معلمة متميزة، تشرفت بمصافحة المسئولين في عيد «العلم» يؤول أمري إلى النقل (غصبا عني) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لم ينصفني المسئولون بالنقل، ولم ينصفوا الطلاب الذين أدرسهم، فهل تعرفون أيها المسئولون ماذا يحصل للمعلمات؟
إن تدريس المعلمات للطلاب (الذكور) يعد نوعا من الموت السريع لأنوثتهن، وقتلا لإنسانيتهن تجاه أبنائهن وأزواجهن، يصبرن طوال اليوم الدراسي، يكظمن غيظهن، يشربن مع كل جرعة ماء مرارة... وهن في كل ذلك صابرات محتسبات أمرهن إلى خالقهن، راضيات بعلمهن، إيمانا منهن بواجبهن تجاه وطنهن... إلا أن ما يلاقينه من سوء معاملة بعض أولياء الأمور، وعتاب إداراتهن وعدم تقديرها لأعمالهن، وقسوتها على المعلمات، وسوء استخدام السلطة الإدارية، كلها تصرفات... هل تعرفونها؟
بعض المسئولين في إدارات التعليم، يشرفون ويقدمون عددا من الدورات التدريبية وورش العمل تتعلق بـ (الرضا الوظيفي) و (العلاقات الإنسانية في العمل) و (علاقة القائد بالموظف)... وكثير من هذه المسميات، وللأسف... هل تعرفون كيف يعاملنا هؤلاء المسئولون عندما نراجعهم في أسباب نقلنا (غصبا عنا)؟
مع بداية العام الدراسي الجاري، وكعادتها إدارة التعليم الابتدائي، تفاجئنا (بالنقل من أجل مصلحة العمل)... فيتم نقلي من مدرسة... إلى مدرسة... من دون مبرر عقلي، أو علمي، فقط من أجل مصلحة العمل... فهل تعرفون ما مصلحة العمل التي يقصدونها؟ من أخبركم بآثار هذه العملية...
أولياء أمور الطلاب في المدرسة المنقولة منها يضجون، ويصرخون مطالبين بعودة معلمة أبنائهن، ويسعون لمقابلة أحد المسئولين، تكرارا ومرارا، فهل تعرفون ذلك؟
أولياء الأمور يسعون - بعد أن وصل بهم اليأس من إدارة التعليم الابتدائي - بأن يطالبوا بموافقة الجهات الحكومية في الخروج بمسيرة يطالبون فيها بعدول إدارة التعليم الابتدائي عن قرارها غير العادل... فعل تعرفون ذلك؟
أولياء الأمور غير راضين عن مستوى أبنائهم الدراسي، غير منسجمين مع معلمتهم الجديدة ولا يتقبل الطلاب منها أي شيء، حبا في معلمتهم المنقولة... التي كانت خلاقة ومبدعة - بحسب تعبيرهم - حتى امتد أثرها إلى البيت، فأحبها الجميع...
أولياء الأمور غير سعيدين بما يرونه من تذمر من أبنائهم عند الخروج إلى المدرسة، وإحباط لم يتعودوه منهم، وقد بلغ الأمر إلى درجة أن بعض الطلاب يرفض الذهاب إلى المدرسة حتى تعود (المعلمة)... فهل يقبل المسئولون الذين وافقوا على النقل بهذا لأبنائهم، هل سيبقون مكتوفي الأيدي وهم يرون أبناءهم في هذه النفسية المحطمة.
لقد بلغت عواقب النقل (التعسفي) في المعلمة المنقولة (مكاني) بأزمة ثقة في نفسها، وآثارها واضحة تعلمها إدارة المدرسة... يمكنكم أن تعرفوها بأنفسكم!
سنوات من الإبداع، والمشروعات المبتكرة، وهذا ليس كلامي - حتى لا اتهم بمن مدح نفسه - انها شهادتكم بأن تتم مكافأتي في عيد العلم، وأن أكون إشعاعا تربويا لأية مدرسة أكون فيها، فها هي الوفود تترى على المدرسة من إدارة التعليم الابتدائي لإشرافي التربوي، والمدارس المتعاونة...
إن قاعة صفي لتشهد لي على عملي (المجسمات، وأجهزة الحاسوب، مسرح العرائس، دكان الصف، لوحات... وغيرها) لم أطالب بفلس واحد من إدارة المدرسة، كلها من حسابي الخاص، وأخيرا تكفلت بصباغة الصف بالكامل، أيضا على حسابي الخاص... (لا تقولوا عني مجنونة!) لست وحدي من يقوم بهذه الأعمال بصمت وإخلاص وتعفف، فمنا الكثيرون، ولكن لعل وصلكم منه خبر؟
للأسف أن النقل (التعسفي) غير مبرر، فقط مذيل بعبارة جوفاء (لمصلحة العمل) فهل من مصلحة العمل نقل معلمة من مدرسة تبعد عن سكنها (خمس دقائق) فقط، هل من مصلحة العمل، تشتيت أسرة كاملة تعتمد في تنقلات ابنائها الثلاثة من وإلى المدارس بثلاث سيارات بعد أن كانوا جميعهم في سيارة واحدة؟ هل من مصلحة العمل ان تعيش الأسرة بكاملها مضطربة غير مطمئنة؟ أي نفسية تلك التي يتشدق بها بعض المسئولتين في محاضراتهم ودوراتهم؟ أي عطاء ينتظر من معلمة ترى نفسها في كل يوم أنها مظلومة من جرة قلم أعمى وأصم؟ ما الرسالة التي تريد إدارة التعليم الابتدائي أن ترسلها لي بالضبط، فلتصارحني بها، ولا تكتفي (من أجل مصلحة العمل)!
فما الاحباط واليأس في جسد المعلمين كافة إلا من هذه التصرفات غير المسئولة وغير المبررة، وغير النافعة، إذا كانت تعكس ذلك، لتطرح إدارة التعليم الابتدائي خاصة استطلاع رأي لتتعرف على ردات فعل المعلمين والمعلمات المنقولين تحت مسمى (مصلحة العمل) ألسنا في عصر (الجودة) و (الرقابة) و (المساءلة) و (المحاسبة) و (الفساد)...
يقولون ان النقل في نصف الفصل لا يمكن، ومع مطلع الفصل الدراسي الثاني صعب، قد نفكر في النقل مع مطلع العام الدراسي الجديد، إلا أنني لا أؤمل في أصحاب عبارة (مصلحة العمل) الكثير... ولكني أخاطبكم أنتم أيها المسئولون، لأنكم قمتم بنقل مديرين ومديرات، فضلا عن مدرسين قبل نهاية الفصل الدراسي الثاني من العام الماضي...
قد يكون في إعادتي إلى مدرستي (المنقولة منها) «على رغم أني لا أرغب في ذلك بتاتا» سعادة طلابي وأمهاتهم وآبائهم، وهذا يفرحني للغاية، بأن أكون جزءا من سعادتهم، غير أن الحزن واليأس يغرقانني، فلقد شهدت سقوط قناع بعض المسئولين الكبار جدا في إدارة التعليم الابتدائي... حينما تعاملوا معي بأني اسم على ورق، لم يكترثوا لانسانتي، ولم يبالوا لكرامتي، ولم يقدروا جهودي، لم يعتبروا إلى حالتي.
(الاسم والعنوان لدى المحرر
العدد 2263 - السبت 15 نوفمبر 2008م الموافق 16 ذي القعدة 1429هـ