العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ

حقوق المرأة على المستوى العالمي

ترددت أصداء الدعوة العالمية من أجل حقوق المرأة، التي قامت بها النساء في جميع أنحاء العالم، (ومنها قاعات الأمم المتحدة والحكومات المحلية) في فترة التسعينات. فما الذي تعنيه هذه النداءات للنساء؟ وما هو تأثيرها؟ وما هي التحديات التي لاتزال تواجههن؟.

لقد تم تجاهل حقوق المرأة طوال تاريخ حركة حقوق الانسان العالمية، وقد تطلب أمر استعادة هذه الحقوق عدة عقود من العمل الفعال على المستويات المحلية والاقليمية والعالمية والعمل من خلال شبكات. قبل صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1948، كان هناك عدد كبير من الاتفاقات الدولية التي تصون حقوق النساء، مثل ميثاق هاواي الذي صدر في بدايات القرن العشرين والذي اهتم بالصراعات بين القوانين الوطنية التي تتعلق بالزواج والطلاق وحضانة الصغار، والاتفاقات الدولية التي تم تبنيها في الأعوام 1904، 1910، 1921، 1933 والتي ركزت على منع المتاجرة بالنساء.

وقبل اصدار الاعلان العالمي، اعتمد المجتمع الدولي قاعدة عريضة من حقوق الانسان العالمية لتناول موضوع حقوق النساء وقضايا الأقليات الأخرى. ويعتبر هذا المعيار العام من عدم التمييز أساسا لميثاقي حقوق الانسان الرئيسين وهما: الميثاق العالمي للحقوق المدنية والسياسية والميثاق العالمي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

عمل المنظمات من أجل حقوق المرأة

بعد الاجماع على اهمية وجود قوانين اكثر حيادية بين الجنسين فيما يتعلق بحقوق الانسان، فان الهيئة الوحيدة التي تهتم بحقوق المرأة هي لجنة الأمم المتحدة لوضع المرأة، التي أسست في العام 1947، والتي ابتدأت عام المرأة العالمية منذ العام 1975 حتى العام 1985، بعقد مؤتمرات عالمية في العام 1975 (في مدينة مكسيكو)، وفي العام 1980 في كوبنهاغن، وفي العام 1985 في نيروبي، وفي العام 1995 في بكين، وهو الأمر الذي ساعد في وضع مسودة معاهدة الحد من كل أشكال التمييز ضد النساء.

وتعترف هذه المعاهدة في مقدمتها بأنه على رغم جهود الأمم المتحدة لتعزيز حقوق المرأة، فإن «التمييز الشامل ضد المرأة لايزال موجودا». هذا التمييز ينتهك «مبادئ المساواة واحترام كرامة الانسان، وهو يشكل عقبة لمشاركة النساء، بالتساوي مع الرجال، في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية في دولهم، ويعرقل ازدهار المجتمع والأسرة ويصعب عملية التطوير الشامل لامكانات النساء في خدمة مجتمعاتهن وفي خدمة الانسانية».

وتركز المعاهدة على تحقيق مساواة حقيقية بدلا من مجرد التأكيد على حماية متساوية تحت القانون، كما تطالب الدول بتعديل النماذج الثقافية التي تدعم اللامساواة، وتحاول فرض معايير المساواة في الحياة الخاصة والعامة. وقد تبنتها الجمعية العمومية بالأمم المتحدة في العام 1979، وتم اقرارها في العام 1995 من قبل 139 دولة كما تم توقيعها من قبل 96 دولة.

حملة عالمية

كان تضامن النساء على مدى عقد كامل هو الذي مكن المنظمات النسائية في جميع أرجاء العالم من ان يكون لها تأثير مهم في مناقشة موضوع حقوق الانسان في المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الانسان الذي عقد في العام 1993 في فيينا. وقد اطلق اعلان المؤتمر شرارة لحشد النساء ليعدن تعريف اطار حقوق الانسان. وقد بدأت الحملة العالمية لحقوق المرأة على يد مركز قيادة النساء العالمية في جامعة رتغيرز، والمركز الدولي للدفاع عن حقوق النساء وغيرها من المراكز الأخرى.

وقد قامت هذه الحملة العالمية بتحري الصلة بين حقوق النساء والعنف الموجه لهن، وحقوق الانسان، وتضمنت نشاطاتها المحلية المسيرات، واللوحات التعليمية، والمعارض، ومسارح الشوارع، وتجمعات الاحتجاج. كما قامت الحملة بتنظيم عريضة عالمية، تدعو الى مؤتمر عالمي عن حقوق الانسان من اجل «تناول حقوق المرأة بشكل موسع على كل المستويات» والنظر الى العنف الموجه ضد النساء «كانتهاك لحقوق الانسان يتطلب اجراءات عاجلة».

وبالاضافة الى العريضة، عقدت الحملة العالمية جلسات محلية واقليمية لمناقشة انتهاكات حقوق النساء، وقد تم احضار وثائق وملفات هذه الجلسات الى المؤتمر العالمي. وقد عقد المشاركون «لقاءات عبر الأقمار الإصطناعية» تجمعت فيها النساء من الأقاليم المختلفة لتبادل التقارير ولعمل التوصيات للمؤتمر العالمي. كما عقدت النساء في أميركا اللاتينية وإفريقيا الكثير من مثل هذه اللقاءات لخلق اطار يستخدم لتشكيل ضغط على الأطراف الأخرى في المؤتمر. أخيرا، ارسلت الحملة العالمية النساء الى اللقاء التجهيزي الأخير للمؤتمر العالمي لتسمع أصواتهن خلال وضع صيغة اعلان فيينا ووضع اطار العمل له.

وهكذا، بالاستفادة من هذه الشبكات والفهم المكتسب خلال المؤتمرات النسائية العالمية العديدة، وبالاستفادة من مصادر هيئات الأمم المتحدة ومجتمع حقوق الانسان، نشأت حركة حقوق انسانية نسائية عالمية. وبينما تلقت هذه الحركة انتقادات من عدة حركات نسائية في العالم الثالث، فقد شددت على التضامن العالمي بين النساء. وبهذا التضامن الذي تم التفاوض بشأنه بدأت الحركة بالاعداد للمؤتمر العالمي في فيينا.

وفي فيينا، أوردت الحركة العالمية لحقوق النساء المشكلات الكبرى الآتية ذات العلاقة بحقوق الانسان:

1) معظم آليات حقوق الانسان تسعى الى تفعيل الحقوق السياسية فقط بينما تهمل مسألة حماية الحقوق الاجتماعية الاقتصادية والثقافية والجماعية وهي الحقوق التي تؤثر على النساء بشكل أكبر، وتترك هذا الأمر تحت تصرف الدول منفصلة.

2) معظم وسائل حقوق الانسان مركزة في الحكومة وليس لها آليات لخلق ممثلين غير حكوميين لحقوق الانسان، وهم الذين يكونون غالبا مسئولين عن انتهاكات حقوق النساء

3) الوثائق الحالية المتعلقة بحقوق الانسان تؤكد على الحقوق في النطاق العام وتكون بذلك غافلة عن انواع العنف المنزلي والهيكلي الذي يوجه للنساء بشكل روتيني. وقد اثبتت جماعة الضغط النسائية ذلك حين طالبت بالحياد بين الجنسين، إذ ان جميع الوسائل تفترض ان الرجال وعلى الأخص الرجال غير المنحرفين جنسيا، هم حاملو الحقوق الأساسية، كما انها لا تتناول حقائق النساء بشكل كاف، ما دعا النساء الى المطالبة باعادة تشكيل نسائي لحقوق الانسان.

بالإضافة الى تناول تفسيرات الأمم المتحدة المحدودة لحقوق النساء، فقد تحدت حركات حقوق النساء المتطرفين الدينيين والحكومات الآسيوية التي عارضت حقوق النساء على أساس الاختلافات الثقافية، كما اعترضت النساء على استخدام الثقافة بصورة انتقائية، وبطريقة قاسية وتاريخية، من قبل النخبة لمواصلة هيمنتها داخل المنزل. وبحسب كلمات هيلاري بوكر فان «النساء من كل ثقافة وفي كل جزء من العالم يقفن ويقلن باننا لن نقبل بعد الآن اي تبرير ثقافي للانتهاكات الموجهة ضدنا. نحن بشر، ومن حقنا ان تحمى حقوقنا، والمجتمع الدولي يجب ان يستجيب لهذا النداء وان يخلصنا من اية محاولة لتبرير الانتهاكات اعتمادا على الأسس الثقافية».

في نهاية المؤتمر ناشدت الحركة توجيه زخم مؤتمر فيينا تجاه المؤتمر العالمي للمرأة المقبل في بكين. وقد أوجزت دوروثي ثوماس، المخرجة المؤسسة لمشروع حقوق النساء الذي تقوم به منظمة مراقبة حقوق الانسان Human Rights Watch، ثلاث تحديات كبرى للحركة هي: التحرك من شفافية انتهاكات حقوق الانسان الى المحاسبة على هذه الانتهاكات، وتجنب تهويد حقوق النساء وجعلهن جزءا من جميع أقسام الأمم المتحدة، واستمرار تشكيل المنظمات المتعددة الثقافات مع مراعاة الاختلافات بين النساء.

مؤتمر بكين 1995

اتضحت في بكين قوة حركة حقوق النساء في فيينا وفي مؤتمرات الأمم المتحدة الأخرى في القاهرة وفي كوبنهاغن. وقد اقامت الكثير من منظمات حقوق الانسان مثل مركز قيادة النساء العالمي، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة مراقبة حقوق الانسان، ورش عمل لتؤكد على كيفية استفادة المجموعات النسائية من وسائل حقوق الانسان المتعددة لتعزيز التعليم والحصول على العدالة في دولهن، وقد تم التركيز على الحصول على الشرعية لوجهات النظر النسائية في اطار حقوق الانسان في المجتمعات حول العالم.

وقد اقيمت ورش العمل هذه من قبل الكثير من المنظمات غير الحكومية التي تتنوع من مجموعات نسائية تساعد نفسها وتعمل على منع العنف ضد النساء الى مجموعات التطوير التي تحارب سياسات التبرير الهيكلي وتعمل من أجل التطوير المستمر وجميعها تؤكد استخدام خطاب حقوق الانسان في عملها. وقد أكدت منظمة إحدى الورش ريتا مارين انه يمكن النظر الى اطار حقوق الانسان كأدوات تعطينا السلطة التي يمكن تكييفها للمطالبة بالعدالة والمساواة في جميع المجالات تقريبا. وبالاضافة الى العمل المهم المتمثل في مشاركة المعلومات والشبكات مع المجموعات، فقد أقامت الحملة العالمية لحقوق النساء محكمة عالمية للمحاسبة على انتهاك حقوق النساء، وهذه المرة لم يكن التأكيد على جعل انتهاكات حقوق النساء منظورة ولكن على المطالبة بتغييرات محسوبة، إذ اوصى القضاة بتطبيقات اقوى واكثر واقعية لحقوق النساء. وكما اشارت احدى منظمات احدى ورش العمل قائلة «في نيروبي لم نتوصل الى قرارات نهائية فلقد ركزنا على ان الحكومات يجب ان تدعم معاهدات حقوق الانسان الدولية، اما في بكين فقد كانت مطالبنا هي خضوع الحكومات» هذه اللهجة الجازمة هي نتاج ما يزيد على عقدين من عمل المنظمات النسائية حول العالم كانت واضحة خلال المؤتمر. وقد تم تعيين مقرر خاص عن العنف ضد النساء، نتيجة الالتزامات التي تم عملها في فيينا والتي اكدت الحاجة إلى الانتقال من التعبير عن الضيم والمطالبة بالحقوق الى السعى وراء العلاج والحلول. كما ان اعلان بكين واطار العمل اعادا اقرار ميثاق فيينا في التزامه بعالميته، وعدم قابليته للتحويل، واعتماد حقوق الانسان على بعضها بعضا، وحاجة الحكومات إلى دعم حقوق النساء بغض النظر عن الاختلافات الثقافية والدينية، وفي اقرارها العنف ضد النساء في المنزل وفي الصراعات المسلحة كانتهاكات لحقوق الانسان. ان اعادة الاقرار كانت مشجعة بشكل خاص بحيث كانت انتصارا على محاولات الفاتيكان وبعض الحكومات لقلب المكتسبات التي تم الحصول عليها في فيينا. الاضافة الجديدة الاكثر اهمية للوثائق هي اقرار نوع من الحقوق الجنسية إذ ان حقوق الانسان النسائية تشمل حقوقهن لأن يكون لهن قدرة في التحكم في الأمور المتصلة بنشاطهن الجنسي واصدار القرارات بشأنها بحرية وتحمل المسئولية عنها وتشمل هذه النشاطات الصحة الجنسية والانتاجية، من دون اجبار او تمييز او عنف «كما أقرت الوثيقة أيضا وللمرة الاولى أهمية العمل النسائي في المنزل الذي لا يتلقين عليه اي اجر».

