العدد 1743 - الخميس 14 يونيو 2007م الموافق 28 جمادى الأولى 1428هـ

مشروعات ارتجالية

تعمد عدة هيئات وجمعيات ومراكز أهلية ورسمية إلى توعية الناس وتثقيفهم وإيصال المعلومة بشكل سهل ومبسط في مجالات قد تتعلق بالصحة والسلامة أو الحث على الالتزام بالقوانين أو التربية الصحيحة أو الحديث عن شخصية أو مناسبة مهمة... وغيرها، وذلك عن طريق طبع وتوزيع بعض النشرات او المطويات بين فترة وأخرى.

لكننا نجد أن (غالبية) هذه الأنشطة من مطبوعات وغيرها، تكون جهودا ارتجالية وعفوية من دون تخطيط أو إعداد مسبق، كأنما تم جمعها وحشرها على عجل في عدد من الصفحات من دون تدقيق أو تنسيق! وربما يكون القائمون على ذلك العمل بعض المتطوعين أو الموظفين غير ذوي الخبرة أو الكفاءة فيقيسون وعي المتلقي او إدراكه بوعيهم وإدراكهم، حتى أن إصداراتهم تكون احيانا في مستوى الملاحق والنشرات الإعلانية! فتخرج إلى الناس في أسلوب هزيل وضعيف قد يكون كتيبا او نشرة يزهد في تصفحها الناس فضلا عن الاحتفاظ بها.

في الأيام العشرة الأولى من شهر المحرم مثلا، تزداد النشرات التوعوية والتعريفية من عدة جمعيات إسلامية لدرجة انك لا تجد وقتا كافيا لتصفحها، ولكثرتها وقلة وزن وضعف مضمون معظمها، فإنك تجدها حزما مجموعة هنا وهناك يحتار فيها بعد ذلك موزّعوها! فالبعض يلقي عليها نظرة سريعة ويعود ليتركها فوق الطاولة أو يحملها لتتكدّس في سيارته او يلقيها في البيت أو يرميها في الطريق بعد دقائق من حملها، فيمتلئ الشارع بهذه الأوراق التي تحوي أسماء طاهرة ومباركة تكون عرضة للدوس والتمزيق.

وعلى رغم معرفة القائمين على إصدار هذه النشرات بنهايتها وزهد الغالبية في قراءتها وخصوصا مع ضيق الوقت والتعب،ناهيك عن العزوف عن القراءة عموما لدى شريحة واسعة من المجتمع، على رغم كل ذلك فإنهم لايزالون مصرين في كل عام على إصدار نشراتهم بالآلاف فيقفون يوزعونها عند ابواب المآتم او في مواكب العزاء، كأنما يتوسلون الناس ان يأخذوها... وكما يقول دعبل:

إني لأفتح عيني، حين أفتحها

على كثيرٍ، ولكن لا أرى أحدا!

فعدد من هذه النشرات يحوي مقالات لأفكار معادة ومقولات مكررة، وأخرى تحوي شعرا ركيكا لشاعر الجمعية! وبعضها يعرض معلومات يعرفها حتى الطفل الصغير. وجمعيات اخرى تصدر مجلة كاملة بألوان فاقعة وأوراق فاخرة لا يحتفظ بها أحد، فيضيع الجهد والوقت والمال، فالملاحظ ان الاقبال او الرغبة في الاطلاع والقراءة في تراجع مستمر واقتناء الكتب صار من باب الترف، واسألوا اصحاب المكتبات.

تتكرر الإشكالية كل عام، ومع ذلك فليس هناك تطوير او إبداع او تميّز ، ولو فكّر هؤلاء لربما انفقوا ما يصرف على هذه المطبوعات والمجلات، على أمور أكثر أهمية وأنفع للناس، ولو كان هناك تعاون حقيقي او تنسيق بين الجمعيات لجمعت هذه الجهود والأموال في عمل واحد يكون مميزا مطلوبا وتعم فائدته الجميع: عمل مسرحي او شريط للصوت او للصورة، أو نشرة مطبوعة تكون جامعة و(محترمة). فالذين يفضّلون، بل لا يريدون سوى المشاهدة والاستماع اضعاف من لهم صبر على القراءة، إلا إذا كانت الجمعيات تريد ان يكون لها صوتها الخاص وإصداراتها وبصمتها (الخاصة) في المناسبة لا يشترك معها فيها أحد!

هذا بالنسبة إلى الأعمال والنشرات التي توزع مجانا، اما إصدارات الجمعيات التي تباع فليست بأحسن حال منها، وآخرها ما أصدره احد الأفراد برعاية جمعية إسلامية عريقة، وتحت شعار «بدائلنا الثقافية»! عبارة عن علبة بطاقات تحوي أسئلة وأجوبتها وذلك «وسيلة مسلية لتثقيف الجيل الجديد بسيرة الإمام الحسين (ع)، حسب المُعِد والمنتج»!، وكل من قرأ الأسئلة في تلك البطاقات، التي تتناول واقعة كربلاء وما بعدها، أدرك انه مشروع ارتجالي عشوائي لم تتم دراسته او عرضه على ذوي الخبرة وليس فيه من التعليم، فضلا عن التثقيف ما يشفع له!، ولا ادري كيف يمكن تثقيف الجيل بمعلومات هي اقرب للبديهيات التي يعرفها أطفال الروضة وتتلى على المنابر كل عام، إذ أسيء بذلك الى نوعية العمل ذاته والهدف منه، إذ كانت أسئلة البطاقات سطحية وضعيفة كأنها موجّهة إلى من لا يعرف شيئا عن الدين الإسلامي! والمشكلة تستمر مع عدم معرفة المعد لهذا العمل برد فعل الناس وعدم استحسانهم لهكذا مشروع مرتجل هزيل لا فائدة ترجى من ورائه.

جابر علي

العدد 1743 - الخميس 14 يونيو 2007م الموافق 28 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً