لعل أكثر تراث مملكة البحرين التجاري أصبح يلفظ أنفاسه الأخيرة إلا بعض أوجهه التي عمدت الحكومة على الاحتفاظ بها وتجديد واجهاتها مع مرور السنين لتكون رمزا للمملكة وتراثها القديم، إلا أن بعض جوانب التراث التجاري البحريني أصر على البقاء والاحتفاظ برونقه التراثي الشعبي القديم على رغم الظروف التي يواجهها، والتي كانت إحداها سوق التبغ (التتن) القديم.
التزم أصحاب مهنة بيع «التتن» في السوق بعهدهم مع زبائنهم المعتادين على رغم تقلصهم في السنوات الأخيرة، في حين انتشرت ظاهرة تدخين «السجائر» في العقود الثلاثة الماضية، فقليلا ما تشاهد أبناء الجيل الحالي يتعاملون مع محلات بيع «التتن» أمام كبار السن الذين اعتادوا على تدخين ما يسمى بـ «القدو» و «النارجيلة».
ويعتبر زبائن محلات بيع التتن من العملاء أو الزبائن المعتادين لدى صاحب المحل الذي يحفظ طلب عملائه من المستهلكين طيلة أكثر من ثلاثين عاما على رغم تعدد أصناف التتن المعروض لديهم، فهناك من الزبائن من يرغب في الصنف غالي الثمن الذي يصل سعره إلى أكثر من عشرة دنانير، ومنه من يرغب في الأقل سعرا الذي لا يتجاوز الدينارين.
أما عن وضعية السوق، فقد تحدث أحد أصحاب المحلات بيع «التتن» الذي فضل عدم ذكر اسمه قائلا إن «نسبة كبيرة من الكساد باتت تسيطر على سوق (التتن) في البحرين على رغم وجود مستهلكين كثر، لأن الجهات المعنية بتنظيم السوق الشعبية وإحيائها غير مهتمة تماما للأمر، وأن المسألة نفسها لدى باقي المهن القديمة في السوق مثل العطارين والصفاريين (حدادة المعدن)»، مشيرا إلى أن «ما تبقى في السوق من محلات بيعه قليلة جدا وتكاد تعد على الأصابع، ناهيك عن أنهم يتعرضون لمضايقات من قبل المفتشين من وزارة البلديات ووزارة الصناعة والتجارة في بعض الأحيان».
وأما أبو محمد الذي يمارس مهنة بيع «التتن» منذ أربعة عقود يقول إن «شارع سوق التتن كان معروفا في سوق المنامة القديم ويأتي إليه المستهلكون من مختلف مناطق المملكة، إلا أن دخول العمالة السائبة وتغير الأحوال الاجتماعية ورغبات الناس في آن واحدة، أدت إلى خربطة الكثير من الحرف والمهن في الوقت نفسه وتدهورها»، منوها على أن «سعي الحكومة نحو حظر التدخين في الأماكن العامة لم يؤثر على سوق بيع التتن، لأن أكثر الزبائن من كبار السن الذين يستخدمونه استخداما شخصيا في منازلهم ومجالسهم».
أما المستهلكون، فيعتبرون سلعة «التتن» كباقي المواد الغذائية الاستهلاكية اليومية، باعتبار أن تدخين التتن (القدو) من العادات القديمة لدى فئة كبيرة من المدخنين في المجتمع البحريني، إذ يدخنه البعض (القدو) أكثر من ثلاث مرات يوميا أو بعد كل وجبة رئيسية. وأكدوا أن سوق «التتن» لن تنفى من السوق المحلية طالما هي غير محرمة شرعا وقانونا ولديها زبائن كثيرون، وأن حظر التدخين في الأماكن العامة ليست له علاقة لا من قريب ولا من بعيد في سوق «التتن» التي أهملت على هذا النحو.
العدد 1766 - السبت 07 يوليو 2007م الموافق 21 جمادى الآخرة 1428هـ