في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2002 قوبل المرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر بتحفظات كبيرة من أوساط الصحافيين والمهتمين بمجالات حرية الرأي والتعبير في المملكة. وعبّر بعض الصحافيين عن تحفظاتهم تلك بقولهم إنه لم يكن القانون الذي انتظروه وتمنوا الحصول عليه، وكان ذلك إيذانا ببدء رحلة طويلة للقانون الذي ظل يراوح بين أروقة البرلمان والحكومة مدة خمس سنوات.
وبالعودة إلى القانون المرفوض، نجد أن مواده تنصّ على أن يعاقب الصحافي على نشر ما يتضمن التعرض لدين الدولة الرسمي في مقوماته وأركانه بالإساءة أو النقد، والتعرض للملك بالنقد، أو إلقاء المسئولية عليه عن أي عمل من أعمال الحكومة، والتحريض على ارتكاب جنايات القتل أو النهب أو الحرق أو جرائم مخلة بأمن الدولة، إذا لم تترتب على هذا التحريض أية نتيجة، والتحريض على قلب نظام الحكم أو تغييره، وتكون عقوبة الصحافي بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر. وفي حال العود خلال ثلاث سنوات من تاريخ الحكم في الجريمة السابقة تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات.
لجنة ثلاثية لصياغة مبادئ القانون
وبعد يومين من صدور القانون ونتيجة ردود الفعل السلبية تجاهه دعا رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رؤساء تحرير الصحف اليومية وعددا من الصحافيين لتدارس ردود الفعل التي خلفها القانون، في الوقت الذي تشكلت فيه لجنة ثلاثية على خلفية اجتماع أعضاء اللجنة الفرعية لصوغ مبادئ قانون المطبوعات، ووضعت مذكرة بينت فيها نقاط تعارض قانون المطبوعات الصادر حديثا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومبادئ دستور البحرين وميثاق العمل الوطني. وتمخض اللقاء عن تشكيل لجنة لتعديل القانون تتكون من ممثلين عن الحكومة والصحف المحلية بالإضافة إلى نقابة الصحافيين (تحت التأسيس) آنذاك وجمعية الصحافيين، وأعضاء لجنة صوغ مبادئ قانون المطبوعات.
وبعد مرور نحو شهرين على تأخر التعديلات الموعودة على قانون الصحافة، ومضي نحو ثلاثة اجتماعات على اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء ارتفعت نغمة الأسئلة عن الجدية التي تتعامل بها الأجهزة الرسمية مع القانون.
بعد ذلك استعرض مجلس الوزراء التعديلات التي قدمتها وزارة الإعلام بعد المداولات والحوارات التي جرت في أوساط الصحافة والنشر منذ صدور القانون، والوثائق التي استعرضها مجلس الوزراء بقيت في دائرة مغلقة ولم يستطع أحد الاطلاع على تفاصيلها منذ آخر اجتماع عقد بين أعضاء اللجنة المكلفة بمراجعة القانون التي تكونت من وزيري الإعلام وشئون مجلس الوزراء في شهر رمضان الماضي.
ولكن يمكن القول إن التعديلات استجابت لعدد من مطالب الصحافيين وأصحاب دور النشر، ومن تلك الاستجابة إلغاء عقوبة الحبس المربوطة بقانون الجنايات ماعدا ثلاث حالات، هي التعرض لجلالة الملك والتحريض على قلب نظام الحكم وفي حال استمرار صدور الصحيفة بعد أمر قضائي.
والجانب السلبي في ذلك أن السجن في الحالين الأوليين غير محدد إذ تركت المدة مفتوحة، وأزيلت الروابط مع قانون العقوبات «التي عارضتها الصحافة بشدة» في المواد 16 و68 و69 و70 و71، كما ألغيت عدة مواد هي 17 و20 و21 و73 و75 و76 و78 و82 و83، وكل هذه الإلغاءات تعتبر إيجابية.
أما بالنسبة إلى المادة 52 التي اشترطت حجز 10 في المئة من رأس المال المطلوب لتأسيس الصحيفة لدى الوزارة على أساس ضمان مصرفي فتم تقليل المبلغ إلى 5 في المئة، وهو أكثر مما طالبت به اللجنة الصحافية «10 آلاف دينار»، ذلك لأن الـ 5 في المئة من مليون دينار تعادل 50 ألف دينار.
سيناريو رحلة الذهاب يبدأ في «الشورى»
الإشكال في التعامل مع القانون بدأ حين قدم أعضاء مجلس الشورى آنذاك إبراهيم بشمي وعبدالرحمن جمشير وجمال فخرو وخالد آل خليفة وهاشم الباش اقتراحا بتعديل القانون إلى المجلس في نوفمبر 2003 وتم تحويله إلى لجنة الشئون التشريعية والقانونية، ومن نوفمبر حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه دخلت الحكومة على الخط وقدمت تعديلاتها على القانون المعمول به حاليا وأحالتها إلى مجلس النواب.
وأحال المجلس بدوره هذه التعديلات إلى لجنة الخدمات في مجلس النواب، وتم إقرار مشروع الشورى في يناير/ كانون الثاني من العام 2004، على رغم سعي الحكومة - على لسان ممثلها وزير الإعلام آنذاك نبيل الحمر - من أجل تأجيل تصويت مجلس الشورى على الاقتراح بحجة ما لدى الحكومة من قانون معدل، معتبرا أنه من غير الممكن التصويت على اقتراح ولدى مجلس النواب اقتراح آخر، في إشارة إلى قانون الحكومة الذي لم يلق تأييدا من أهل الشأن والمطعون في دستوريته من قبل مجلس النواب.
وظل القانون لدى الجهات المختصة في السلطة التنفيذية حتى تمت إحالته بعد أكثر من عام إلى مجلس النواب، وكان مجلس النواب أمام وضع يتطلب الرأي القانوني السليم في ظل وجود قانون شامل ومتوافق مع التغيرات الإصلاحية وينطلق من التحولات الديمقراطية في البحرين، إضافة إلى التعديلات التي أدخلت من قبل السلطة التنفيذية على القانون الحالي التي لم تكن متلائمة ومتوافقة مع التغييرات الإصلاحية أو مع الجسم الصحافي. غير أن لجنة الخدمات في مجلس النواب اعتبرت الاقتراح بقانون المقدم من الشورى وأحيل إلى مجلس النواب هو الأصل واعتمدت عليه، واعتبرت مشروع القانون الذي قدمته الحكومة بهذا الشأن تعديلا على مقترح الشورى.
من الحمر إلى عبدالغفار... والقانون محلك سر
في مطلع العام 2005 ومع استمرار بقاء قانون الصحافة حبيسا في أدراج البرلمان حدث التغيير الوزاري، وتولى الوزير الحالي محمد عبدالغفار حقيبة الإعلام، وأكد في أول تصريح له بشأن قانون الصحافة بعد توزيره: «القانون للصحافيين لا للحكومة، ويجب أن يكون الصحافيون مقتنعون فيه، إلا أنه بالتوازي يجب على الصحافيين أن يضعوا أهداف ومصلحة المجتمع في الكفة الأخرى».
وبعد نحو ثلاثة أشهر بدأت إدارة المطبوعات والنشر حملة وطنية استمرت ستة أشهر قامت خلالها بتسجيل المواقع الالكترونية التي تم إطلاقها من داخل مملكة البحرين أو تلك التي تم إنشاؤها من خارج البحرين وتتصل بشئون المملكة سواء الفنية أو الرياضية أو الدينية أو السياسية وغيرها بناء على توجيهات الوزير عبدالغفار.
نواب يرون في «الجلد» رادعا للصحافيين
في دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي السابق، تباينت آراء الكتل النيابية أثناء مناقشة اقتراح الشورى ومشروع الحكومة بشأن قانون الصحافة، بعض الكتل أيدت حبس الصحافي وأخرى رفضته، فكتلة المنبر الإسلامي ارتأت الاكتفاء بالغرامة المالية، بينما فضلت كتلة الأصالة ربط القانون بقانون العقوبات، وتوالت اقتراحات الكتل من وقت لآخر، غير أن ما أثار حفيظة الصحافيين ما أشار إليه بعض النواب من أن الصحافيين يستحقون الجلد.
من جانبها، دعت الحكومة إلى التمسك بالتعديلات التي أدخلتها على قانون الصحافة المعمول به حاليا، في الوقت الذي رأت وجود شبهة دستورية في مشروع قانون الشورى وأبدت رفضها لتخفيف العقوبة من الحبس إلى الغرامة، وأشارت إلى أن «تقرير العقوبة على هذا النحو ينطوي على تفريط، إذ إن العقوبة في تلك الأحوال لا يتحقق بها ردع الجناة أو زجر غيرهم». وبعد نقاشات مستفيضة في المجلس أعيد القانون مرة أخرى إلى اللجان النيابية لإخضاعه لمزيد من المناقشة.
اقتراح جديد... والحكومة تكرر السيناريو
انتهى الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب، وقبل نهاية دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الحالي تقدم أعضاء مجلس الشورى إبراهيم بشمي وجمال فخرو وعبدالرحمن جمشير والشيخ خالد بن خليفة آل خليفة وخالد المسقطي باقتراح بقانون آخر بشأن الصحافة.
غير أن الحكومة كررت السيناريو نفسه الذي تعاملت به في وقت سابق مع اقتراح الشورى السابق بشن القانون، إذ صوّت مجلس الوزراء بعد ذلك على إحالة التعديلات على مشروع قانون بتعديل بعض مواد قانون الصحافة رقم (47) إلى اللجنة الوزارية للشئون القانونية لدراستها واتخاذ ما يلزم بشأنها، في خطوة تسبق دفع التعديلات إلى السلطة التشريعية. وفي آخر جلسة لمجلس الشورى تم خلالها مناقشة الاقتراح الأخير الذي قدمه بشمي وآخرون ولم يمر بسلام، إذ شهد نقاشات ساخنة جدا قبل أن يوافق عليه بغالبية 26 صوتا موافقا و4 ممتنعين على الاقتراح بقانون ورفعه إلى الحكومة.
العدد 1801 - السبت 11 أغسطس 2007م الموافق 27 رجب 1428هـ