يصدر المؤتمر القومي العربي الثامن عشر صباح اليوم بيانه الختامي الذي يعتبر حصيلة كاملة للنقاشات ولجان العمل التي استغرقت ثلاثة أيام في محاور عدة، وهو البيان الذي تمت مناقشته في جلسة أخيرة عقدها المؤتمر مساء أمس لمراجعة كل البنود التي ستراجعها لجنة صوغ تم اختيارها لهذا الغرض.
وفي الجلسة الختامية تمت تلاوة أجزاء من مسودة البيان الختامي التي اعتبرت حصيلة لتقارير لجان المؤتمر وتناولت الوضع وعددا من القضايا الخاصة بالدول العربية وعلى رأسها الوضع في فلسطين، أما بخصوص القضية الإيرانية فأكد البيان حق إيران في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية وشجب أي اعتداءات أميركية عليها، لكنه بين اعتراضه على موقف إيران تجاه العراق داعيا إياها لمراجعة هذا الموقف حتى لا تصبح طرفا معاديا للدول العربية.
وفي القضية العراقية أعلن البيان إدانته لجدار العزل، مؤكدا استنكاره لأعمال القتل وتضامنه مع المعتقلين، وأدان المحاكمات السورية داعيا إلى مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق.
وفي الشأن اللبناني أكد البيان حق اللبنانيين في المقاومة ووقف الاعتداءات الإسرائيلية رافضا التدخل الأميركي والفرنسي في الشأن اللبناني مطالبا المؤسسات الدولية باحترام المواثيق الدولية ودعا اللبنانيين الى استئناف الحوار وصولا إلى تسوية عاجلة والكف عن إدخال الأجنبي في مشكلاتهم، مشددا على ضرورة تطبيق بيان الطائف وتجاوز الطائفية السياسية وتطبيق الاحترام المتبادل بين لبنان وسورية.
وعن دول الخليج العربي دعا البيان إلى استغلال الفوائض المالية لصالح الأمة العربية والابتعاد عن تبديد الأموال باتساع الاعتماد على العمالة الأجنبية غير العربية. أما في محور السودان فرفض البيان دخول القوات الأممية إلى الأراضي السودانية داعيا إلى وحدة الصف الوطني والحوار الذي يحقق السلام والاستقرار، فيما حث على وقف الاعتداءات المتكررة من قبل الحكومة الاثيوبية على الصومال.
وبخصوص دول المغرب العربي أكد البيان موقفه الرافض للتقسيم والدعوة لحل النزاعات الداخلية، مدينا كل العمليات التي وصفها «بالإرهابية» في المغرب العربي، مشددا على ضرورة إزالة كل الأسباب التي تشجع على السقوط في الإرهاب.
وحصلت «الوسط» على عدد من التقارير المتعلقة بعمل اللجان المصاحبة للمؤتمر والتي تضمنت ما يأتي:
«لجنة العدالة الاجتماعية»... قانون أسرة عربي موحد
اقترح أعضاء اللجنة أن توضع سياسات قومية استراتيجية للنهوض بالمرأة العربية في جميع المجالات المتعلقة بتمكين المرأة اجتماعيا، ووضع سياسات موحدة بين الدول العربية لبلورة قانون يضمن الحقوق المشروعة للعاملين بما فيها تحقيق التناسب في منظومة الأجور والأسعار واعتبار العمل المنزلي مأجورا والعمل على تطوير وتوحيد قانون الأسرة العربي بما يضمن حقوق المواطنة الكاملة لكل مكونات الأسرة، وضمان الخدمة العمومية في الدول العربية المستهدفة من الخصخصة في إطار المخطط الدولي وبلورة تصور عن التعاون الاقتصادي العربي كأداة لتقوية وتكامل الاقتصادي لتنمية المجتمع، والعمل على تقوية آلية التضامن الاجتماعي، وتحديد سياسة ضريبية عادلة تنصف فئات محدودي ومتوسطي الدخل وتفعيل آليات التعاون النقابي العربي لتحقيق التنسيق والتعاون بين الأقطار العربية.
«لجنة الوحدة»... تصويب مصطلح «الشرق الأوسط»
بين تقرير اللجنة أن المعوقات الرئيسية للوحدة العربية تتمثل في القوى الخارجية والإقليمية، علاوة على الدولة القطرية العربية التي لم تنشأ بإرادة شعبية بل نتيجة توافقات استعمارية، ما أفقدها الشرعية القومية، كما وضعت اللجنة ما أفرزه التعايش مع التجزئة من قوى مجتمعية ذات مصالح تتعارض مع الوحدة ضمن قائمة المعوقات.
وحددت اللجنة السبل لمواجهة معوقات العمل الوحدوي في تصويب المناهج والكتب الدراسية وبالذات مناهج اللغة العربية والتاريخ والعلوم الاجتماعية وتنقيتها مما لحق بها من تشويه في مرحلة «الانفتاح»، والتوجه إلى الأجيال الشابة لتنمية وعيها القومي، واستخلاص العبر من تجارب الدول العربية، ودراسة التجارب الوحدوية والاتحادية للشعوب الأخرى والحوار مع مختلف القوى المجتمعية في الوطن العربي والمتحفظة على هدف الوحدة، علاوة على تعميق الحوار حول طبيعة دولة الوحدة ونظامها الديمقراطي، والاستفادة من تقنيات المعرفة الحديثة في نشر الوعي الوحدوي وثقافة الوحدة.
ولتحقيق كل هذه الأهداف أوصت اللجنة بتصويب المصطلحات ذات الصلة بالمفاهيم القومية مثل مصطلح «الشرق الأوسط»، والتأكيد على سلامة العضوية ومتابعة تنفيذ النقاط التي ناقشتها اللجنة.
«لجنة الديمقراطية»... وضع مشروع دستور عربي نموذجي
أوصت لجنة الديمقراطية بضرورة الفصل الكامل بين الديمقراطية والشورى، وفك الارتباط بين الشرعية الدينية ومتطلبات واقع الأمة السياسي والاجتماعي والاقتصادي، كما دعت إلى الربط بين الديمقراطية وحقوق الإنسان ومطالبة الحكومات العربية بالانضمام إلى الاتفاقات الدولية المعنية بالديمقراطية وحقوق الإنسان وضرورة النظم العربية التي لم تسمح بمشاركة أعضاء المؤتمر بالحضور، والدعوة لإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي في البلدان العربية.
وأكدت اللجنة ان الديمقراطية وإن كانت نظاما اجتماعيا يدير الشأن العام الا أن هدفها هو الإنسان ومن ثم يجب أن تقوم الديمقراطية على التنمية البشرية، مشددة على ضرورة التمييز بين مفهومين أساسيين للديمقراطية: الديمقراطية كمنهج وآليات تستخدمها دول العالم مثل الانتخابات ينبغي في إطارها التواصل مع المجتمع الدولي بعد أن اكتسبت هذه الآليات صبغة كونية، والشيء الثاني هو الديمقراطية كمنظومة قيمية وإطار حضاري متكامل، وهنا ينبغي إعطاء الأولوية للثقافة والتربية والتكوين لأن الإنسان هو المطلوب منه إنجاز الديمقراطية، إلى جانب إعطاء اهتمام كاف لممارسة الديمقراطية القاعدية، فإذا لم تمارس الديمقراطية في بيوتنا فبدلا من القمع داخل الأسرة فكيف نعطي الديمقراطية في الدولة والمجتمع. ودعت اللجنة إلى وضع مشروع دستور عربي أنموذجي كما يراه المؤتمر القومي ومعه مذكرة توضيحية لكل نص من نصوصه ونشر المشروع في المجلات القانونية العربية وسائل الإعلام، وذلك بهدف قيام أساتذة القانون بالجامعات بالمقارنة مع الدساتير القائمة، ليبقى تطلع المؤتمر القومي في أذهان الأجيال الجديدة من الحقوقيين. وأكد هؤلاء المشاركون أنه يمكن تكرار هذه التجربة مع نصوص أخرى مثل مشروع قانون عربي نموذجي للسلطة القضائية، ومشروعات قوانين نموذجية للحريات: قانون حرية الصحافة والصحافيين، قانون الاجتماعات العامة، قانون الأحزاب السياسية، قانون الانتخابات العامة، وغيرها. كما دعت اللجنة إلى اتباع أسلوب الحملات التي تتبعها منظمات حقوق الإنسان للإفراج عن معتقلي الرأي وعقد سلسلة من الندوات على الساحات المختلفة تتمتع بالأسلوب نفسه بالنسبة إلى موضوعات مختلفة مثل مكافحة الفساد، إلى جانب الربط بين الديمقراطية ومبادئ الحكم الرشيد.
«لجنة التجدد الحضاري»... اقتراح بإنشاء جامعة شعبية عربية
ناقشت لجنة التجدد الحضاري عددا من التحديات التي تواجه هذه الفكرة والتي تتمثل بحسب تقريرها في تحديات خارجية وداخلية وفي هذا الصدد أوصت اللجنة بالتأكيد على ضرورة الحفاظ على الهوية الحضارية والقومية المميزة للأمة العربية، والاهتمام باللغة العربية باعتبارها وطنا للجميع، والتركيز على العملية التربوية والتعليمية، إلى جانب إحياء التراث القديم والتحرر من التراث الغربي الوافد والتنظير المباشر للواقع لتجاوز ثقافة النص وعقلية التأويل. وأوصت اللجنة لتحقيق منطلقاتها بضرورة معرفة الحضارة العربية كما هي وما سبقها من حضارات، والتعرف على خصوصية النهج العربي والتركيز على عدم إمكان فصل الإسلام عن العروبة، علاوة على دعوة المفكرين البارزين إلى المؤتمر، واقتراح إنشاء جامعة شعبية عربية إلى جانب جامعة الدول العربية وتكوين كتلة شعبية لمواجهة المشاريع الاستعمارية.
«لجنة التنمية المستقلة»... ضرورة الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى المنتج
أكدت اللجنة في مناقشاتها ان ما يقصد بالتنمية المستقلة هو استقلالية القرار الاقتصادي بالتركيز على الاحتياجات الأساسية للمواطنين والحؤول دون استباحة الاقتصاد الوطني بالخضوع لإملاءات القوى الاقتصادية الخارجية، كما أكدت اللجنة أن تحقيق التنمية المستقلة على الصعيدين القطري والقومي يستدعي توفير عدد من المتطلبات منها وجود دور قوي وفاعل للدولة في الشأن الاقتصادي يمكنها من اتخاذ القرارات الاقتصادية البنيوية والاستراتيجية بمجالات الاستثمار العام وتخصيص الموارد وإعادة هيكلة الاقتصاد، وتنمية الرأس مال البشري والمعرفي وترقية منظومة العلم والتقانة، والتفاعل مع الاقتصاد العالمي على نحو يمكن من الاستفادة من العروض التي توفرها العولمة وتجنب سلبياتها انطلاقا من المصالح الوطنية والقومية.
وبينت اللجنة ان عملية الخصخصة بالطريقة التي تمت لا تؤدي إلى إضعاف دور الدولة على التأثير في القرارات الاقتصادية فحسب، بل تفضي إلى ضياع موارد مالية ضخمة على الاقتصاد الوطني جراء الفساد الذي ينطوي عليها أيضا، ما لم تتوافر ضوابط تشريعية ومؤسساتية تحول دون ذلك، إضافة إلى أن تحسين أداء مؤسسات القطاع العام الاقتصادية يستدعي أن تتمتع باستقلال مالي وإداري يمكنها من اتباع نهج مؤسسات القطاع الخاص في إدارة شئونها.
وأوضحت اللجنة كذلك ان تحقيق التنمية المستقلة يستدعي توفير بيئة سياسية منفتحة وعدالة اجتماعية قادرة على تعبئة المواطنين للمساهمة في عملية التنمية على نحو فاعل، موصية بضرورة تبني استراتيجية واضحة للانتقال بالاقتصادات العربية من الطابع الريعي الذي يغلب عليه إلى الطابع المنتج، يتم في إطارها التنسيق بين البرامج التنموية القطرية، وتمكن من إقامة مشروعات كبرى تفوق قدرة الدولة القطرية على تحقيقها وذلك لتعميق الترابطات بين الاقتصادات العربية.
وحثت على تركيز الجهود على مكافحة الفساد الذي حجب عن عملية التنمية موارد مالية ضخمة، ما حال دون تحقيق معدلات نمو مرتفعة مع التأكيد على أنه لا تنمية اقتصادية عربية من دون تكامل اقتصادي عربي، وذلك عن طريق المدخل التنموي للتكامل، لإقامة مشروعات عربية مشتركة، تكفل قيام ترابطات إنتاجية فيما بينها ودعت إلى العمل على إزالة العوامل التي أدت إلى هجرة العقول العربية، وتوفير البيئة المحفزة لها للعودة من أجل الاستفادة من القدرات العملية العالية التي تمتلكها في تنمية البلدان العربية، إلى جانب تسهيل حركة العمالة العربية بين البلدان العربية لما في ذلك من صون لأمن البلدان العربية المستقبلة للعمالة، وفوائد اقتصادية للبلدان العربية جمعاء وتوفير مزايا متنوعة لمؤسسات النقل العربية التي تقوم بنقل الأشخاص والبضائع بين البلدان العربية مباشرة لتشجيعها على زيادة قدراتها وتفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والارتقاء بها إلى مستوى السوق العربية المشتركة وصولا إلى الوحدة الاقتصادية العربية.
العدد 1698 - الإثنين 30 أبريل 2007م الموافق 12 ربيع الثاني 1428هـ