عندما نعرض قضايا تربوية متنوعة تهم المشتغلين في المجالين التربوي والتعليمي لا نقصد من ورائها التسلية والعياذ بالله، ولا يطلب من وزارة التربية والتعليم الشفقة والعطف على هذا المعلم أو ذاك لا قدر الله، ولكن كل ما يطلب من طرح هذه القضايا التربوية والمهنية أن تبادر الجهات المعنية بالشأن التربوي والتعليمي بدراستها من مختلف جوانبها التربوية والمهنية والإنسانية والحقوقية والعمل على إزالتها من الساحة التربوية والتعليمية ليس إلا، لأن في ذلك التأكيد نماء وتطورا للعمليتين التربوية والتعليمية في بحريننا الغالية.
وفي اعتقادنا أن التغافل عنها أو تجاهلها أو تنسايها يؤثر سلبا على العمليتين التربوية والتعليمية بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولا أحد من الناس العقلاء يستطيع أن يقول إن مهنة التعليم كسائر المهن الأخرى، لأن الجميع على دراية واسعة بمتطلبات التعليم الإنسانية والثقافية والتربوية والمعنوية.
ويحتاج من يشتغل بمهنة التعليم أن تتوافر له كل سبل الراحة النفسية والمعنوية والمادية أولا وقبل كل شيء، حتى نرفع من معنوياته بنسبة معينة، وحتى يتمكن من أداء عمله على أكمل وجه. إذا ما حاولنا أن نضغط على المعلم أو المعلمة نفسيا بشتى الطرق والوسائل، وإذا ما خاطبناه بأسلوب خشن يخدش مشاعره الإنسانية ويحط من قدره المهني وينال من شخصيته... نقول حتى ولو حدث ذلك الأمر من دون قصد، فهو غير مقبول إنسانيا ولا مهنيا مهما وضعنا المبررات لذلك، ولكن إذا ما نبهنا الجهات المعنية بالتعليم إلى هذه القضية التربوية أو تلك، وتغافلت أو تجاهلت عن تعديلها وتصحيحها بما يتناغم ومتطلبات العملية التعليمية، يكون الأمر مختلفا تماما عن لو لم تنبه إليها.
وعندما نتحدث عن المعلمات اللاتي قضين أعواما طويلة في مهنة التعليم تتراوح ما بين 25 و32 عاما، لا نتحدث عنهن لأنهن يطلبن الشقفة لأنفسهن ولا يقبلن من أحد أن يطلب لهن الشفقة، وإنما كل ما يطلبنه من وزارة التربية والتعليم أن تتعامل معهن بإنسانية القانون واستثناءاته وليس بمواده وبنوده الحرفية، وإن لم تكن في القانون استثناءات تعالج مثل هذه القضايا الحساسة، لابد أن يفكر الإخوة في ديوان الخدمة المدنية وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في وضع تلك الاستثناءات التي لا تتعارض مع روح القانون.
فليس من المنطق أن أطلب من معلمة قضت عشرات الأعوام في مهنة التعليم كالمعلمة الشابة التي لم يمر على توظيفها يوما واحدا! نحن لا نناقش في أصل القانون الذي يفرض نصابا معينا على معلم المرحلة الابتدائية ونصابا آخر لمعلم المرحلة الإعدادية، ونصابا ثالث لمعلم المرحلة الثانوية، ولن نناقش في مسألة النصاب هل يخدم العملية التعليمية أم لا، فهذا ليس موضوعنا الذي نريد التحدث فيه، ولكننا نناقش في روح القانون ونناقش في استثناءات القانون... هل يوافقان أن تعطى معلمة أنهكتها المهنة وأتعبتها حتى أصبحت محملة بالأمراض والأوجاع من كل حدب وصوب من جسمها نصابا كاملا؟ العقل والمنطق يقولان لا وألف لا.
أوضاع بعض المعلمات اللاتي تسنى لنا الاطلاع على أوضاهن المهنية لا تسر أحدا، فكيف بوزارة التربية والتعليم التي تسعى جاهدة لتطوير التعليم في مختلف زواياه؟ والشيء الذي يدهش تلك الفئة من المعلمات أن أمرهن النفسي والمعنوي وكأن لا يعني وزارة التربية والتعليم لا من بعيد ولا من قريب!
فعلى رغم أن ما اطلعنا عليه يؤثر بصورة مباشرة على التعليم من جوانبه المختلفة، لدينا بعض النماذج من تلك الفئة التي تموت ألف مرة كل يوم من عدم تقديرها وكثرة الأعباء التي يضعونها على عواتقها التي لا تقوى على حملها وهن في هذه الأعمار المتقدمة... هذا التغافل جعلهن يتمنين ترك المهنة ليس لأن عشقهن لها قل، وإنما لقلة تقدير الجهات المعنية لهن.
الكثيرات من هذه الفئة المغبونة تطلب مقابلة وزير التربية والتعليم لأنهن يعتقدن أنه بإنسانيته الراقية بيده أن يضع حدا «للمهانة» - كما أسموها - التي يتعرضن لها وهن في السنوات الأخيرة من عمرهن المهني، وتساءلن: ماذا يعني أن تعطى معلمة قضت 32 عاما متواصلة في مهنة التعليم ويشهد لها بالكفاءة والإخلاص في أداء عملها طوال عمرها المهني، ستة مقررات دراسية لمراحل مختلفة؟! أو معلمة ثانية قضت 30 عاما في مهنة التعليم وتعطى ثلاثة مقررات دراسية وإشرافا إداريا والمختبر والتزامات أخرى؟! ومعلمة ثالثة أخذت مهنة التعليم 26 عاما من عمرها، وبعد تلك الأعوام الطويلة تنقل من غير إرادتها أو إرادة إدارتها إلى مدرسة أخرى وتكلف بستة مقررات دراسية؟! ومعلمة رابعة أعطيت ثلاثة مقررات دراسية.
ولا ننسى التقويم الجديد لكل تلميذة الذي كلفن به في هذا العام والذي يحوي خمس صفحات ملئت بالكثير من الخطوات الإجرائية التي تحتاج لتنفيذها إلى أوقات تزيد على أوقات الدوام المدرسي بكثير.
نحن نتكلم عن عينة بسيطة من المعلمات ولن نتحدث عن جميع المعلمات اللاتي يعانين من مثل هذه القضايا التربوية من دون أن يسمعهن أحد من وزارة التربية والتعليم، وكما أخبرت من الكثيرات منهن اللاتي يعشن حالة نفسية خانقة جراء عدم التقدير لهن، يطلبن وبإلحاح شديد مقابلة وزير التربية والتعليم لأنهن يعتقدن أنه سينصفهن ويقدر جهودهن التي بذلنها طوال تلك الأعوام، وهن على يقين أن مقابلته لهن ستفضي إلى نتائج إيجابية.
لهذا طلبت المعلمات منا أن نوجه طلبهن نفسه عبر الصحافة إلى الوزير، وهن واثقات من أن الرد سيكون إيجابيا على مطلبهن، فحسب علمنا حفيت أقدامهن من كثرة مراجعتهن لمختلف الجهات المعنية بوزارة التربية والتعليم، من دون أن تحصلن على بارقة أمل لحل مشكلاتهن.
نقول لعلنا تمكنا من إيصال مآسي تلك المعلمات المعنوية والنفسية إلى أسماع وزير التربية والتعليم وإلى ديوان الخدمة المدنية وإلى جميع من في استطاعته حل هذه المشكلة التربوية والإنسانية، ونحن نضم يقيننا إلى يقين المعلمات اللاتي تعانين من هذه القضية من أن الوزير سيضع قضيتهن في مقدمة اهتماماته، ولن يقبل في جميع الأحوال والظروف أن تبقى هذه المعضلة التربوية من دون حل جذري.
يقيننا الراسخ يجعلنا نقول لتلك المعلمات الفاضلات اللاتي أخذت منهن مهنة التعليم مأخذها، إن مسألتكن ليس حلها متعسرا أو مستحيلا، وإنما حلها في غاية البساطة واليسر، وجميع متطلبات الحل واضحة وجلية ولا تتطلب أن تبذل لأجلها التربية الجهود الكبيرة.
سلمان سالم
العدد 2244 - الإثنين 27 أكتوبر 2008م الموافق 26 شوال 1429هـ