كانت رائدة تلك التجربة للغاية، وذات قيم دينية ووطنية واجتماعية وإنسانية عالية، إذ عقد اجتماع في منزل كريم مترامي الأطراف، تحيط به حديقة غناء جميلة بديعة، وكان من حسن حظي أن أكون من بين المدعوين الذين كانوا يمثلون كل شرائح المجتمع البحريني، ومما زاد فرحتي وسروري – وهكذا كان الجميع – أن الإطارات لم تعد تحترق على الطرقات، لا في شارع البديع ولا في غيره، ولم يعد هناك مجال لإعادة تجارب سوداء ماضية... بل انتهت فترة المتنفذين من علية القوم الذين يتجاوزون القوانين تارة، ويتلاعبون بحاضر ومستقبل البلد تارة أخرى لمصالح شخصية، ولم يعد هناك لا تقرير سري ولا جهري... والكل في خير حال.

كانت تجربة في غاية الأهمية، وهي علامة بارزة في تاريخ البحرين الغالية، فالكل هناك وجد نفسه معترفا بالأخطاء، ومتحدثا بكل صراحة وشفافية عما ارتكب من أخطاء وما اقترفت يداه من آثام ضد البلد وأهل البلد، وكانت بداية الاجتماع مبشرة أيضا، إذ ارتفعت الأصوات في صوت واحد، وهو الاتفاق على أن من هم هنا تحت سقف ذاك المنزل الرائع، بحرينيون، أيا كان انتماؤهم المذهبي، فقد كان الحضور – بطبيعة الحال – يتنوعون في انتماءاتهم المذهبية بين سنة وشيعة ومسيحيين وممثلين عن طوائف وتيارات مختلفة، وكان لهذه البداية الأثر الطيب في نفوس الجميع، فتجاوز الجميع عقدة الطائفة، وعقدة الولاء وأصحابه والخيانة وطائفتها، ما نأى بالنقاش عما درج عليه في العادة، إذ غالبا ما كان يطول وينحرف ويتحول غلى اتهامات وسباب وشتائم، أو ينعقد ويختتم بلا أدنى فائدة، أو تذهب توصياته أدراج الرياح.

لا أبدا، كان الجميع يعلمون جيدا أن استمرار الاحتقان وتواصل العداء والكراهية والتباعد بين الراعي والرعية، وزرع الأحقاد والفتن والنظر بدم بارد إلى تراثنا البحريني يذهب هباء... كانوا يعلمون أن ذلك من سمات سوء العاقبة... في نهاية الاجتماع، لم يكن العناق وكلمات الشرف مزيفة، كانت حقيقية في ذلك المنزل البحريني الكريم، وخرج الجميع في أحسن حال يكتبون – بكل مسئولية – ميثاق الشرف البحريني الأقدس.

أما أنا، فقد صحوت من نومي بعد هذ الحلم الجميل، وكررت مرارا: اللهم اجعله خيرا.