نلتقي اليوم مع كتاب قدمته إلينا أميرة الحسيني، وهو عبارة عن أربع عشرة قصة قصيرة بدأتها بكلمة إهداء قالت فيها «إلى نجمتي عمري، ابنتي غادة وأليسار، دمي الممتد في قلب الحياة، والحبر القادم الذي سيكتب ما لم أكتبه أنا، ولم اكتشفه بعد». وتحت عنوان «عندما نام الجميع» كتبت أميرة الحسيني قصتها الأولى، قالت في بدايتها: «في تلك الليلة التي علا الصراخ فيها في بيتنا، وبعد تلك المشاجرة الدامية قرر أبي طردنا من البيت، كان الفصل صيفا، وقد اعتدنا على إقامة خيمة من القش على سطح منزلنا تتسع لثلاثة أشخاص على الأقل، وقد صارت مأوانا الوحيد الآن».
أما قصة «دور المطر يهطل خفيفا» فقد بدأتها المؤلفة بقولها: «منذ أن حطت الطائرة على أرضها واجهتني عشرات العيون المتوسلة، كل عين قد اختارت أسلوبها في الاستجداء، يأتي الحمال فيغمرك بسيل من التبريكات بالعودة والحمد على السلامة، ثم يهاجمك سائقو السيارات فيحملون حقيبتك على رغم أنفك وبلا طلب منك».
وأما قصة «امبراطورية العتمة» وهي القصة الثالثة فقد بدأت كما يأتي «دفعته الأيدي والأرجل خارج مقصورة القطار قبل أن يبلغ محطته التي يقصدها، فخرج من دهاليز المترو مستخدما السّلم الكهربائي، باذلا أقصى ما لديه من طاقة لكي يبلغ أي مكان يستطيع فيه أن يجلس ويتناول شيئا ما يسكت به عواء معدته التي لم تستقبل منذ الصباح الباكر غير كوب من الحليب وقطعة خبز مدهونة ببعض المربى».
أما القصة الرابعة وعنوانها «وطن آخر» فقد بدأتها المؤلفة بقولها: «يبدو أن المدينة أرادت أن تودع عامها هذا بدفء خريفي، فمن الذي يعلم بأسرار ثبات المدينة هذه؟ قالت وهي تنظر إلى سماء تمتلئ بالغيم المتردد».
أما عنوان «مكان في الطابور» فقد كتبت المؤلفة قصتها الخامسة التي قالت في مقدمتها: «تساقط الثلج بكثرة هذا الصباح فغطى قبة الكنيسة وغمر صليبها الذهبي ولكن الكلاب ظلت تحوم حول بابها الخشبي القديم تهز بأذنابها الطويلة دون أن يصدر عنها نباح ما وتخرج امرأة عجوز إلى فناء الكنيسة وهي تسعل سعالا حادا وقد أخفى معطف عتيق جسمها حتى الركبتين وبرزت من تحته ساقان تخرقان في حذاء طويل رمادي يشبه أحذية الجنود».
«سامية والضبع الأنيق»، هو عنوان القصة السادسة التي تقول المؤلفة في بدايتها إنها تلك التي تبلغ الثامن عشر ربيعا ذات عيون واسعة ورقة مدهشة، تجعل الناظر إليها وإلى وجهها الأسمر يستغرب كل هذا الكم من الأسرار التي تختفي خلف الأهداب الطويلة الشبيهة بجناحي فراشة صغيرة».
«العربجي» هو عنوان القصة السابعة وقد بدأتها المؤلفة بقولها: «في ذلك اليوم وبعد انقضاء ثلاثة أشهر على اعتقالي واقتيادي إلى معتقل الخيام، وبعد التحقيقات المتتالية التي لم تنقطع لا ليلا ولا نهارا، نقلوني من غرف عملاء الزنازين في السجن رقم واحد إلى غرف الأحرار في الحبس رقم أربعة».
