العدد 1737 - الجمعة 08 يونيو 2007م الموافق 22 جمادى الأولى 1428هـ

معنى السلام

شمعة قد اصطكت عليها أصابع الظلم لتبتلع نورها، فضاع من العالم دفؤها، واستصقعت الأرض فارتعش الناس بحثا عن أمانٍ مرتجى... دفء يد تلتقف البراءة قبل الاستدفاء بالثرى وروحٌ تُفيح عطر السوسن ولون الزعفران...

شعلةٌ قوتُها أيدي قد تكاتفت لتروي الظمأ، وهنت فقد تفككت حلقة القوى، فاستخف العدو بنورها، وراح يلعب بتلاقف دفئها، وغدا يهيل الترب فوق شعاعها، كي تخمد وبها يُنسى الورى... زهرةٌ أنشت العالم أجمعا، لون البنفسج وروح سندسٍ باهر، أمانٌ استنشق رائحته اليتيم أثناء حلم بارد، فاتنفض الجسد إذ سار الدفء في مجرى الدماء، وعذب ماءٍ خريره قد تسامعته الآذان في رد الصدى، الحرير ملمسه والمخمل الناعم، ياقوت لونه ممزوج ببسمة من لؤلؤٍ خرجت من بين عناب البراءة الهائمة...

ضحكة، نجمة، فل، وهواء منعش، يعجز الوصف مني وتتطاير الكلمات، فأية واحدةٍ تلك التي توضح معنى السلام، وأي حرفٍ قد امتحى فخجل من عجزه عن الوصف والمدح لمعشوق الورى...

كلمة عظيمة المعنى، جليلة الوصف، مخلدة الحروف... السلام... حروفٌ تتجمع فيصهرها زمهريرها لتكون كلمة ما أجل معناها، سلامٌ يتردد في كل أذنٍ قد عانت الحرمان وشطبت الابتسامة من قاموسها.

تبدأ بألف: ألفة ومحبة تسيد هدوءا من روع نشره الطغاة.

ولامٌ: تنفي بنقشها على صفحات العروق وجود الظلم بين الورى.

سينٌ: سلامٌ ينشر سلما يلأم كل جرح ويمحو الظلم بممحاة الحق من لوحة رسمت فيها معركة الظلام.

وتتردد الألف واللام: لتأكيد المحبة والحنان، وألفة العطف على يتيم تكسر منه الجناح، فراح يناجي باحثا عمن يهديه عودا للثقاب يدفئه قبل أن تتجمد فيه الدماء.

وتختمها ميم: المسك الذي أفاحته في الأرجاء بمجرد انتظار بزوغ غسقها بين الأنام...

كم من اليسر وصف سعاد هذه الكلمة، ولكن العسر انتظار اللؤلؤ الذي يضيء بتلألئه كل الأكوان، فقد فُتتتَ الشمل في فلسطين وعانت العراق، وباكستان ها هي تعاني من إعصارٍ يذبذب أحشاءها فتريد ما يملأ البطن رضا ويزيل الآلام...

ضقتُ ذرعا كيف بالتاريخ أن يبني ما هدمه الإنسان؟! وكيف للحاضر أن يعيد مجدا لحضاراتٍ جار عليها النسيان؟!

أأبني؟ فأساعد بيدي التاريخ صنعا؟ لكن اليد لا تكفي لحرث الأرض وزرع الأقحوان! ونهاية اليد الفناء بعد انهيار الأوراق كلها ويسود الإصفرار!

أيكفي اتحاد الأيدي كي تتحد القوى ويبنى حصن السلام؟ لا، لأن اختلاف الرأي قد يهدم ما بناه الاجتماع؟!

إذا باجتماع الرأي واندماج الفكر والأيدي من العالم أجمع للإنغماس في نهر مصبه السلام، وشطب الوحشية من قاموس اللغات، واتحاد الديانات لحل جميع المشكلات، فتتجمع الأجساد جسدا واحدا، وتمزج القلوبُ والألباب لبّا واحدا، مقصده حب الورى وطريقه دار السلام الأخضر، أما كلمته فتعبر الأرض صارخة على الوحل الملطِّخ لطريقها:

وردةٌ تنشُرُ عبيرَ الحِندِباء

أَسيفُكَ من دماءٍ فانظُر لِسيفي

علقما علقما يسلبُ أرواحَ الأبرِياء

أشرٌّ بغيتَ، أفَحتَ روائِح تُنفِرُ

تَلا مقتلُ هؤلاءِ الشهَداء

أتحسَبُ فوزا قد جنيتَ

حُزنُكَ من يومِ القضاء

ويحَكَ هل تفرَحُ؟ واجبٌ

مُخلَّدٌ ليسَ لهُ يومٌ للفناء

وخضيبُ الدَّمِ اليومَ، غدا

وجنَّةٌ دائِمٌ فيها البقاء

دارُ السلامِ مأوى شهيدٍ

فأنبتت غضَبا حجارة حمراء

قد سقيتَ الأرضَ دَما

دَعت عليكَ فاستجابَ الله الدُّعاء

وسَلبتَ طِفلا حنانَ أمٍّ، براءة

فيها لاشتِعالِ النارِ أنت الدَّواء

تأمَّل أَمَّةٌ كرهت وجودَكَ، وقيامةٌ

يأخُذُ من مجرى الدَّمِ فيكَ غِذاء؟

أترفعُ العَين؟! أليسَ الجخلُ بعد هذا

في فُتورِ بركةِ الدِّماء

لا، وكيفَ يذوبُ الحَجَرُ

شملكَ ويعذِّبك ليومِ القضاء

لكن ترقَّب كيف الإصبع يفكك

عذابكَ وكلماتُهُ كُرهُكَ حبيب الأهواء

وتأمَّلِ الناس يُنشِدونَ السلامَ، لحنُهُ

عفاف الستراوي

العدد 1737 - الجمعة 08 يونيو 2007م الموافق 22 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً