العدد 1654 - السبت 17 مارس 2007م الموافق 27 صفر 1428هـ

السلام على الحبيب المصطفى

أن تفقد قريبا، أن تفقد صديقا، أن تفقد حبيبا، أن تفقد قائدا، فهو مصاب، والعين تدمع والقلب يحزن. فكيف بفقدك يا طه؟ كيف بفقد قائد القادة؟ كيف بفقد سيد السادة؟ كيف بفقد الصادق الأمين؟ كيف بفقد الرؤوف الرحيم؟ كيف بفقد الحبيب المصطفى؟ كيف بانقطاع صلة الأرض بالسماء؟ أي زلزال حل بالمسلمين وعلى البشرية جمعاء؟!

23 عاما أقام أبو القاسم بها دولة دان لها الأولون والآخرون. فإن وجد أفراد بعلم مدارس وجامعات، وإن وجد أفراد بعلم عقود وعصور، فمحمد (ص) مدينة العلم وكنز البشرية، فهل نحن طلاب علم متعلمون؟ سيدي من الملايين المملينة، يختارك الله رسولا للبشرية وللرحمة وخاتم النبيين. سيدي أية منزلة عظيمة كنت؟ وأي خلق عظيم وصلت «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم 4). مولاي أية مكانة ما بين الأنبياء وصلت، لتسري للسماوات السبع؟ مولاي يخجل ويعجز الصبر عن صبرك، أي صبر صبرت لأجل هذا الدين لينتشر وليصبح أسرع الديانات انتشارا في العالم اليوم، فكيف لا تحترمك وتحبك الإنسانية، وكيف لا يحقد المستكبرون عليك؟ «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» (الصف 8).

سيدي... غاب أحمد وغابت الشمس فتيتمت البشرية. أية مصيبة حلت بالبشرية أكبر من رحيلك؟! سيدي، جهلت الأمة بقرآنها وبدينها وبنبيها فتاهت. عادت قريش وطبقاتها للظهور. رجعت القبلية والعصبية والجاهلية بمسميات مختلفة. غرت الدنيا بغرورها مسلمين بالجواز والوراثة والاسم. ضاع وتشتت القوم من بعدك. أصبح الجهل زادهم وموطنهم. أصبحوا أذلاء والعزيز أعزك وإياهم. تفرق المسلمون إلى فرق. يصف حالنا مصطفى السباعي فيقول: «لو تهدم الكعبة اليوم، لما تظاهر المسلمون أكثر من ثلاثة أيام! كنت أقول ربما أسبوع أو أكثر، لكني تذكرت أنه ستكون في حينها قضية أخرى تشغلهم بعد ثلاثة أيام أو أقل»!

أيا سيد السادة، وقائد القادة... السلام عليك. السلام على من لم تأخذه في الله لومة لائم. السلام على من كلماته نور على نور. السلام على من عجز الصبر عن صبره. السلام على من صبر صبر الجبال، وتخطى الصبر ووصل إلى ما بعد بعد الصبر. السلام على أكثر نبي أوذي في سبيل الله فصبر وشكر. السلام على رمز الإرادة الإنسانية. السلام على من صعد الجبال يفكر في حقيقة هذه الدنيا. السلام على من هضم الجوع وارتوى بالعطش وعبد الله حتى أتاه اليقين. السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين. السلام على «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم» (التوبة 128).

أيها الحبيب، يعلم الله أن عبادا له يحبونه، يشتاقون إلى لقياك، اشتياق يعقوب إلى يوسف. «ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار» (آل عمران 193). مولاي مع قسوة حياتكم وصعوبتها، لكن لو خيّر الكثير في أي عصر يودون العيش؟ لاختاروا أن يعيشوا في عصرك، ولتأذن لهم حينها أن يطرقوا بابك، ويسألوك هل نتبعك على أن تعلمنا مما علمت رشدا؟ ويستبقوا الرد على جوابك إن أذنت لهم، ليقولوا ستجدنا إن شاء الله من الصابرين. وهم وإن قل الناصر، وتحالف الأعداء، على العهد ماضون، وعلى دربكم سائرون، حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده.

من هنا وبيننا وبينك أكثر من 14 قرنا، من هنا وحتى نلتقي، ومن هنا حتى ترانا ونراك... السلام والصلاة عليك. ولنتذكر أمر الجليل، فهو قد أمر المؤمنين بأمر، قد بدأ به بنفسه، وثناه بملائكة قدسه، وثلثه بالمؤمنين من عباده، فقال في محكم كتابه وجليل خطابه «إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما» (الأحزاب 56).

اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه، وما قصرنا عنه فبلغناه. اللهم بحق هذا الرسول العظيم أرنا الحق حقا وأرزقنا اتباعه. وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا اجتنابه. اللهم أرجع العزة إلى هذه الأمة المستضعفة. اللهم وحد كلمة المسلمين ولا تزد في تشتتهم. اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله، وغيبة ولينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وشدة الفتن بنا، وتظاهر الزمان علينا، فصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك أشرف المرسلين، حبيب قلوبنا محمد النبي وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الغر المنتجبين، ومن اهتدى بهديه وسار على نهجه، صلاة كثيرة دائمة طيبة، لا يحيط بها إلا أنت، ولا يسعها إلا علمك، ولا يحصيها أحد غيرك. وأعنا على ذلك كله بفتح منك تعجله، وضر تكشفه ونصر تعزه، وسلطان حق تظهره، ورحمة منك تجللناها، وعافية منك تلبسناها. اللهم كما آمنا به ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مُدخله، اللهم ارزقنا شفاعته، وأوردنا حوضه، ولا تحرمنا زيارة مسجده، وأسقنا من يدهِ الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

حامد الحوري

العدد 1654 - السبت 17 مارس 2007م الموافق 27 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً