انتقدت جمعيات المعارضة اعتقال الأمين العام لحركة الحريات والديمقراطية (حق) حسن مشيمع ورئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان (المنحل) عبدالهادي الخواجة اللذين اعتقلتهما السلطات أمس (الجمعة)، ووصفت الاعتقالات الأخيرة بأنها «تصعيد غير مبرر»، في حين أبدت الجمعيات القريبة من الخط الرسمي «قلقها الشديد من تفاقم الأوضاع السياسية»، وأبدت تخوفها من «عودة الساحة السياسية إلى المربع الأول».
فمن جانبه، وصف عضو مجلس النواب الشيخ علي سلمان في تصريح له يوم أمس، عملية اعتقال الشخصيتين الوطنيتين «بصورة غير حضارية» على حد قوله، مؤكدا أنه كلف نواب كتلة «الوفاق» في لجنة الأمن والعلاقات الخارجية بمتابعة مجريات التحقيق التي تجري حاليا معهما في النيابة العامة. ورأى سلمان أنه «من غير المناسب واللائق اعتقال شخصيات وطنية إصلاحية تتمتع بحضور كبير لدى المواطنين مثل مشيمع بتلك الطريقة»، معتقدا أنه كان من الأنسب الاتصال وتوجيه رسالة للحضور إلى المكان المراد إجراء التحقيق فيه بشأن أية قضية من القضايا، بدلا من الاعتقال التعسفي ومداهمة المنزل.
وبين سلمان أن «موضوع الاعتقال في القضايا السياسية أو ما يصدر من السياسيين ومن أصحاب الرأي في تعاطيهم مع القضايا العامة يتعلق باختلاف في وجهات نظر سياسية، وهو بالتالي بعيد عن حوادث العنف أو الأسلحة التي عادة ما قد تبرر استخدام طريقة المداهمة والاعتقال. وعليه فإن هذه العملية تعتبر غير مناسبة وبلا معنى وهي ضمن الأخطاء القديمة الجديدة، إذ ان الوضع الطبيعي هو تحويل أوراق الادعاء في حال وجوده إلى المحكمة التي تطلب رأي المدعي والمدعى عليه ومن ثم يأخذ قضاء مستقل الإجراء القضائي بعد ذلك».
ودعا سلمان إلى ضرورة الدفاع عن حرية الرأي والتعبير في هذا البلد، محذرا من «قيام البعض بمعالجات طائفية من الضروري حصرها في بعدها السياسي المحض، وعدم التورط في مواقف لا تخدم العملية السياسية في هذا البلد من قبل كتاب البلاط ووعاظ وكتاب السلاطين وكتاب المخابرات ليحاولوا أن يخلطوا الأوراق السياسية بالأوراق المذهبية»، وموجها إلى أن يكون التعاطي الشعبي مع هذه المشكلة «في إطار التعبير السلمي من الاعتراض على الاعتقال أو ما سيتبعه من إجراءات قد لا تكون محل رضا بالنسبة الى المواطنين».
و استنكر عضوا كتلة الوفاق النائبان السيدمكي الوداعي وعبدالجليل خليل تعاطي شرطة مكافحة الشغب التابعة لوزارة الداخلية مع الاحتجاجات من قبل عدد من المواطنين الذين خرجوا أمس (الجمعة) في قريتي السنابس والديه، إذ قام رجال الشرطة بإلقاء القنابل المسيلة للدموع بشكل كثيف للغاية في المنطقة بين البيوت والأزقة والطرقات ما أدى إلى حالات اختناق بين الأهالي من النساء والأطفال وكبار السن.
وطالب الوداعي وخليل وزارة الداخلية بمراعاة أهالي المناطق السكنية وعدم اللجوء لاستخدام القوة المفرطة في معالجة مثل هذه الحالات السياسية التي تشبه حالات العقاب الجماعي التي تؤدي إلى زيادة الاحتقان بين المواطنين بدلا من المسارعة في علاجها وتطويقها، وذلك بالإفراج عن المعتقلين من نشطاء العمل السياسي والحقوقي.
وقام الوداعي وخليل برفقة السيدجميل السيدكاظم بالتفاوض مع الضباط الموجودين على الموقع في تخفيف حدة إطلاق قنابل الغازات المسيلة للدموع، وقال النائب عبدالجليل خليل (ممثل السنابس وكرباباد) في مجلس النواب: «تلقينا اتصالات كثيرة بشأن الاختناقات التي سببها الإطلاق المكثف لمسيلات الدموع، ووصلت الاختناقات إلى مستشفى جدحفص (...) هل من المعقول أن يحدث عقاب جماعي للناس، كما أن حماية المواطنين من مسئولية الدولة (...) الشوارع مغلقة ومسيلات الدموع أطلقت بكثافة وبصراحة فإن هذا يشكل خطرا على أرواح آلاف المواطنين في المنطقة».
وقال النائب الأول لرئيس مجلس النواب ورئيس جمعية الأصالة (السلفية) غانم البوعينين إن هناك مخاوف حقيقية من تراجع الوضع السياسي في البحرين بسبب الحوادث الأخيرة، مضيفا: «قلوبنا على أهل البلد بكل طوائفهم، ونريد الاستقرار والأمان، ونريد أن نرى ثمرة المشروع الإصلاحي، ولكن لا نقبل أن يأتي أحد ويضع العصا في عجلة هذا المشروع، وإذا صح ما تنامى إلى علمي بأن هذه المجموعة مست الذات الملكية فهو أمرٌ بالغ الخطورة».
وذكر البوعينين أن «أهالي سترة قاموا مشكورين بالحديث مع هذا الشخص المعتقل وطلبوا منه عدم التطرق إلى هذه الموضوعات في منطقتهم، وقبل أن تقوم الحكومة بواجبها يجب على الشعب أن يقوم بالمهمة الكبرى، فهناك نص واضح في قانون العقوبات يتعلق بمس الذات الملكية، وليس بالإمكان أن نطيل البال أكثر».
وأوضح البوعينين «أن جلالة الملك فتح صدره للجميع، ودشن مشروعا إصلاحيا للجميع، ويجب التوافق على هذه المرتكزات وهذا أدنى مراتب التوافق (...) نحن أول من تطرق إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولكن أن تستغل هذه الأوضاع في تجييش الشارع فهو أمر خطير، ونخشى من العودة إلى المربع الأول»، مؤكدا أن «القضية ليست قضية طائفية، ولكن هذه حالة عامة يجب أن تعالج من خلال العقلاء وليس من المتهورين، ومن يتهور يجب أن يحاسب ويطبق عليه القانون».
من ناحيته، قال الأمين العام لجمعية العمل الإسلامي (أمل) الشيخ محمد علي المحفوظ: «هذا نوع من التصعيد غير المبرر، ودفع باتجاه توتير الأوضاع واستفزاز الناس، فإذا كنا نريد أن نذهب قدما في اتجاه تعزيز الديمقراطية فمعالجة الأزمات بمزيد من الانفتاح على الديمقراطية ومزيد من ضخ حرية الرأي والتعبير، إذا كانت الرموز السياسية للدولة تنتقد بعض الأوضاع بشكلٍ واضحٍ فمن باب أولى أن يمارس الشعب حقه في النقد أيضا».
واستفهم المحفوظ: «هل هي بداية لإجراءات قمعية تنال من حرية الرأي والتعبير وتعود بالبلاد إلى قانون أمن الدولة؟»، داعيا الدولة إلى العمل على حل المشكلات والأزمات التي يعاني منها المواطنون بدلا من اتخاذ الإجراءات التي تزيد من تعقيد الأوضاع وتأزم الواقع السياسي وتشكك في صدقية الواقع الديمقراطي، مشيرا إلى أن المشكلة تكمن في الحل السياسي لأزمات الوطن وليس المعالجة الأمنية التي من شأنها أن تدفع باتجاه التوتر والتصعيد بدلا من الاستقرار والهدوء، محملا السلطة مسئولية أي تدهور في الأوضاع في ضوء الإجراءات الأمنية.
ورأى الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) إبراهيم شريف من جانبه «ان هناك اتجاها عاما لتضييق مجال الحريات والتوسع في تطبيق القوانين المطبقة في أمن الدولة، فالقانون وضع بشكل مطاطي لأنه يستجيب مع متطلبات أمن الدولة ذلك الوقت، واليوم انتقلت الاعتقالات إلى الصف الأول من السياسيين لتقوض العملية السياسية، لأن الحكومة لن يضرها شيء إذا عبر أحد عن رأيه بشكل مختلف عن وجهة النظر الرسمية».
إلى ذلك، عبرت جمعية ميثاق العمل الوطني على لسان رئيسها أحمد جمعة عن أسفها، إذ قال جمعة: «نحن نأسف لمثل وقوع هذه الحوادث، وخصوصا أننا على وشك بدء مرحلة سياسية جديدة تمكنت من خلالها المعارضة من دخول السلطة التشريعية وبدء الحراك السياسي الذي تتشكل منه عادة أية ساحة سياسية ديمقراطية، إذ يتم حسم الخلافات والاحتقانات تحت قبة البرلمان أو من خلال الحوار بين مختلف الأطراف، وكون أن تنزلق الساحة مرة أخرى إلى الشارع فذلك يعكس فشل الحوار والجدل السياسي، وإذا كنت استبعد تماما أن تكون (الوفاق) أو القوى السياسية العاملة في الساحة وراء هذه الحوادث إلا أن هناك أطرافا لا أريد أن اتهمها ولكن خطابها السياسي يساهم في عدم اتخاذ الأمور السياسية مجراها الطبيعي».
وأضاف «كل ما نتمناه من مختلف الأطراف أن يحتكموا إلى قواعد اللعبة السياسية وأرجو من المعارضة أن تساهم في امتصاص الاحتقانات المثارة على الساحة لنبدأ المرحلة المقبلة بثقة بين الجميع»، محذرا من تداعيات الحوادث الأخيرة على هامش الحريات في البحرين، «إذا كانت هذه الحوادث المؤسفة من شأنها أن تحدث تداعيات، فإنني أخشى أن تطول مستوى السقف السياسي ومستوى الحريات وهذا ليس في صالح المعارضة ولا في صالح جميع القوى السياسية».
العدد 1611 - الجمعة 02 فبراير 2007م الموافق 14 محرم 1428هـ