اما اعلان بكين فقد اعاد اقرار الالتزام بتزويد مصادر جديدة واضافية تجاه تنفيذ حقوق النساء، ولم يشر الى الرغبة في اعادة ترتيب المصادر الموجودة لانجاز مثل هذه المهمة. على رغم المكتسبات النظرية والقانونية التي تم عملها في فيينا وبكين، الا ان حقوق النساء لم تكن تشكل حقيقة لمعظم النساء حول العالم. من بين المعوقات الرئيسية التي تم الاشارة اليها من قبل الكثير من المفكرين هي هيكليات العولمة وممارساتها التي ادت الى سياسات اقتصادية غير عادلة وتعرية الصحة والتعليم النسائيين. ولا يمكن ان يتناول منهج حقوق الانسان المبني على توزيع اللوم والعقاب على الأفراد، هذه الانتهاكات بشكل كاف في القانون الدولي، والذي يطبق دائما بطريقة انتقائية كما يتعامل مع النتائج وليس أسباب اللامساواة الهيكلية. كما اضعفت العولمة دور الدولة أيضا، وأضعفت قدرتها على تحديد التدفقات العالمية من رأس المال، والبضائع، والأسواق التي تضعف حقوق الانسان لمواطنيها. لقد واجهت حقوق النساء الانسانية تحديا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة من الوطنية والأصولية الاسلامية، وبالأخص الأنظمة الأصولية الاسلامية المعادية لحقوق النساء في دول مثل ايران وافغانستان والمملكة العربية السعودية، أما في الأماكن الأخرى التي تهدد الحركات الأصولية فيها بالوصول الى السلطة مثل الجزائر ومصر فقد عملت النساء على التجمع لمواصلة المطالبة بحقوقهن.

بالنسبة إلى المجتمع حقوق النساء العالمي فهناك عدد من المناسبات لتجديد العمل، كما ان النساء من جميع أنحاء العالم بحاجة للاستفادة من زخم المؤتمر العالمي واتخاذ اجراء على المستويات المحلية والعالمية لاستخدام اطار حقوق الانسان لتحدي ظلم العولمة، وفي العملية نفسها فهن بحاجة إلى إعادة توضيح الاطار ليصبح اكثر قابلية للانجاز، وهذا بحسب كلمات أحد القضاة في محكمة بكين «يتماشى مع روح الحصان والتنين» في علم الكون الصيني، ويرمز الحصان الى العمل الشاق والتضحية والصبر بينما يمثل التنين الامكانات والقوة وكلاهما ضروري لجعل حقوق النساء أمرا واقعا

العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً