العدد 1804 - الثلثاء 14 أغسطس 2007م الموافق 30 رجب 1428هـ

كهول المنامة: أحببنا بحرين ما قبل الاستقلال... ومازلنا نحبها

كان «المستشار» يدور عليهم في السوق صباح كل يوم ممتطيا حصانه

«كان حالنا أفضل بكثير أيام الأول من حالنا الآن، وعلى رغم أننا كنا نحصل على أقل القليل، فإننا كنا سعداء، كان فيما نحصل عليه من مال بركة، كلنا كان مشغولا في تحصيل رزقه، لم يكن لدينا الوقت لننشغل بالسياسة أو نعرف ما يجري من أوضاع في البلاد، كل ما نعرفه أن المستشار كان هو حاكم البحرين، وكان يمر علينا كل يوم في السوق يتفقد أحوالنا، وكان النظام مستتبا».

قال الحاج حسن محمد المخرق (أبوفاضل) هذه الكلمات بحرارة، مستذكرا أياما خلت من عمره الذي تجاوز الثمانين بسنة. رحلة طويلة مر بها أبوفاضل، طويلة بعمر البحرين، التي تحتفل هذه الأيام بذكرى الاستقلال وخروج الانجليز من أراضيها.

لم تكن تلك الذكريات التي حاول أبوفاضل استجماعها عن «بحرين ما قبل الاستقلال» سهلة، فقد انتقل بذاكرته إلى صور مختلفة، من السوق، إلى المستشار، إلى عمله في قسم العلامات التجارية في وزارة التجارة، إلى أحاديث أصحابه وأقربائه. جامعا صورا مشتتة عن حقبة لم يعشها كثيرون، ومن عاشها، صعب عليه تذكرها.

يشترك عدد ممن عاصروا البحرين ما قبل الاستقلال في الانطباعات العامة نفسها عن هذه المرحلة، الحجي عاشور الذي عمل لفترة في وزارة الصحة يتمنى أن تعود أيام «الأول» بكل ما فيها. يتذكر الحجي عاشور الانجليز وهم يمرون في الأسواق ممتطين الخيول، كانت لهم هيبة كما يقول، وكان الناس «شبعانة على رغم فقرها». أما الحجي أحمد (أبويوسف) فلا يحتفظ في ذاكرته السبعينية إلا بصور إيجابية عن تعامل الانجليز معهم قبل السبعينات، كان يعرف أن عددا من البحرينيين يتعامل معهم بشكل مباشر إن كان عمله في الجيش أو الشرطة، أو شركة النفط في مرحلة لاحقة، لكن حدود الصور التي يتذكرها معهم تقتصر على صورة المستشار (في إشارة إلى بليغريف) ممتطيا جواده كل صباح يجول به بين أسواق المنامة.

«كل شيء تغير في هذا الزمان، لم نكن نشاهد البنايات تحيط بنا من كل جهة، وكنا نستطيع أن نلف في شوارع المنامة التي لم تكن مسورة بالبيوت والمباني في كل جهة، كنا فقراء لكن القليل الذي نكسبه يكفينا، أما اليوم فلم يعد يكفينا شيء». هذا ما يقوله بحسرة الحاج حسن الصفار الذي اعتاد على التجمع صباح كل يوم مع عدد من كبار السن بالقرب من مأتم مدن في وسط العاصمة (المنامة). الحاج حسن، الذي كان يعمل «أستاذا في البناء» يرى أن كل شيء في البحرين تغير عن «زمان الأول» ، زاد عدد الأجانب في «زرانيق» المنامة حتى غصت بهم، يقول: «كنا نشاهد بعض الأجانب في البحرين في السابق ولكن ليس بهذه الأعداد الكبيرة، كان طاقم الشرطة في السابق من البحرينيين، نعرفهم بقبعاتهم الحمراء و(الشورت) الذي يرتدونه باللون الكاكي، كانت الحياة بسيطة جدا وسهلة».

كل ما ذكره من عاصر تلك الفترة التي سبقت استقلال البحرين يحكي عن حقبة تاريخية صعبة على سكان البحرين، يحيط بها الفقر وسيطرة الانجليز، لكنها أيضا محاطة بالرضا والقناعة، وكثير من البركات التي تحل أينما حل عامل مجد. وترجعنا مرة أخرى إلى حديث أبو فاضل الذي استرجع ذكرياته المتناثرة من الفترة التي عاشها في البحرين قبل الاستقلال. يقول أبو فاضل ضمن ذكرياته المتناثرة «كان بلغريف حاكم البحرين الفعلي، هكذا كنا نعرفه، لا يتم شيء إلا بأمره، حتى أمور التوظيف. أخضع البلد للنظام في كل النواحي. كانت الأسعار أقل بكثير عنها اليوم، وقام بلغريف بوضع بطاقات تموين للمواطنين لكي يتجهوا للمحلات فيحصلوا على ما يحتاجون من أرز وتمور ومواد غذائية أخرى. كانت البلد منظمة جدا في السابق، ومن يخالف القانون يسجن، أما من يضبط ببيع الخمر فيجلد في ساحة سوق الأربعاء، ويدورون بالمجرم على حمار في السوق حتى يعرف الجميع ما الذي قام به من جرم». ويستطرد أبوفاضل ذكرياته قائلا «ما زلت أتذكر أيام الشيخ سلمان بن عيسى آل خليفة، كان يأتي كل أربعاء إلى مبنى البلدية في المنامة يستقبل الناس ويتلقى شكاواهم ويحلها».

لم يترك الانجليز كما يبدو ذكرى سيئة جدا في نفوس البحرينيين الذين عاصروهم قبل الاستقلال، يقول أبو فاضل «لم يكن الانجليز يتدخلون في حياتنا، كنا نراهم في الأسواق فقط، أما بلغريف فكان يتحدث العربية، وكان يتحدث مع المواطنين ويستمع إليهم». غير أن أبو فاضل يعرف أن الانجليز كانوا هم المتحكمون في كل ما يجري في البحرين من معاملات بحكم عمله في قسم المعاملات التجارية في وزارة التجارة، يقول «لم نكن نستطيع أن نسجل أي علامة تجارية من دون شهادة مختومة ومسجلة من السفارة البريطانية، بعدها انتقل التسجيل إلى بيت المستشار، ومن ثم إلى حاكم البحرين».

«ستتحسن الأوضاع في البحرين، لا بد أنها ستتحسن في النهاية فكل شيء لا بد أن يتغير»، جملة ألقاها الحاج حسن الصفار عرضا في حديثه، اختصر بها سنوات من التاريخ الذي مرت به البحرين، مستشرفا سنوات أخرى مقبلة من عمر البحرين. اختصرها مع مجموعة من أقرانه الذين يلتقون يوميا في إحدى الزوايا في المنامة. لم يشاركوا في السياسة يوما، ولم يكونوا من أصحاب الأعمال التجارية أو الاقتصادية الكبرى، كانوا يعملون، ويراقبون من بعيد. وبعد أن فات زمان العمل، استمرت المراقبة، والترقب، من بعيد أيضا.

العدد 1804 - الثلثاء 14 أغسطس 2007م الموافق 30 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً