قال رئيس الوزراء صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة إن الاقتصاد البحريني حقق نقلة نوعية في معدلات النمو ما انعكس على ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي، وأشار إلى أن التنمية الاقتصادية في البحرين تقوم على إطلاق روح المبادرة الفردية والتحرر الاقتصادي.
وأضاف سمو الشيخ خليفة أن مجلس التعاون الخليجي هو خيارنا الاستراتيجي ودعامة رئيسية في ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، ونفى وجود أي تراجع في العمل الخليجي, ولكن هناك جهودا دؤوبة بما يخدم المصالح المشتركة وتعزيز قدرة الاقتصاد الخليجي على مواجهة التكتلات الاقتصادية الكبرى. وبين رئيس الوزراء أن العلاقات المصرية - البحرينية تجسد نهاية المطاف لما ينبغي أن تكون عليه علاقات التعاون بين البلدان العربية وأبدى تفاؤله بفتح آفاق جديدة لتنمية هذا التعاون من خلال اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين مصر والبحرين. وقال لسنا مع بقاء الاحتلال في العراق لأن العراقيين هم وحدهم القادرون على بناء مستقبلهم ولكن ينبغي حل المعضلة الأمنية وتحقيق الوفاق والمصالحة والوئام بين مكونات الشعب العراقي كافة، موضحا أن التناحر الطائفي هو من أشد المخاطر على العراق، وحذر من خطورة توظيف المعتقدات لتحقيق مكاسب سياسية خاصة ودعا إلى التصدي لدعاوى الفتنة ومحاصرة الطائفية والمذهبية من دون انتقائية أو استثناء، كما حذر من نشوب أي حرب جديدة في المنطقة على خلفية أزمة الملف النووي الإيراني لأن المنطقة بأثرها ستتأثر بتداعياتها. وبين أن البحرين مع إيجاد حل سلمي لمشكلة الملف النووي الإيراني عبر الطرق الدبلوماسية ووفقا لقرارات الشرعية الدولية من أجل إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل مع الإقرار بحق دول المنطقة في الاستفادة من التقنية النووية للأغراض السلمية.
وقال إن مبادرة السلام العربية هي فرصة تاريخية يجب عدم إضاعتها، والحل يكمن في انصياع «إسرائيل» لمطالب المجتمع الدولي، لأنه من دون تحقيق سلام عادل وشامل سنظل ندور في حلقة مفرغة وتبقى خيارات العنف المتبادل مفتوحة. وفيما يأتي نص الحوار:
* نعلم مدى حرصكم على دعم وتطوير العلاقات بين مصر والبحرين وخصوصا على صعيد التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري... كما نعلم أن هناك ترتيبات للقيام بزيارات متبادلة على مستوى رئاسة الوزراء هذا العام... في ضوء كل ذلك ما هو تقييمكم للعلاقات القائمة بين البلدين؟
- لاشك أن العلاقات البحرينية المصرية هي علاقات تاريخية متأصلة، وهي امتداد لعقود طويلة من التعاون الوثيق بين البلدين، في ظل الكثير من القواسم المشتركة التي تشكل إطارا مهما لتفعيل العلاقات الثنائية على المستويات كافة لتجسد في نهاية المطاف نموذجا لما ينبغي أن يكون عليه التعاون بين البلدان العربية.
وهناك تفاؤل كبير بفتح آفاق جديدة لتنمية هذا التعاون من خلال اجتماعات اللجنة العليا البحرينية المصرية المشتركة والتي نعول عليها في توسيع فرص الاستثمار والتبادل التجاري لما فيه خير ومصلحة شعبي البلدين. كما نود أن نعرب في هذا المقام عن اعتزازنا بما تقوم به الجالية المصرية في مملكة البحرين وإسهاماتها في الكثير من القطاعات التنموية.
ولا يفوتنا هنا أن نشيد بكل التقدير بسيادة الأخ الرئيس محمد حسني مبارك والجهود التي يبذلها في خدمة القضايا العربية ومشاركاته الإيجابية في الدفاع عنها من موقعه كرئيس لجمهورية مصر العربية ذات الإشعاع الحضاري والثقل العربي.
ونحن في الوقت الذي نرحب فيه بالزيارة المرتقبة لرئيس وزراء مصر معالي الدكتور أحمد نظيف إلى بلده الثاني البحرين، فإننا نعتبر أن هذه الزيارة تعد فرصة للتعبير عما تكنه البحرين لمصر وشعبها العظيم من محبة وتقدير.
كما أننا نتطلع إلى القيام بزيارة للشقيقة مصر في إطار توافق متبادل بين القيادتين على توطيد العلاقات الودية والأخوية، وزيادة عرى التواصل والتنسيق بين البلدين الشقيقين.
* أعلن حديثا عن فوزكم بجائزة الشرف للإنجاز المتميز في مجال التنمية الحضرية والإسكان، التي يمنحها برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية تقديرا لجهود وإنجازات قادة وزعماء الدول في هذا المجال... ما هو شعوركم بعد الفوز بهذه الجائزة، التي تحمل في طياتها الكثير من الدلالات على ما حققته البحرين في ظل توليكم رئاسة الحكومة؟
- نحن في البحرين نسعى إلى تحقيق أفضل مستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب تعميق التوجه الذي يخدم أهداف التنمية الشاملة من منطلق أن الارتقاء بمعدلات التنمية البشرية ورفع المستوى المعيشي للمواطنين هو جزء من العمل الذي نقوم به وأداء للواجب الذي يقتضي منا أن نقدمه لشعبنا ووطننا.
ونؤكد أن مسئوليتنا تجاه التنمية ستحظى بكل عناية واهتمام، بل سنحتاج إلى جهد أكبر مما سبق، وذلك من خلال تعزيز وتحسين الخدمات المقدمة إلى المواطنين، مثل التعليم والصحة والإسكان والخدمات الاجتماعية الأخرى.
وإذا كانت الجائزة الدولية التي منحت لنا تمثل حافزا ودعما فهي دليل على أننا نسير على الطريق الصحيح، فالمؤكد أننا لن نكتفي بما تحقق من إنجازات، بل سنضاعف الجهد والعمل من أجل تحقيق طموحنا في رؤية وطن مزدهر يواجه المستقبل بكل ثقة وعزيمة.
وفي الوقت ذاته فإننا نعتبر أن هذه الجائزة هي شهادة تقدير دولية لكل جهد وطني بذله الجميع كل في موقعه من أجل مواصلة مسيرة البناء والتنمية.
* الاقتصاد البحريني يحقق نتائج إيجابية ملموسة كل عام، وهو يعد من أفضل الاقتصاديات الخليجية والعربية من حيث الأداء والنمو، ما هي أبرز مؤشرات هذا النجاح؟
ـ- لعل من أبرز ما يميز التنمية الاقتصادية في البحرين أنها تمضي وفق إستراتيجية واضحة وثابتة تواكب العصر وتراعي خصوصية المجتمع، وهي تقوم على جانبين أساسيين، أولهما: إطلاق روح المبادرة الفردية والتحرر الاقتصادي، سعيا نحو تشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتنويع مصادر الدخل الوطني، وثانيهما: إعطاء التنمية البشرية رعاية خاصة باعتبار أن الإنسان هو محور التنمية وغايتها.
وفي هذا الإطار، حقق الاقتصاد الوطني نقلة نوعية في السنوات الماضية برزت مؤشراتها في زيادة معدل النمو الاقتصادي، علاوة على ارتفاع نصيب الفرد من نمو الناتج المحلي، كما أن الاقتصاد الوطني يسير بخطى ثابتة ومدروسة لترسيخ موقع المملكة المتميز ماليا وتجاريا وسياحيا من خلال بناء شراكات استثمارية في الداخل والخارج.
كما أن القطاع المصرفي والمالي يتميز بالاستقرار والكفاءة ويقوم بدور حيوي في الحفاظ على التوازن المالي والاستقرار الاقتصادي... وإننا نعمل على الدوام على توسيع هذا القطاع للمساعدة في تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق معدلات نمو جيدة وتطور اقتصادي ملموس.
* يوافق هذا العام مرور 26 عاما على تأسيس مجلس التعاون الخليجي... هل أنتم راضون عما حققه المجلس حتى الآن، ولماذا تتراجع الخطوات التوحيدية والمشتركة بين الدول الأعضاء في منظومته، وخصوصا على صعيد ازدواجية المشروعات أو الانسحاب من مشروعات أخرى مشتركة؟
- كما تعلمون فإن دول مجلس التعاون تمثل الامتداد الطبيعي للبحرين... ونحن بدورنا قدمنا ومازلنا نقدم الدعم والمساندة منذ إنشاء المجلس في العام 1981 لتطويره وتفعيل قراراته، فهو خيارنا الاستراتيجي ودعامة رئيسية في ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة.
وقناعتنا أن ما تحقق طوال السنوات الماضية من إنجازات متنوعة ساهم في استقرار ورفاهية شعوب المنطقة، ونحن ندعو إلى مزيد من الخطوات لتنمية وتوسيع آفاق التعاون الخليجي ومتابعة السعي في هذا الاتجاه.
ولا ننكر أن هناك بعض المعوقات التي تحتاج إلى بعض الوقت، وهذا أمر وارد غير أنه لا يمثل قلقا حقيقيا على مسيرتنا التكاملية... ومن ثم لا نرى أي تراجع في عملنا الخليجي المشترك بل هناك جهود دءوبة من أجل توطيد أواصر التعاون بما يخدم مصالحنا المشتركة، وتعزيز قدرة الاقتصاد الخليجي على مواجهة التكتلات الاقتصادية الكبرى.
* كيف تقيمون الأوضاع الحالية في العراق خصوصا وأنكم كنتم من أقوى الأصوات التي نادت بالسعي لحل الأزمة سلميا، وحذرتم من تداعيات تدخل الدول الكبرى في العراق؟... وهل تتوقعون عودة الأمن والاستقرار إلى العراق وأن تبادر القوات الأجنبية بالانسحاب من أراضيه؟
- نحن مدركون بالطبع لخطورة ما يجري في العراق وما آلت إليه الأوضاع في هذا البلد الشقيق من عدم استقرار وتدهور خطير للأوضاع الأمنية، ولم نكن نتمنى يوما أن تصل الأوضاع هناك إلى هذه الدرجة المحزنة من أعمال القتل والتدمير وترويع الأبرياء، ونتطلع إلى اليوم الذي يعود فيه الاستقرار إلى ربوع العراق، وأن يستعيد دوره الفاعل في المنطقة مرة أخرى.
ونؤكد دوما على أهمية احترام وحدة العراق وسيادته وهويته ونحن مستمرون بالتنسيق مع أشقائنا في دول مجلس التعاون وبقية الدول العربية كي يتمكن الشعب العراقي من تحقيق طموحاته في العيش الكريم والحياة الآمنة المستقرة.
وبالقطع فإن فترة بقاء الاحتلال هي فترة مؤقتة... إننا لسنا مع بقاء الاحتلال لأن العراقيين هم وحدهم القادرون على بناء مستقبلهم، لكن ينبغي حل المعضلة الأمنية وتحقيق الوفاق والمصالحة والوئام بين مكونات الشعب العراقي كافة لأن ما يهمنا أولا وأخيرا هو وحدة العراق وتماسكه. ونحن دوما مع الشعب العراقي وما في صالحهم وما يقبلون به ندعمه ونسانده.
* التناحر الطائفي في العراق والقتل على الهوية يثير المخاوف من انتقال تداعيات وآثار هذا التناحر إلى الدول الأخرى في المنطقة، وربما في مناطق أخرى من العالم... كيف تنظرون إلى هذه التداعيات ومدى إمكان انتقالها إلى الدول الأخرى ومن بينها البحرين؟
- إن من أشد المخاطر على العراق وعلى أي مجتمع بصفة عامة هو تكريس الصراع بين أبناء البلد الواحد وزرع الفتنة والفرقة بين الطوائف والمذاهب لذلك فإننا نحذر من خطورة توظيف المعتقدات لتحقيق مكاسب سياسية خاصة، كما ندعو إلى التصدي لدعاوى الفتنة ومحاصرة الطائفية والمذهبية دون انتقائية أو استثناء.
وبالنسبة لنا في البحرين فنحن لسنا قلقين من هذا الأمر لأن مجتمعنا ولله الحمد مجتمع متماسك، ورهاننا الأول والأخير هو على وحدتنا الوطنية وتماسكنا وتكاتفنا، وعلى وعي أبناء شعبنا وحبهم وولائهم لوطنهم، وقد برهن شعب البحرين في الكثير من المواقف والأزمات على مر السنين على هذه النزعة الوطنية التي نعتز ونفخر بها.
* نعلم أن مملكة البحرين تبذل جهودا دبلوماسية لتفادي أي تصعيد عسكري ومنع نشوب حرب جديدة في المنطقة على خلفية أزمة الملف النووي الإيراني مع المجتمع الدولي... ما هي وجهة نظركم في هذه الأزمة؟
- لقد شهدت منطقتنا الكثير من الحروب وعانت من ويلاتها لسنوات طويلة، لذلك نحن ندرك تماما عواقب نشوب حرب جديدة في المنطقة... وإذا وقعت الحرب لا سمح الله، فإن المنطقة بأسرها ستتأثر بتداعياتها.
أما عن موقفنا في البحرين فهو موقف ثابت أكدنا عليه مرارا وهو أهمية إيجاد حل سلمي لمشكلة الملف النووي الإيراني عبر الطرق الدبلوماسية ووفقا لقرارات الشرعية الدولية بغرض إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل بما فيها منطقة الخليج مع الإقرار بحق دول المنطقة في الاستفادة من التقنية النووية للأغراض السلمية.
* كيف تنظرون إلى مبادرة السلام العربية وهل ترون في الأفق إمكان نجاحها لإحلال السلام بالشرق الأوسط، خصوصا في ظل التردد والتذبذب الإسرائيلي تجاهها؟
- إننا على يقين كبير بأن المبادرة العربية للسلام والتي اقترحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وأقرتها القمة العربية في بيروت 2002، ثم أعادت قمة الرياض الأخيرة التأكيد عليها وطرحها مرة أخرى، هي فرصة تاريخية يجب عدم إضاعتها من أجل دفع الأمور للأمام وإحداث تقدم على مسار عملية السلام العربية - الإسرائيلية وإعادة الحياة إلى المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
إننا نأمل في الوصول إلى تسوية عادلة وشاملة لهذا الصراع ونريد للأجيال القادمة أن تعيش في سلام وأن تحصد ثمار التنمية والتطوير، وأن تنعم بهذه المكتسبات وأن يكون حظها في الرفاهية والرخاء أفضل من الأجيال السابقة التي عايشت فترات مريرة من المآسي والحروب.
وباعتقادنا أن الحل يكمن في انصياع «إسرائيل» لمطالب المجتمع الدولي, والقبول بمبدأ الأرض مقابل السلام، وقبل كل شيء ينبغي عليها أولا وقف الاعتداءات اليومية على الشعب الفلسطيني، والتوقف عن بناء المستوطنات.
ومن دون تحقيق سلام عادل وشامل فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، وتبقى خيارات العنف المتبادل مفتوحة وبالتالي إهدار الموارد التي يجب أن توجه إلى صالح رفاهية الشعوب.
العدد 1724 - السبت 26 مايو 2007م الموافق 09 جمادى الأولى 1428هـ