وقف الرجل الحائز جائزة نوبل للسلام للعام 2006 البروفسور محمد يونس أمس أمام عدد كبير في الصالة الثقافية التابعة لوزارة الإعلام؛ ليقول منذ البداية عبارته المشهورة «ماذا تعني النصوص والمحاضرات والنظريات إذا رأيت جوعا في فصولك التي تدرس فيها؟ عندما تقف في ذلك الموقف فإنك تجد نفسك بالتأكيد لا تعرف شيئا».
بدأ البروفسور يونس في سرد قصته، وأراد لها أن تكون قصة إنسانية تدغدغ القلوب والمشاعر قبل أي شيء حتى يحس ويشعر بها العالم، وحتى يوصل رسالته التي كرّس لها نحو 30 عاما من العمل.
رجل «نوبل للسلام» قال في اللقاء الذي نظمته وزارة التنمية الاجتماعية له: إن «فكرة بنك جرامين (بنك الفقراء) بدأت من تلك اللحظة ولكن كيف؟ ومتى؟ لا يدري، مؤكدا أنه لم تكن لديه الفكرة عما كان من المفروض فعله، كما أنه لم تكن لديه خطة طويلة المدى أو قصيرة إلا أن الرغبة في إنهاء معاناة أبناء شعبه مما يتعرضون له بعد حصول بلده على الاستقلال في العام 1971 دفعته إلى ذلك.
يونس وجد نفسه بعد أن كان أستاذا جامعيا في جامعة شيتاجونق مزجوجا في معركة مع الفقر من دون أن يعلم بها مسبقا، وجد نفسه محاصرا بآلاف من البشر الجياع، فبدأ في التحدث معهم والتعرف إلى حاجاتهم فوجد أن مشكلة واحدة تجمعهم وهي «اقتراض المال» وعدم المقدرة على سداد ما اقترضوه.
لاحظ البروفسور يونس أن جزءا كبيرا من الأسر شديدة الفقر في قرية جورا منضوون في نشاطات غير مزرعية يعانون من اقتراضهم مالا قليلا جدا من مصادر غير رسمية من أجل تحسين مستوى معيشتهم، إلا أن حجم القروض الصغيرة وسعر الفائدة المرتفع (10 في المئة شهريا) لم يساعدهم في تحسين مستوى معيشتهم، كما لم يساعدهم في عملية تراكم رأس المال الخاص بهم.
بدأ البروفسور يونس في البحث فوجد أن الناس تقبل على الاقتراض ومن ثم لا تستطيع السداد ،فتتراكم عليهم الفوائد ،ومن ثم يصبحون غير أحرار، أعد قوائم بسيطة للمقترضين في تلك القرية فوجد أن 42 شخصا مقترضا غير قادرين على استرداد حريتهم بـ27 دولارا فقط (مجموع ما على الـ42 شخصا) وقال يونس: «لم أصدق ذلك، ولم أصدق أن يقدم الناس كل حقوقهم لشخص واحد فقط مقابل اقتراض مبلغ ضئيل جدا».
مشكلة فظيعة والحلول سهلة
وجد البروفسور يونس أن المشكلة فظيعة إلا أن الحلول سهلة وبسيطة، فأعطى الـ42 شخصا الـ27 دولارا ؛لتحريرهم من الدين الذي عليهم، فوجد السعادة والدموع في عيون هؤلاء، وسأل نفسه إذا كانت السعادة بهذه السهولة فلماذا لا أقوم بالمزيد من الجهد؟!.
من هنا البداية
«عندما تحدد المشكلة بالتفصيل يصبح من السهل حلها»... بعد صمت لبرهة هكذا عاد البروفسور يونس للحديث من جديد عن حربه على الفقر؛ ليجد نفسه أنه بحاجة إلى إقراض الأموال للمزيد من الناس ولكن ذلك لن يكون سهلا من دون مصرف.
في أغسطس/ آب 1976 اتصل البروفسور يونس بفرع بنك تجاري وطني للحصول على قروض لبعض الفقراء الذين لا يملكون أرضا، وفي البداية رفض البنك الإقراض بسبب عدم توافر الضمانات، وبعد جهود متكررة ومرور بعض الوقت، تمكن من ترتيب القروض بعد أن قدم نفسه ككفيل شخصي، وعن هذه التجربة يعيد البروفسور يونس إلى الذهن «أن هذه هي التجربة الأولى التي تمنح فيها المصارف قروضا من دون ضمان».
ومن أجل إقناع المصرفيين بوجود الأمان في عملية مد الفقراء بالقروض من دون توفر ضمانات، قال له أحد مديري المصارف: «قل وداعا إلى أموالك ؛لأنها لن تعود»، دخل البروفسور يونس في صراع مع إثبات أن الأموال ستعود، إذ فوجئ الجميع بأن الفقراء الذين اقترضوا بضمانة البروفسور أعادوا الأموال جميعها.
ودخل البروفسور في تحدٍ آخر مع المدير ذاته الذي لم يعجبه نجاح البروفسور في خطته، فتحداه على أن يعيد التجربة في قرية أخرى، ومن ثم في قرى، حتى أكد البروفسور يونس أن التجربة نجحت في 20 قرية والمصرفيون لا يريدون الاقتناع.
فكرة بنك «جرامين»
بعد ذلك جاءت فكرة بنك «جرامين»، إذ فضّل البروفسور يونس أن يكون هناك بنك مستقل يعنى بإقراض الفقراء من دون الحاجة إلى تلك المصارف؛ ليدخل في تحدٍ جديد مع الجهات الرسمية لإقناعها بجدوى الفكرة.
اقترح البروفسور يونس على المدير الإداري للبنك الزراعي البنغلاديشي إعطاءه مسئولية العمل تحت إشراف المدير الإداري، وقد فتح مكتبا فرعيا في مارس/ آذار 1978 للسماح له بتجريب أفكاره بشأن الآلية المناسبة لمنح القروض للفقراء.
نجحت التجربة الاستكشافية الأولى، وحصل البروفسور على مساعدة مالية من البنك المركزي، وتم إنشاء مشروع بنك «جرامين» في يونيو/ حزيران 1979 لكي يرى النور ويتسع ليشمل الكثير من المناطق.
البروفسور يونس توصل إلى أن الفقراء لا يمكنهم الحصول على مساعدات مالية من خلال النظام المصرفي الحالي؛ وذلك لأن المصارف التجارية لا تمنح القروض من دون ضمانات، إلا أن بنك «جرامين» جاء بالعكس فهو يقرض الأموال للفقراء والمعدومين الذين لا يملكون الضمان.
الفقر في بنغلاديش
سيصل إلى صفر%!
يرى البروفسور يونس أن الثقة هي الأساس الذي يقوم عليه بنك «جرامين»، إذ لا توجد ضمانات قانونية من أجل استرداد الأموال المقترضة؛ ليؤكد في الوقت ذاته أن 99 في المئة من المقترضين يعيدون الأموال إلى المصرف، وأن 50 في المئة من أسر المصرف من العوائل الفقيرة خرجت من الفقر. ووعد البروفسور يونس ألا يأتي العام 2015 إلا ونسبة الفقر في بنغلاديش صفر في المئة.
العدد 1613 - الأحد 04 فبراير 2007م الموافق 16 محرم 1428هـ