عالم لا أستطيع أن أعيش فيه عاقلا... عالم لا أستطيع أن أعيش فيه مجنونا... عالم أمشي فيه وعيني تنظر إلى أسفل، وروحي تنظر إلى الأمام، عيني تنظر إلى طريق قصير قد اعتدت عليه ولم يتغير فيه شيء، وأذني تسمع الأصوات نفسها... أصوات أناس لم أرهم قط مع أنهم في الطريق نفسه، لا أعلم لماذا ولكني اعتدت على ذلك، لا أعلم لم لا أستطيع أن أكون كباقي الناس التي اعتادت على أن تسلم على من تراه كل يوم في الطريق نفسه، وعلى الناس التي اعتادت على الناس التي تلاقيها كل يوم، فأرى نفسي أمشي وكأن من حولي ليسوا سوى أصوات، أو كأني لا أرى، فلو سلمت لن يرد أحد السلام عليّ، وإن كلمت إنسانا يكلمني على أني أقل مستوى من باقي الناس.
أتعجب عندما أرى زملائي يتحدثون إلى من معنا في الفصل من الفتيات بكلمات لو نطقت بها لتهافتت علي الاتهامات وكثرت علي الضحكات والابتسامات...
بعد أن أعود من كليتي أجلس في الفراغ... في رأس مليء بأسئلتي وسوء شخصيتي...
أنتظر الأذان فأذهب للصلاة، أرى أبناء حيِّنا الذين لعبت معهم عندما كنت صغيرا... أعرف أسماءهم ولكن لا أعلم ما يمنعني من أن أسلم عليهم... مع أنه وسط الرجال تظل عيناي تنظران إلى الأسفل... إلى السجادة التي أصلي عليها. أقف لأصلي صلاة بلساني وقلبي في مكان آخر، أخرج من المسجد وأنا أنظر إلى أسفل كالخائف... كالسارق... كالذي عمل ذنبا كبيرا لا يمكن أن يغفره له الناس فلا أقوى على أن أنظر إليهم! أمشي إلى الخباز... الشخص الوحيد الذي أراه كل يوم وأسلم عليه...
الساعة الوحيدة التي أكون فيها كباقي الناس...
أسلم على من أراه كل يوم في الطريق نفسه...
ناصر عبدالحسن الصائغ
العدد 2244 - الإثنين 27 أكتوبر 2008م الموافق 26 شوال 1429هـ