كان كل شيء متعبا ومرهقا، ليس فقط لأن الفصل كان شتاء وصادف أن جاء باردا جدا، ولكن أيضا لأنه صادف شهر رمضان المبارك اذ يقل نشاط الناس عادة في الصباح كردة فعل «طبيعية» للصيام. وفوق هذا وذاك، وصل النشاط الانتخابي ذروته، بحملاته الانتخابية، ولقاءات المترشحين مع الناخبين، والخيم الانتخابية العامرة التي زخرت بتصريحات نارية أو بخطابات دعائية أو «غبقات» ثرية، وأيضا، بوعود لا أول لها ولا آخر.
كل ذلك وأكثر شهدته البحرين في رمضان الماضي، إذ تزامن الشهر الكريم مع مناسبة بدء الحملات الانتخابية للمترشحين، وإعداد العدة لخوض الانتخابات التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي.
عام كامل مضى على ذلك الإرهاق والتعب النفسي الذي تزامن مع كل تلك الحملات واللقاءات والخيم والوعود التي يبدو أن مصيرها كان طي النسيان، فكانت كالمنى التي عاش بها الناخبون «زمناَ رغدا» على حد قول أمير الشعراء أحمد شوقي.
تنافس المرشحون بين بعضهم بعضا فيما أطلقوه من وعود، ثم نجح بعضهم ووصل إلى قبة البرلمان، بتشكيلة برلمانية إسلامية/ تكتلية بامتياز، لم يكن نصيب المستقلين منها إلا النذر اليسير من المقاعد البرلمانية. ومر دور انعقاد برلماني كامل، فأين وصلت وعود من وصلوا إلى القبة للناس الذين أوصلوهم بالأساس؟
لأن الفائزين بالكعكة البرلمانية كانوا في المجمل منتمين لتيارات سياسية إسلامية تسيطر على الساحة المحلية، جاءت الوعود «بالجملة» من المرشحين المنتمين لهذا التيار أو ذاك. فمن وعود بماركة «وفاقية» إلى وعود بماركة «منبرية» أو «أصالية». وبين وعد وآخر، قدم الناخب صوته، وبقي ينتظر، وينتظر طويلا لعله يجد أيا من تلك الوعود حقيقة يوما ما، ولو في الحلم!
وعود بماركة «وفاقية»
جاءت مشاركة الوفاق بعد قطيعة وجفاء للمجلس الوطني، فبدأت برنامجا انتخابيا موحدا وزعه كل مترشحيها كل في منطقته، حدد البرنامج الأهداف الرئيسية لمشاركة الوفاق في عدة نقاط. اتصف بعضها بكونه فضفاضا جدا ولا يمكن مسك أي من أطرافه مثل «تعزيز الحريات العامة من خلال حماية العمل الأهلي وممارساته القائمة، وفرض المساواة في التوظيف والترقية وتقديم الخدمات للمواطنين في المناطق، حماية المال العام ومحاربة الفساد المالي والإداري والتقليل من سرقة المال العام، إيصال الصوت المعارض للعالم الخارجي من خلال المجلس وأعضائه»، وهي كلها أهداف لا يمكن تحديد مدى الإنجاز فيها بالقلم والمسطرة، إذ كانت مواقف الكتلة الوفاقية في المجلس إجمالا داعمة لكل الأهداف سابقة الذكر، وإن لم تنجح إجمالا في تحقيق إنجاز ملموس لأي منها».
إلى جانب ذلك، كانت هناك أهداف محددة جدا لمشاركة الوفاق في الانتخابات على رأسها «الوصول إلى توافق دستوري جديد، تصحيح وضع الدوائر الانتخابية والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، منع صدور قوانين قمع الحريات مثل التجمعات والإرهاب وغيرها، إصدار قوانين إيجابية مثل الضمان الاجتماعي والضمان ضد التعطل وقانون ملكية الأراضي».
ولعل مواقف الكتلة الوفاقية داخل المجلس الوطني طوال دور الانعقاد الأول تتراوح بين هذه الأهداف، فموضوع الدوائر الانتخابية لم يفتح مثله مثل موضوع التعديلات الدستورية وقوانين قمع الحريات. حاولت الكتلة رفع موضوع ملكية الأراضي في عدة مناسبات وعبر عدة آليات، أهمها مشاركتها الرئيسية في لجنة التحقيق في الجزر والفشوت، وعلى رغم موقف الكتلة الداعم لقوانين التأمين ضد التعطل، قامت إلى جانب غيرها من الكتل بإقرار سحب نسبة 1 في المئة من رواتب الموظفين في القطاعين الأمر الذي ألب عليها مؤيدوها.
وحددت الوفاق أيضا موضوع «إعادة توزيع الموازنة لصالح وزارات الخدمات على حساب الإنفاق على العسكرة» كهدف رئيسي آخر لمشاركتها، ولا ننسى في هذا الصدد السؤال الذي طرحه النائب عبدالجليل خليل بخصوص موظفي قوة دفاع البحرين الذي قوبل بالرفض من قبل مكتب مجلس النواب. أما الهدف الأخير الذي حددته الوفاق فكان إصلاح القوانين السلبية الموجودة (العقوبات- الجنسية - الجمعيات السياسية - الصحافة)، ومن الواضح أن الكتلة الوفاقية لم تتحرك على أي من هذه الملفات طوال دور الانعقاد الأول.
ملفات وفاقية «متفاوتة»
من أبرز الملفات التي كرر مرشحو الوفاق الحديث عنها في حملتهم الانتخابية كان فتح ملف «التقرير المثير»، التي حاولوا فعلا فتحه من داخل المجلس عبر طلب استجواب وزير شئون الدولة الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة، لكنهم لم ينجحوا في ذلك بعد أن فشلوا في تحقيق النصاب المطلوب للاستجواب.
ولعل من المناسب في هذا الصدد أن نستذكر بعض الملامح العامة التي وضعتها الوفاق في برنامجها الانتخابي الذي دعا به كل مترشحيها طوال فترة الانتخابات، لقياس مدى استطاعة الكتلة الوفاقية المكونة من 17 نائبا أن تحقق شيئا يذكر من تلك النقاط.
أبرز المحاور المعلنة كان «السعي إلى تحقيق تداول السلطة في ظل ملكية دستورية على غرار الملكيات العريقة» وهو مرة أخرى ملف التعديل الدستوري الذي لا تزال تأبى الوفاق أن تفتحه على رغم تأكيدها مرارا وتكرارا أنه قادم لا محالة. كان من أبرز المحاور أيضا «إصلاح النظام القضائي بحيث يتمتع باستقلالية تامة»، في هذا الصدد قدمت الوفاق عددا من الأسئلة لوزير العدل، ولكن لم يتم إنجاز شيء حقيقي في هذا الملف. موضوع آخر يبدو مهما جدا هو «السعي لتحقيق مشروع العدالة الانتقالية حتى تتحقق مصالحة وطنية واقعية»، وفي هذا المحور قامت الوفاق بمبادرات مع الناشطين في هذا الملف خارج نطاق المجلس، أما داخله فلم يكن الإنجاز واقعيا، وربما نستذكر هنا الزوبعة التي أثارها النائب الوفاقي محمد مزعل بشأن الاقتراح الذي تقدم به رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني لتعويض المباني المتضررة من حوادث التسعينات، وما استقر عليه الأمر أخيرا في تقديم اقتراح مشترك لتعويض كل المتضررين من ضحايا التسعينات.
أحد أبرز المحاور الأخرى كانت «العمل على إزالة معوقات الاقتصاد البحريني والسعي نحو تحقيق الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص»، ولعلنا نذكر نشاط الكتلة الوفاقية في عدد من الملفات هنا أهمها قطاع النفط والغاز، ومشكلة شركة طيران الخليج، غير أن فتح هذه الملفات لم يكن وفاقيا بحتا، إذ تشاركت فيه مع باقي الكتل.
كان من أبرز الملامح الأخرى للبرنامج الانتخابي «التنمية الاجتماعية والمستوى المعيشي ومعالجة حالة الفقر، البطالة، التنمية بعد التعليم، التنمية في البعد الصحي، التنمية في البعد الإسكاني، الاهتمام بقضايا المرأة، تطوير العنصر الشبابي والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، التجنيس والتمييز الطائفي» وهي كلها ملفات عامة يصعب قياس الإنجاز فيها كذلك، غير أن من الواضح أن بعض هذه النقاط لم تلق اهتماما « خاصا» بعد من جانب الكتلة الوفاقية أهمها قضايا المرأة، الشباب وذوو الاحتياجات خصوصا، والتجنيس.
وعود «منبرية» بطابع «خدمي»
لم تكن جمعية المنبر الوطني الإسلامي - التي دخلت الانتخابات الماضية بقائمة موحدة مع كتلة الأصالة الإسلامية للمرة الأولى في تاريخهما - محددة بشكل كبير في برنامجها الانتخابي. فقد حمل البرنامج خطوطا عريضة وعامة ركزت على مفاهيم الوحدة الوطنية والديمقراطية والعمل على حماية حقوق الإنسان.
بالنظر إلى مشروعات المنبر التي تقدمت بها عبر الأسئلة أو الاقتراحات برغبة أو بقانون يتضح أنها حملت إجمالا الطابع الخدمي، وتنوعت بين المشكلة الإسكانية، والمشكلات المعيشية للمواطنين، علاوة على قضايا الموظفين وزيادة الرواتب. لم يكن لمرشحي المنبر وعود سياسية مباشرة لناخبيهم، إذ ضربوا على «الوتر الخدمي» بامتياز، الأمر الذي انعكس على أدائهم في دور الانعقاد الأول في المجلس. وكان لقائمة المنبر نصيبها من الأهداف العامة والفضفاضة أيضا، مثل «بذل كل الجهود الممكنة لدفع إقليم الجزيرة العربية نحو التكامل الاقتصادي والتوحد التدريجي، وتبني القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وحماية وحدة العراق واستقلاله والوقوف صفا واحدا في مواجهة المشروعات الطائفية والتجزيئية»، ولا يمكن قياس مدى الإنجاز في ذلك بواقعية، على رغم وجود مواقف داعمة للوحدة الخليجية من قبل كتلة المنبر البرلمانية، وخصوصا في الموضوعات الاقتصادية (استيراد الغاز من قطر وجسر المحبة مثالا).
الأصالة ووعود غير سياسية
على رغم اختلاف برنامجها الانتخابي عن حليفها «اللدود» - المنبر الإسلامي-، اتخذت الوعود التي أطلقها مرشحو قائمة الأصالة في الانتخابات الماضية الطابع الخدمي نفسه. لم تكن هناك أية برامج سياسية مباشرة وجهت للجمهور، وتركز حديث مترشحي الأصالة لناخبيهم بشأن المشكلة الإسكانية وتقديم حلول جذرية لها، ورغبتهم في مواصلة جهودهم التي بدأت في المجلس السابق التي تكللت بإصدار قانون الضمان الاجتماعي الذي يخدم 12 فئة مختلفة.
«الرمز الروحي» للكتلة النائب عادل المعاودة طرح في برنامجه الانتخابي مثلا مجموعة من المشروعات بقوانين التي عمل عليها في مجلس النواب في دورته السابقة، التي تركزت في محاور تحسين المستوى المعيشي للمواطن، ومعالجة المشكلة الإسكانية، و ما أطلق عليه «أسلمة القوانين» ، وتحسين أوضاع المرأة وأوضاع المتقاعدين. كان المعاودة عاما في تحديد أهدافه كغيره من أعضاء كتلته، ولا يمكن تماما قياس مدى الإنجاز كذلك في أي من الملفات المطروحة. غير أن ما يقال عن المنبر ينسحب على الأصالة أيضا، إذ رفعت الكتلة الشعار الخدمي المناطقي أحيانا في كثير من الموضوعات التي طرحتها، ودفعت مع غيرها من الكتل بموضوع زيادة الرواتب، لكنها لم تتحرك في موضوع تحسين أوضاع المرأة. كانت الكتلة فاعلة جدا في موضوع «لجنة التحقيق في ربيع الثقافة» وهو ما يصب في إطار برنامجها «الإسلامي» العام، كما كانت فاعلة في موضوع « لجنة التحقيق في فشتي الجارم والعظم» وهو ما يصب في إطار مكافحة الفساد.
العدد 1838 - الإثنين 17 سبتمبر 2007م الموافق 05 رمضان 1428هـ