أما القصة الثامنة وعنوانها «الحلم يرجع من التلّة» فقد بدأتها المؤلفة بقولها: «انعقدت جلسة ما بعد العشاء وقد أسندت ظهري إلى الجدار، وتربعت أرتشف رشفة من كوب شاي كان لايزال يحتفظ ببعض سخونة قلما نحظى بها لأن الشاي يصب من (زنبوعة) إبريق بلاستيكي يدور على الزنازين موزعا الشاي على النزلاء فيها ببخل متعمد».
ولنقرأ معا القصة التاسعة وعنوانها «البوم وبدايتها»، «أطل أحمد من كوة الباب وقال: (عشاء اليوم عدس) نفخ أبوعوض متذمرا مستنكرا عليه هذا الخبر الذي أعلنه علينا، تجشأ ثم قال الحمد لله أنا شبعان لازلت منذ وجبة الغداء متخما، أنا لا أريد عدسا في الليل. إن هذا يؤرقني، يؤرقني للغاية، كلوا أنتم نصيبي إذا شئتم.
و «في ليلة مقمرة»، هو عنوان القصة العاشرة من هذه المجموعة التي بدأتها المؤلفة بالقول: « قال المحقق وهو يقدم له سيجارة ثم يشعلها: أنا بالطبع أعرف ظروف عائلتك، فأنتم جماعة بسطاء، لا اعتبار لأسرتكم بين الأسر المعروفة، طبعا أنا لا أخبرك بوضاعة نسبك لكني أشرح لك الأمر».
«اعترافات أم» هو عنوان القصة الحادية عشرة والتي تبدأ كما يأتي: «هذا ما كان في العام 1987. لم أكن في أي يوم من الأيام أعتقد أن ما جرى يمكن أن يجري في مكان ما على الأرض! لم أكن أنتمي إلى أي حزب أو تنظيم لا سياسي ولا غير سياسي. لم أكن قد حملت سلاحا في يوم من الأيام، فأنا امرأة متزوجة وأم لثلاثة صبيان وبنت أعمل في أرضنا وأساعد زوجي في تحصيل الرزق وتربية الأولاد».
القصة الثالثة عشرة عنوانها «كنت أظنها فلسفة» وبدايتها «خمس سنوات مضت وأنا هناك مربوطة إلى المكان إلى سلطة الجلاد ومزاج الشرطة، إلى صحون قذرة وطعام فاسد، إلى نوم قلق وهراوات تنقض فجأة على الأحلام فتقتل الأمان والسري على حين غرة. خمس سنوات مضت كنت فيها أمضغ التجربة وأهضم الليالي، أبتلع الألم والصبر ليلة بعد ليلة».
تختم المؤلفة مجموعتها القصصية بقصتين، الأولى عنوانها «هناك ظلال تقترب - جندي إسرائيلي يبكي نفسه». تقول فيها: «الليل شديد السواد، ونعيق الضفادع يصبح أقوى، الإحساس باقتراب الموت يرعبني. الموت يطرق باب مخيلتي الليلة أكثر من أي وقت مضى، لماذا يتملكني هذا الإحساس العميق الليلة باقتراب الموت من حياتي؟ لماذا؟».
أما القصة الرابعة عشرة والأخيرة فعنوانها «من الرعب - جندي إسرائيلي لن يبكيه أحد»، «أجلس محدقا بزميلي الذي أخذ يرتجف، أخذ يصيح بهلع، رمى سلاحه ورفع يديه إلى الأعلى صارخا أمي... أمي... أبعديهم عني، قفز الضابط يمسك بتلابيبه، لم يكف عن الصراخ، صفعه الضابط بعنف، صرخ الجندي في وجهه، أيها الفاشستي لا تصفعني، ابتعدوا عني جميعا، إلى الوراء».
العدد 1737 - الجمعة 08 يونيو 2007م الموافق 22 جمادى الأولى 1428هـ