ضرورية لتحديث التحريات بالنسبة الى رخصته الأمنية.

ورأى المشرف أن بولارد موظف غير مرغوب فيه وقرر التخلص منه، ولكنه لم يشك في وجود مشكلة أمنية إلا بعد أن قام زميل في العمل بالابلاغ عن مشاهدة بولارد وهو يأخذ حزمة من الاوراق السرية للغاية من المبنى حوالي الساعة 4,15 مساء يوم الجمعة. لقد كانت الحزمة مربوطة بشكل جيد وكان لدى بولارد إذن خاص لحمل هذه المواد الى بناية مجاورة.

وعلى أية حال كان نقل هذه المواد في وقت متأخر من يوم الجمعة مثيرا للشك وخصوصا عندما ركب بولارد سيارة مع زوجته. وقد أكدت التحقيقات أن بولارد كان ينقل بشكل منتظم كميات كبيرة من الوثائق المحظورة السرية للغاية

العدد 246 - الجمعة 09 مايو 2003م الموافق 07 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً