التأسيس هنا في البحرين، الصراع هنا أيضا. إلا أن مساحات الصراع تمتد نحو «لندن» و «واشنطن» في تسارع محموم ترسانته «السياسة» لكن مسرحه الافتراضي لا يغادر كلمتين مركزيتين «حقوق الإنسان». مسيسون جدا. وللكايزمات «نصيب»، وهم لا ينكرون ذلك. مخترقون جدا، و «نص» الرسالة الذي تقرأونه في الأعلى «دلالة». حقوقي يتآمر باسم حقوق الإنسان، ويحفر للجمعيات السياسية والحقوقية فخا بمواد «الصنعة» ذاتها، يقولون: «عدو المرء من يعمل عمله». يبدو المشهد أبعد من ذلك. أصدقائي، يبدو البيت الحقوقي في البحرين في «أزمة»، وعلى أهل البيت أن يقروا بذلك.
رجب: من الظلم أن تضعونا قبالة المشبوهين... والمسقطي: الخواجة أخطأ ولسنا أبناءه
عبدالنبي العكري: اتركوا «التفاح الخرب» ولنعترف بأخطائنا
أن تكون الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان «مُسيرة» لصالح السلطة هذا إطلاق لا يرتضيه الناشط الحقوقي عبدالنبي العكري. يقول: «الأداء تراجع عن البدايات». «كان النشاط خلال العام 2001 و2002 أكثر اندفاعا وحماسا، ولم تكن هناك انقسامات». يستدرك قائلا: «الانقسامات عصفت بالجمعية. البعض لم يكن يرتضي البقاء في المنتصف بين الجمعية والمركز، والانقسام أثر على العمل الحقوقي كاملا».
يعتقد العكري أن لا «توجه حكومي لدى الجمعية»، ويؤكد أن الجمعية أصدرت الكثير من التقارير التي كانت تخالف وجهة النظر الحكومية. وهو ما أدى - بحسب تعبيره - إلى منعها من زيارة سجن النساء في المرة الثانية. كل ما في الأمر هو أن «الجمعية ليست صدامية» أولا، وأنها «تعمل وفق معايير حقوقية معينة». ولذلك هي «تقوم بالتعاطي المباشر مع الحكومة» ثانيا.
اليوم، تنحصر الجمعيات الحقوقية بحسب المراقبين إلى ثلاث مجموعات. مجموعة ذات مسميات تاريخية تقتصر على إصدار التقارير والدراسات الدورية. فئة أخرى يتهمها البعض بأنها مجرد نسخ مشوهة للعمل الحقوقي، أشرفت بعض الجهات الرسمية على صناعتها لتزاحم الجمعيات الأخرى في صناعة خلاصة الصورة لوضع الإنسان البحريني داخليا وخارجيا. أما الفئة الثالثة فيتهمها البعض بالتورط كما الثانية، لكنها متورطة مع المعارضة، وهذا ما يجعل آليات عملها تقترب للسياسي عنه للحقوقي. يقبل البعض هذا التصنيف ويتحفظ آخرون. لكنهم جميعا بتفقون على علات عدة تعصف بالعمل الحقوقي في البحرين، سلطة الكاريزمات أولا، واختلاف المنهجيات ثانيا، ودخول المتطفلين المدسوسين من قبل بعض الجهات الرسمية ثالثا.
«العلة الكبيرة» بحسب تعبير العكري هي «الوجوه القديمة». مضافا إليها «هناك عزوف عن دخول أسماء جديدة». قد يكون سببه «استنكاف عن تحمل المسئولية أو التهيب أو الخوف من تراكم العمل» وهذا ما جعل من الجمعية تقبع أمام مشكلة وهي «أنه لا توجد قاعدة».
البعض أخيرا شكك في الجمعية باتصالها بجمعية الشفافية، وذلك على خلفية التقرير المثير للجدل بشأن الرقابة على الانتخابات. يقول العكري: «أنا عضو في الجمعيتين، الدولة رخّصت للجمعيات أن تراقب الانتخابات. ولم يكن متوقعا أن تدخل معنا جمعية مراقبة حقوق الإنسان». العكري تحفظ على مشاركة جمعية مراقبة حقوق الإنسان، وأضاف «جمعية الشفافية كانت تمتلك الميزانية ولديها البرنامج الجاهز والخبرة اللازمة. ولذلك تشاركنا معها في الرقابة على الانتخابات. نعم الدور الأكبر كان للشفافية ولكن المسئولية الأدبية كانت للطرفين. والانتقادات التي أتتنا كانت من خارج اللجنة التي وضعت التقرير الختامي. والانتقادات أتت لأن التقرير كان تقنيا ولم يحط بجوانب أخرى».
ما بين «الحقوقي» و«السياسي» ثمة «مقتل»
ما بين «الحقوقي» و»السياسي» مقتل، الثاني سببه الأول المركزية. يقول العكري: «الحقوقيون ينتمون إلى الجمعيات المعارضة في الأغلب. هناك اتجاه في المعارضة، وأنا لا أعني بذلك أن الجمعية «حكومة» والمركز «معارضة» (...) أعتقد أن الذي حدث هو اختلاف في الأساليب. المركز لا يخفي أنه يعتمد في العمل الحقوقي على تمكين ضحايا التعذيب والسجون وتعبئتهم، وبما يشمل العمل الميداني. بينما تتجه الجمعية إلى الرصد وتوكيل المحامين والعمل مع الأمم المتحدة. كما أن الخلافات الشخصية موجودة، ولا ننكرها».
عن نفسه يقول العكري إنه حاول تصحيح الأوضاع. عارض العكري إسقاط عضوية أعضاء المركز في الجمعية لكنه يعتقد أن سمعة الجمعيات الحقوقية كلها تضررت. يقول العكري: «التفاحة الخربة تخرب باقي التفاح». ويضيف «الذين انحازوا للسلطة لارتباطاتهم ومصالحهم الخاصة دعوهم، أما المستقلون فعليهم الاعتراف بأخطائهم ومراجعة مسيرتهم والاتفاق على الأخطاء والاعتراف بها. وأن يقبل الجميع بفتح المجال للدماء الجديدة». لكنه يستدرك بحدة ويقول: «يجب أن يكون هناك عرف حول أن لا يجمع السياسي بين موقعه القيادي في الجمعية السياسية والجمعيات الحقوقية معا».
يلخص العكري كلماته «منذ العام 2004 هناك أزمة في العمل الحقوقي. كان هناك اندفاع والآن هناك تراجع كبير. الدولة لا تساعدنا، الدولة تطلب تقريرا عن السجون وحين ننتج الرد تتجه إلى رفض التقرير ومعاقبتنا. فإما أن تكون مع الدولة أو أن تعاقب».
مركز البحرين... المدرسة الثانية
«أولا» يقولها نبيل رجب معترضا على أن أحدد «أنا» أو أي أحد آخر أن نشأة مركز البحرين لحقوق الإنسان جاءت نتيجة انشقاقات ما في الجمعية. يقول: «لابد أن نحدد أن خروج المركز لم يكن انشقاقا عن الجمعية، كان هناك اتفاق على ذلك منذ محادثات لندن». خطط للمركز إذن في لندن 1998. أما انسحاب نبيل رجب من الجمعية فقد كان بسبب خلافات ولا علاقة للمركز بها. يقول: «اختلفت مع الجمعية في طريقة العمل. كنت من المؤسسين لهذه الجمعية ولكنني اختلفت معهم».
وجد نبيل رجب نفسه وحيدا. ولم تكن لديه وجهة سياسية. كان يرى «الغالبية في الجمعية ذات لون سياسي واضح». يقول رجب: «حين بدأت مرحلة قبول العضويات خرجت رائحة التبعية السياسية. وخصوصا مع سياسات القبول»، يستدرك إسهابه في الحديث عن الجمعية ليتوقف فجأة بدعوى أن «أي انتقاد للجمعية قد يعقّد المسألة أكثر».
هنا، كان لابد لي أن أسترجع سخونة المحادثة، قلت له: «عديدون يتهمونكم بعدم الحرفية، مركز للمظاهرات والاعتصامات!». ردّه كان حادّا - كما خططت له - قال: «على من يصدر هذه الاتهامات لنا الرجوع إلى التقارير الدولية والمراكز البحثية التي تعتبرنا اليوم المصدر الرئيسي للمعلومات. آخرها كان تقرير الأمم المتحدة بخصوص التمييز والذي صدر قبل شهر تقريبا».
يقبل نبيل رجب التصنيف الثلاثي للجمعيات الحقوقية لكنه يعتقد أنه من الظلم أن يصنف قبالة بعض الجمعيات التي وصفها بـ «المشبوهة». ويحدد نبيل رجب علاقاته بالمؤسسات ولكأنما يحاول إطفاء الشرعية على بعضها والتنكيل بأخرى، يقول: «نحن نحترم الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان. وكذلك، جمعية شباب حقوق الإنسان لكن لا علاقة لي بها». ولا يذكر شيئا عن باقي الجمعيات.
سألت رجب عن حقيقة أنهم متورطون في «السياسي» على حساب «الحقوقي»، وببساطة. أنهم مجموعة معارضة سياسية لا مجموعة حقوقية. يقول رجب: «المعارضة لا تدير البلاد ولا تسن القوانين لذلك لا نهاجمها». قلت: «المعارضة اليوم جزء من السلطة. «الوفاق» اليوم هي المؤسسة التشريعية هي السلطة». ردّ عليّ قائلا: «من المبكر أن نهاجم الوفاق». قلت له: «حسنا، لكن هذا الكلام كلام «سياسي» وليس «حقوقيا»، إذا الاتهامات صحيحة، أنتم لم تنتقدوا «الوفاق» حين وقعت على لجنة التحقيق في ربيع الثقافة ولو كانت «الوفاق» لم تصوت مع لجنة التحقيق لهاجمتم النواب». قال لي: «أنا أعتقد أن مسألة ربيع الثقافة تمت المبالغة فيها، الفعل لم يتماشَ مع ردة الفعل (...) وفي المركز نحن من نضع أجندتنا، وليس الآخرون».
الطريق إلى واشنطن... «وعر»
اليوم أيضا، تظهر الجمعيات الحقوقية مخترقة من الداخل. الشارع بات لا يثق بها. بعضها ثبت تورطه مع السلطة. وفي انتظار أن تنفك مفاهيم عمل الأخرى من «الحقوقية» فيكونوا مشتغلين بالسياسة وحسب سيكون لنا أن ننتهي من أسطورة المؤسسات الحقوقية في البحرين. هذا ما يشغل الشارع السياسي والمتابعين. وهو كذلك ما سألت نبيل رجب عنه.
يقول نبيل رجب: «ليس هناك فقدان للثقة. نعم هناك اختراقات. السلطة هي التي حاولت أن تخلق جمعيات حقوقية جديدة نحو السيطرة على المؤسسات الحقوقية. لكن هذا لا ينفي وجود مؤسسات حقيقية». كل ما في الأمر بين الجمعية والمركز - بحسب نبيل - هو أن هناك «مدرستين مختلفتين، مدرسة تقليدية قديمة ومدرسة حديثة. ومبادرات التقريب بين المدرستين فشلت». وأما خطوات إعادة التصالح فيدعو رجب إلى أن «نتركها للجيل القادم».
أما عن الجمعيات التي زرعتها الحكومة والتي تحاول التشويش على عمل الجمعيات الحقوقية المدنية في البحرين يقول رجب: «القائم على هذه المؤسسات تم طرده من الأمم المتحدة (...) وهم لم يستطيعوا التشويش علينا». أما «خطوة فتح المكاتب الخارجية في لندن فلقد أتت ضمن مخطط مدروس. أنا أعتقد أن توضيح المسألة الحقوقية في البحرين للخارج أمر مهم جدا وخصوصا في إطار السعي الى تحقيق بعض الإصلاحات. أما فيما يختص بالملف المالي فنحن لا نعتمد على التمويل الخارجي. أنا أتحدى أن يثبت أحد أننا تلقينا أي مساعدات. لقد عُرضت علينا مساعدات مالية، ولكننا رفضنا».
الجمود والكاريزمات التاريخية في البحرين والوطن العربي هي الأسباب التي دعت رجب والخواجة إلى الاتجاه غربا. يقول رجب: «المؤسسات في الغرب أكثر نشاطا. نحن في مركز البحرين مختلفون، لدينا في المركز وجوه جديدة. اللجان الشعبية نحن من ساهمنا في إنشائها بشكل مباشر أو غير مباشر. مجالس إداراتنا مختلفة، كان يرأسها عبدالعزيز أبل ثم نبيل رجب ثم عبدالهادي الخواجة. الآخرون لا أعتني بهم. ولا أحب التعليق عليهم».
وعلى شاكلة الخطابات الرسولية، قلت له أما آن لكم في البيت الحقوقي من إعادة تنظيم؟ قال: «لدينا قابلية للمشاركة في إعادة البيت الحقوقي. يؤسفنا الوضع الحالي. وحتى نصل الى ذلك علينا ألا نعيق عمل بعضنا بعضا».
لسنا أبناء الخواجة...
لن تجد تهمة استفزازية لرئيس جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان - تحت التأسيس - محمد المسقطي أفضل من أن تنعته ومركزه بأنهم أبناء الخواجة. يرى بعض المراقبين صحة هذا الاتهام مبدئيا، لكن هذا لا يتفق مع ما يعتقده المسقطي. يقول: «خرجنا من المركز وتعلمنا منهم. وكان معظم الناس يعرفون أننا أبناء المركز ومن الطبيعي أن يقال إننا تابعون له. نحن نختلف مع المركز في بعض القضايا، وعلى سبيل المثال، نحن لم نضع عبدالهادي الخواجة مستشارا. لكننا وضعنا عبدالنبي العكري».
لكنكم لا تنتقدون «الوفاق»؟، سألته. قال لي: «نحن ننتقد الوفاق. وهذا الكلام غير صحيح. واقع الحال أن السلطة هي المتحكمة. وليست مؤسسات المجتمع المدني».
لا أدري لماذا تذكرت كلام نبيل رجب أعلاه. هل التاريخ يعيد نفسه؟!
ويسترسل المسقطي قائلا: «وجهنا انتقادات كثيرة للوفاق، خاصة في موضوع الأحوال الشخصية».
حين سألته عما إذا كان دور جمعية البحرين لحقوق الإنسان قد انتهى. تحفظ المسقطي عن إطلاق مثل هذا، واكتفى بتوصيف واقعها اليوم بـ «المزري». إذ «مازالت العقلية القديمة تدير الجمعية. هناك أساليب جديدة في العمل الحقوقي. ولكن الجمعية مازالت عند إطاراتها السابقة. الدور والآليات السابقة مازالت قائمة حتى اليوم».
في المال، ينفي المسقطي أن تكون جمعيته قد تلقت أية معونات مالية من الخارج، لكنه يؤكد أن مشكلتهم الوحيدة هي الإمكانات. أما عن المشاغبات التي عرفت الجمعية بها، أخبرته أن جمعيته لا تزيد عن جمعية اعتصامات ومظاهرات. يقول: «الاعتصامات لم نقم بها إلا نادرا. شاركنا مع الدولة في فعاليات عدة وتم انتقادنا على ذلك».
أهم ما دار في الحوار مع المسقطي هو رأيه في الاتجاه غربا. يؤكد المسقطي نجاعة خيار الاتجاه غربا، ويقول: «أعتقد أن ذهاب مركز البحرين لحقوق الإنسان لواشنطن كان بغية إرسال رسالة، ومن المحزن أن ننسى جميع ما قام به المركز لنتجه نحو زيارة انتربرايز المثيرة للجدل». قلت: هل تؤيد الزيارة أم لا؟ قال: «ما فعله المركز كان خطأ».
تعرض المسقطي ورفاقه في الجمعية منذ بدء تأسيسها للمضايقات من قبل الحقوقيين. يقول: «حاربنا بعض الناشطين الحقوقيين. النخب خافت على مراكزها، خافت أن تسقط». لكنهم استطاعوا الصمود والبقاء وإثبات أنفسهم، ويعلق على «الهجومات» التي تعرضوا لها بأنها إفراز بسيط لـ «صراع كاريزمات» ليس أكثر.
اليوم أخيرا، يحتاج البيت الحقوقي إلى ما هو أكثر من الترميم. يحتاج نوعا من «الخراب الجميل». والذي من المفترض أن يجيب على الأسئلة المعلقة. بشأن ما إذا كانت المؤسسات الحقوقية البحرينية مازالت مقنعة. أو مازالت قادرة على أن تكون الصورة الحقيقية لخط الدفاع الأول عن حقوق الإنسان البحريني. وتدور هذه اللقاءات في فضاءات السؤال، أما الإجابة فهي ما كان مستترا في النص الافتتاحي للملف، وفي ما كان يختبئ خلسة ما بين السطور.
العدد 1693 - الأربعاء 25 أبريل 2007م الموافق 07 ربيع الثاني 1428هـ