اتفق علماء الدين الذين حضروا ندوة قانون أحكام الأسرة التي نظمتها جمعية سيدات الأعمال مساء أمس الأول على ضرورة تشكيل لجنة محددة من شخصيات فقهية معروفة وموثوق بها للعمل على إصدار قانونين لأحكام الأسرة للمذهبين، في الوقت الذي تبين فيه وجود شبه توافق في رؤيتهم بشأن وجود ضمانات معتمدة لعدم تغيير هذا القانون عبر المؤسسة التشريعية بعد إقراره.
وكانت جمعية سيدات الأعمال نظمت مساء أمس الأول ندوة عامة بشأن قانون أحكام الأسرة جمعت فيها عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الشيخ عبداللطيف المحمود، وعالم الدين السيد كامل الهاشمي، وأستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة البحرين الشيخ ناجي العربي.
وضمن أوراق العمل التي قدمها المشاركون دعا المحمود إلى ضرورة تشكيل لجنتين شرعيتين مستقلتين تشكلان بأمر ملكي لوضع قانونين لأحكام الأسرة، في الوقت الذي أكد الهاشمي على ضرورة وجود توافق مجتمعي بين جميع الأطراف قبل تطبيق هذا القانون، علاوة على تأكيده ضرورة وجود ضمانات ليبقى القانون بعيدا عن أي تدخل تفرضه جهات «غير مخولة إصدار الأحكام الشرعية».
أما العربي فشن هجوما على الجهاز القضائي والتعيينات القضائية في البحرين. وفي الوقت الذي وصف فيه العربي اللجان التي أعدت مسودات القانون السابقة «بالغموض»، طالب بضرورة إيجاد ضمانات حقيقية لعدم تغيير هذا القانون عبر القنوات التشريعية في المستقبل.
عجاج: سنبدأ تدريب 18 من الموثقين والوسطاء قريبا
بدأت الندوة بكلمة ألقتها عضو جمعية سيدات الأعمال البحرينية أفنان الزياني أكدت فيها ضرورة تفعيل صندوق النفقة واستحداث الجهاز اللازم بالتعاون مع الجهات الأمنية في وزارة الداخلية لسرعة تطبيق الأحكام الصادرة.
ودعت الجميع إلى فتح حوار وطني وموضوعي بشأن قانون أحكام الأسرة للوصول إلى صيغة توافقية.
من جانبه، قال القائم بأعمال وكيل وزارة العدل والشئون الإسلامية القاضي خالد عجاج - الذي عين وكيلا مساعدا لشئون المحاكم أخيرا - إن الوزارة شكلت قبل نحو عام لجنة كان القصد منها وضع استراتيجية للوزارة تم الانتهاء منها منذ نحو شهرين.
وأوضح أن الخطوط الرئيسية لهذه الاستراتيجية تتمثل في السعي إلى إجراء قانون للمرافعات وآخر ينظم الأحكام الأسرية بشكل يتطابق مع الشريعة الإسلامية ويراعي الخصوصية المذهبية. وأشار إلى أن وزارته سعت إلى البدء في تفعيل قانون صندوق النفقة وتنتظر حاليا صدور قانون للبدء في العمل به، منوها إلى تفاصيل نظام إدارة الدعوى ضمن الاستراتيجية الجديدة والذي يهدف في الأساس إلى إدارة الوقت واختصاره على المتخاصمين.
وذكر عجاج أن وزارته ستبدأ في إجراء تدريب متخصص لمدة أسبوعين لنحو 18 من السيدات والرجال على مسألة التوثيق والوساطة.
على الصعيد ذاته، أشارت رئيسة الاتحاد النسائي مريم الرويعي في كلمتها التي ألقتها في الندوة إلى الجهود التي بذلتها الجمعيات النسائية ومؤسسات المجتمع المدني في ملف قانون أحكام الأسرة والتي بدأت في العام 1982 عند تشكيل لجنة الأحوال الشخصية.
وأوضحت أن اللجنة استطاعت أن تقنع المسئولين بأهمية هذا الموضوع الذي ترجم إلى اللجنة التي شكلت لوضع مسودة قانون أحكام الأسرة بأمر ملكي، مؤكدة أن الاتحاد النسائي وبعد إشهاره وضع هذا الملف على سلم أولوياته وسيتولى متابعة الجهود والمسيرة في هذا الموضوع، معيدة التذكير بدعوة الاتحاد النسائي إلى الدفع باتجاه وجود قانون موحد لأحكام الأسرة ينطلق من مرتكزات الشريعة الإسلامية ويراعي الخصوصية المذهبية.
المحمود يدعو إلى لجنتين لإعداد القانون «بأمر ملكي»
في ورقته التي قدمها في الندوة أكد عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الشيخ عبداللطيف المحمود وجود قانون «غير مكتوب» لأحكام الأسرة في البحرين عبر فتاوى المذهبين، أهل السنة والشيعة الجعفرية. غير أنه عاد ليؤكد وجود حاجة إلى قانون مكتوب لأحكام الأسرة في البحرين للقضاء في المحاكم السنية والمحاكم الجعفرية على حد سواء. مبررا هذه الحاجة بمهمة أي قانون في تنظيم المعاملات بين الأطراف التي تحتاج إليه، وأن يكون مرجعا للقاضي للفصل بين المتنازعين عند وقوع الخصومات.
وأضاف «لو لم يوجد قانون موحد تحكم به المحاكم في جميع درجات التقاضي وجعل لكل قاض حق الحكم فيما يعرض عليه تبعا لقناعته الشخصية... فإن ذلك ينتج عدم استقرار الأحكام باختلاف رؤية القضاة في الدرجة الواحدة عند تغيير القاضي وفي الدرجة الأعلى منها أيضا».
وفي طرح جديد اعتبر المحمود الطائفية دافعا لإيجاد قانونين منفصلين لأحكام الأسرة لمراعاة الخصوصية المذهبية، بقوله: إن «الظرف الحالي من تأجيج الطائفية في المنطقة يستدعي عدم الإصغاء إلى أية دعوة لصدور قانون موحد لأحكام الأسرة، حتى لا يتخذ ذريعة لإشعال نار الطائفية البغيضة».
وفي النهاية، دعا المحمود إلى تهيئة الأجواء للقبول الشعبي بصدور قانون لأحكام الأسرة عبر صدور أمر ملكي بتشكيل لجنتين شرعيتين مستقلتين، إحداهما لأهل السنة والأخرى للجعفرية الإثني عشرية لوضع قانون لأحكام الأسرة من شخصيات فقهية معروفة وموثوق بها تضم إليها شخصية قانونية مختصة في فقه الأحوال الشخصية وتكون مهمة كل منها مراجعة المسودة التي تم إعدادها والموافقة عليها، ووضع اللائحة التفسيرية لموادها، وتوقيع جميع صفحات القانون ولائحته التفسيرية عند تقديمه إلى مجلسي النواب والشورى، والإجابة عن جميع الاستفسارات التي توجه إلى مواد القانون من قبل الفعاليات المهتمة بالقانون والمجلس الوطني بغرفتيه عند عرض القانون عليهما لمناقشته وإقراره، إلى جانب إدخال التعديلات عليه بناء على المناقشات التي ستتم والملاحظات التي تبدى عليه من قبل المختصين والمجلس الوطني بغرفتيه.
الهاشمي ودعم « متحفظ» لوجهة نظر «العلمائي»
من جانبه تحدث عالم الدين والمفكر الإسلامي السيد كامل الهاشمي عن موضوع قانون أحكام الأسرة بقليل من التحفظ، وبدأ حديثه بالقول إن هذه المشكلة أثيرت مقترنة بالمشروع الإصلاحي في البحرين واعتبرت إحدى نتاجاته، فإن لم يتمكن المجتمع بعد 5 سنوات من هذا المشروع من حلها، فإن الحديث عن حل باقي المشكلات في المشروع نفسه يعتبر «هباء» بحسب قوله.
وعلى رغم أنه أكد ضرورة التقنين؛ ملفتا إلى أن غالبية العلماء لا يعارضون أصل محاولة تقنين أحكام الأسرة، فإنه حاول تبرير موقف بعض العلماء من رفض تقنين المسائل الشرعية من قبل أية جهة رسمية أو وضعية بقوله «إنهم ينطلقون من رغبتهم الصادقة في منع أي تلاعب بأحكام الشرع المقدس، وهو الأمر الذي سيساهم لو حصل في زيادة حدة المشاكل في دائرة الأسر، ناهيك عن كونه تجاوزا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
وفي الوقت الذي أكد فيه الهاشمي ضرورة وجود توافق مجتمعي بين جميع الأطراف على هذا القانون، عاد ليقول «إن القضية هي في محاولة التوصل إلى تكييف شرعي لهذه العملية التقنينية في الوقت الذي تبقى بعيدة عن أي تدخل تفرضه الجهات غير المخولة إصدار وتحديد الأحكام الشرعية، وهو المحذور الأهم تجاوزه في عملية التقنين والتشريع» في إشارة واضحة إلى دعمه موقف المجلس العلمائي الشيعي من ضرورة إيجاد ضمانات للقانون.
العربي يهاجم النظام القضائي ويطالب بالضمانات
أما الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة البحرين الشيخ ناجي العربي فمن جانبه شن هجوما على الجهاز القضائي في البحرين معتبرا إياه أساس المشاكل التي تعاني منها المحاكم الشرعية.
وقال: «نحن نعاني من إشكالية تتمثل في أن كثيرا من التعيينات القضائية لا تتم على أساس الكفاءة، وهو ما يتحمله المجلس الأعلى للقضاء».
ودعم العربي ضرورة إيجاد القانون انطلاقا من الخلل القضائي الذي ذكره، إذ أكد أن وجود هذا «الخلل القضائي» يعد دافعا رئيسيا لإيجاد القانون. غير أنه أعلن معارضته التقنين في حد ذاته سدا للذريعة، إذ أعلن تخوفه من الخطوة التي تلي التقنين. وقال: «لو ضمنت الدولة ألا يغير القانون إلا بآليات لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية فسيزول عندها التحفظ عليه» - في موقف مشابه لما تبناه المجلس العلمائي الشيعي مسبقا-.
وأشار العربي في مداخلته أيضا إلى وجود «غموض» حول اللجنة التي صاغت مسودة قانون أحكام الأسرة، إذ تحفظ بعض المشايخ بحسب قوله على بعض الأسماء التي قيل إنها شاركت في صياغته على اعتبار عدم كفاءتها، كما تبرأ كثير من المشايخ من المشاركة في تلك المسودة، وأخيرا قال: «لو أرادت الدولة للمشروع أن يخرج للنور، فعليها أن تشكل لجنة صريحة من علماء معروفين وموثوق بهم ليقوموا بصوغه ومن ثم يمكن التناقش معهم بشأنه».
العدد 1693 - الأربعاء 25 أبريل 2007م الموافق 07 ربيع الثاني 1428هـ