كنز الخليج وجنة بحور البحرين وبيت البحارة ومسكن الأسماك، هذه أسماء مستعارة تطلق على خليج توبلي الذي أصبحت جميع أفواه المواطنين تطلقه عليه وخصوصا بعد الأزمة الأخيرة.
من هنا تبدأ القصة التي ستأخذ منحى آخر هذه المرة، فهي قصة صياد عاش مع البحر دهرا، صارع أمواجه حتى انتصر عليها وتحدث مع أمواج بحره التي أصبحت الآن هادئة كهدوء الطفل النائم، إنها قصة البحار السيدجعفر سيدعلي الذي قابلته «الوسط» عند أحد سواحل خليج توبلي.
يبدأ السيدعلي بسرد قصته قائلا: «دخلت البحر قبل أن تؤسس الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية وقبل أن تؤسس حتى إدارة خفر السواحل أي ما يقارب منذ 40 عاما، أي في خمسينات أو ستينات القرن الماضي لذلك فإني أعلم بهذا البحر».
يتوقف السيدعلي لحظة ليجلس على أحد الأحجار المرمية على الساحل ويواصل حديثه: «خليج توبلي كان جنة بحور البحرين فكان يغذي ما يقارب 500 عائلة في ثماني مناطق وهي البلاد القديم، الزنج، الماحوز، أم الحصم، توبلي، النبيه صالح، العكر، والمعامير، لذلك فمن هنا أسميناه بجنة بحور البحرين».
طبعا يتوقف السيدعلي لحظة ليعود للتحدث عن خليج توبلي الذي وصفه بالبيت المسكون من جهة والبيت المهجور من جهة أخرى وبالمريض المرمي في غرفة الإنعاش مشيرا إلى أنه إذا بنى المواطن بيتا جديدا ولم يسكنه لفترة فإن أثاث المنزل يصاب بالترسبات كذلك خليج توبلي مثل البيت الذي تم بناؤه ولم يتم العيش فيه ولا الاهتمام به.
يضيف السيدعلي: «إذ كان خليج توبلي كالبيت المهجور والمسكون فإن السواحل التي تحيط به كـ «مبحر الغويثي» و «جبل بيجان» و «عين الحكيم» فهذه السواحل في غرفة الإنعاش تنتظر ساعة الموت على أحر من الجمر إلا أنه لا فائدة، فالكل ينظر ولا يتحدث فليس من المستبعد أن يدخل خليج توبلي إلى غرفة الإنعاش قريبا أيضا إن لم يكن دخلها من زمن».
يعود السيدعلي ليتذكر ذكرياته في خليج توبلي ويبدأ هذا التذكر بآهٍ خرجت من قلبه بحرارة وكيف وبحره يدمر أمام عينيه ليقول: «أيام (لولّ) كان عمق خليج توبلي يتراوح ما بين 7 و8 أمتار إلا أنه منذ أن استعمرت المجاري كنز الخليج الذي يوصف به خليج توبلي أصبح العمق مترا واحدا».
وأوضح السيدعلي أنه منذ سنتين تمت مناقشة خبراء عن مشكلة العمق في خليج توبلي إذ أكد الخبراء أن الأكسجين معدوم وأنه لا حياة بحرية فيها، مشيرا إلى أن ما أكده الخبراء عن انعدام الأكسجين في خليج توبلي صحيح إلا أن موت الحياة البحرية فيه فهو غير صحيح إذ إن الكثير من أنواع السمك تعيش فيه كـ «الشعوم» و «القرقفان».
ولم يتوقف السيدعلي عن الحديث فهو مازال يتذكر أيام الصيد الوفير فيقول: «في مايو/ أيار 2001 تحديدا كان صيد الربيان ممنوعا إلا أن البحارة كانوا يخرجون لصيد الربيان وبشهادة الجميع وخصوصا خفر السواحل فتم القبض على بحار كان يصطاد في خليج توبلي ما يقارب من ألف و500 كيلو ربيان».
أوقفت السيدعلي عن الحديث لحظة لأساله عن كمية الربيان التي كان يصطادها في خليج توبلي في السابق فأخذ يضحك قائلا «لن تصدقوا فكنا نصطاد فوق المعقول»، أكدت له أني لن أستغرب لكني فعلا ذهلت عندما علمت بأنه كان يشحن ما يقارب سبع سيارات من نوع «بيك أب» في اليوم الواحد.
ويؤكد السيدعلي أن الربيان مازال موجودا في خليج توبلي إلا أنه موجود بكثرة في جنوب ساحل النبيه صالح إذ إن البيئة هناك أنظف من بيئة خليج توبلي.
توقفنا عن الحديث يشأن الكمية التي يصطادها وعن الربيان وانتقلنا إلى الحديث عن سبب تسمية خليج توبلي بجنة بحر البحرين وكنز الخليج ليوضح السيدعلي أنه كان يغذي 500 عائلة من جهة ولأن التيارات الهوائية والبحرية لم تكن تعاند بحارته أما سبب تسميته بخليج توبلي فهذه لها قصة أخرى إذ إنه في إحدى السنوات قام صحافي كويتي بزيارة خليج توبلي وكان البحارة موجودين واندهش الصحافي مما كان عليه الخليج من نعم وخيرات لذلك سمّاه بكنز الخليج إذ إن الأخير أكد أنه لو كان هذا الخليج ملكا إلى دولة الكويت لتم تسويره بسيوف من ذهب.
وبعد التسميات انتقلنا إلى أزمة المجاري والبقع السوداء التي أوضح السيدعلي أنها كقطعة الدهن على الطعام الكثير الدسم التي من الصعب إزالتها، مشيرا إلى أن البقة السوداء التي تسببها المجاري مثل قطعة الدهن إذ إنها متراكمة منذ ما يقارب 20 سنة إلا أن نداء البحارة لا جواب له.
وعندما قررت الذهاب طالب السيدعلي بشيء واحد لا أكثر - مؤكدا أن الحكومة تستطيع عمله - وهو تنظيف الخليج إذ إن ذلك لن يكلف الحكومة ولا المتنفذين شيئا، مشيرا إلى أن هذا الطلب سيبعد خليج توبلي عن غرفة الإنعاش التي من الممكن أن تقوده إلى القبر الذي سيحفره المتنفذون بأيديهم وسيغطيه البحارة بالتراب بعد البكاء عليه.
العدد 1767 - الأحد 08 يوليو 2007م الموافق 22 جمادى الآخرة 1428هـ