العدد 1845 - الإثنين 24 سبتمبر 2007م الموافق 12 رمضان 1428هـ

الشراكة بين «المجتمع المدني» والحكومة شرط لـ«الإنصاف والمصالحة»

الحكومة لم تلبِّ دعوة «التحالف» لحضور الورشة... «الدولي للعدالة الانتقالية»:

أكدت نائب مدير المركز الدولي للعدالة الانتقالية في الشرق الأوسط ميراندا سيشونز أن خلق الشراكة بين عدد من القطاعات في المجتمع يعتبر شرطا رئيسيا لتحقيق خطوات إيجابية على صعيد الانصاف والمصالحة، ومن أهمها مؤسسات المجتمع المدني والدولة، ناهيك عن حاجة هذه القطاعات لاستراتيجية محددة وخلفية جيدة عن العدالة الانتقالية وإصرار على احترام الحقائق التي تم الحصول عليها بشأن انتهاكات حقوق الانسان مهما كانت، مؤكدة ضرورة أن يكون هذا العمل التكاملي عملا وطنيا وارتباطا طويل المدى.

جاء ذلك خلال ورشة «البحث عن الحقيقة» التي بدأت فعالياتها مساء أمس الاثنين في فندق رامي انترناشيونال، والتي نظمها التحالف من أجل الحقيقة والإنصاف والمصالحة، والذي تمثله 11 جمعية سياسية، بالتعاون مع المركز الدولي للعدالة الانتقالية في الفترة من 24 - 27 سبتمبر/ أيلول الجاري، وذلك لمناقشة قضية آليات توثيق قضايا ضحايا التعذيب في البحرين من خلال الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال.

ووجهت اللجنة المنظمة للورشة الدعوة إلى كل من وزارة الخارجية ووزارة التنمية الاجتماعية وأعضاء مجلس النواب لحضور الورشة، غير أن الفعالية لم يحضرها أي ممثل عن الحكومة.

واضافت سيشونز أن تحقيق العدالة الانتقالية من شأنه أن يمنح المجتمعات التي عانت من انتهاكات في حقوقها القدرة على العيش مع الآخر من جديد، ناهيك عن قدرتها على جعل المتعرضين لانتهاكات حقوق الانسان قادرين على مواجهة إرث العنف الذي تعرضوا له في السابق، ما من شأنه أن يخلق قنوات من الثقة بين المواطنين والدولة.

وأضافت، أن تطبيق العدالة الانتقالية يحقق التوازن الصحيح بين أولويات العدالة والتعويض عن الأخطاء التي حدثت في الماضي من جهة، وخدمة وحماية التطور السياسي والاجتماعي في المجتمعات من جهة أخرى، وأن عمليات التحول الديمقراطي التي تمت من دون النظر إلى الخلف إنما كانت محصلتها محدودة.

وأشارت إلى أن نظام الدول الذي يعد بتحقيق الحريات العامة ويتجاهل تحقيق العدالة الانتقالية إنما هو نظام متناقض، وخصوصا أن الأشخاص الذين عانوا من انتهاكات حقوق الانسان لم يمكنهم أن ينسوا ما عانوه في الماضي، بل أن المجتمعات وليس الأفراد فقط لاتزال تطاردهم هذه الانتهاكات لمدة طويلة.

ومن جهته، ذكر الناطق الإعلامي باسم التحالف من أجل الحقيقة والإنصاف والمصالحة عبدالله الدرازي، أن التحالف بصدد تشكيل هيئة أهلية غير رسمية للانصاف والمصالحة، داعيا الحكومة إلى الاعتراف بهذه الهيئة ككيان، وبتشكيل هيئة رسمية للانصاف والمصالحة في مرحلة لاحقة، أسوة بما حدث في التجربة المغربية.

وحمّل الدرازي الدولة مسئولية معالجة الملفات الحقوقية والإنسانية العالقة منذ زمن، ومن بينها انتهاكات حقوق الانسان التي تعرض لها عدد غير قليل من المواطنين في عقود سابقة، مؤكدا أن الجمعيات التي شكلت التحالف لا تسعى لخرق العجلة وإنما للاقتداء بتجارب الدول الأخرى على صعيد الانصاف والمصالحة، مستشهدا بالتجارب في تشيلي وبيرو، وكذلك المغرب التي رصدت فيها الحكومة مع انتهاء عمل الهيئة الأهلية للانصاف والمصالحة مبلغ تعويضات يصل إلى 150 مليون يورو دفعت لضحايا انتهاكات حقوق الانسان.

وأوضح الدرازي أن تحالف الانصاف والمصالحة الذي شكل بعد ورشة العدالة الانتقالية التي عقدت في شهر يونيو/ حزيران الماضي، تأسس بغرض إعلان الهيئة الأهلية للانصاف والمصالحة في تاريخ 10 ديسمبر/ كانون الأول المقبل تزامنا مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان، منوها بأن التحالف سيعقد ورشة أخرى بشأن توثيق حالات الانتهاكات وجمع المعلومات عن الضحايا المباشرين وغير المباشرين.

«العدالة الانتقالية»... نظرية السعي لمستقبل أكثر عدالة وديمقراطية

نوقشت في اليوم الأول لافتتاح ندوة «البحث عن الحقيقة» ورقة عمل ركزت على الخلفية التاريخية للعدالة الانتقالية ونظريتها، وأكدت الورقة اهتمام مجال العدالة الانتقالية بتنمية مجموعة واسعة من الاستراتيجيات المتنوعة لمواجهة إرث انتهاكات حقوق الانسان في الماضي، وتحليل هذه الاستراتيجيات وتطبيقها عمليا بهدف خلق مستقبل أكثر عدالة وديمقراطية.

وتهدف العدالة الانتقالية إلى التعامل مع إرث الانتهاكات بطريقة واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية، وعدالة إصلاح الضرر، والعدالة الاجتماعية والاقتصادية. وترتكز كذلك على اعتقاد مفاده أن السياسة القضائية المسئولة يجب أن تتضمن تدابير تتوخى هدفا مزدوجا وهو المحاسبة على جرائم الماضي ومنع الجرائم الجديدة، مع الأخذ في الاعتبار الصفة الجماعية لبعض أشكال الانتهاكات.

وتشير الورقة إلى مبررات مواجهة انتهاكات حقوق الانسان، التي لخصتها في عدة نقاط من بينها: تقوية الديمقراطية، إذ يعتبر الكثير من الأشخاص أن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم على أساس أكاذيب، وأن جهودا مستمرة ومنطقية وتوافقية لمواجهة الماضي يمكن أن تؤدي إلى ديمقراطية أكثر قوة، ويتم ذلك من خلال إرساء المحاسبة وبناء ثقافة ديمقراطية. ويتمثل المبرر الآخر في مواجهة الانتهاكات بالواجب الأخلاقي في مواجهة الماضي، إذ يرى نشطاء حقوق الإنسان أن هناك واجبا أخلاقيا في التذكر ولقبول الضحايا والاعتراف بهم كضحايا، وخصوصا أن نسيان الضحايا والناجين من الفظائع يعتبر شكلا من أشكال إعادة الإحساس بالظلم والإهانة.

أما المبرر الثالث فيتمثل في استحالة تجاهل الماضي، ما يتطلب إظهاره بطريقة بناءة وشفافة، فيما المبرر الأخير لمواجهة انتهاكات حقوق الانسان يقوم على منع مثل هذه الانتهاكات في المستقبل، وأن ذلك لن يتحقق إلا بخلق نوع من الردع والمطالبة بمحاسبة المنتهكين. وأشارت الورقة التي عرضت خلال الندوة إلى عناصر العدالة الانتقالية، والتي أشارت إلى أن العدالة الانتقالية تقوم على معتقد مفاده أن المطالبة بالعدالة الجنائية ليست شيئا مطلقا، ولكن يجب أن تتم موازنتها بالحاجة إلى السلم والديمقراطية والتنمية العادلة وسيادة القانون، ويعتبر كذلك أنه في السياقات الانتقالية قد تكون هناك بعض القيود العملية على قدرة بعض الحكومات على اعتماد إجراءات قضائية خاصة.

وبينت ورقة العمل أن هذه القيود تشمل نقصا في الموارد البشرية والمادية أو نظاما قضائيا ضعيفا أو فاسدا، أو سلاما أو انتقالا ديمقراطيا هشا أو نقصا في الأدلة الجنائية أو وجود عدد كبير من مرتكبي الأفعال أو عدد كبير من الضحايا أو عراقيل مختلفة قانونية او دستورية مثل قوانين العفو. غير أن هذه القيود، وفقا لمفهوم العدالة الإنتقالية، لا تعتبر عذرا يبرر به عدم القيام بأي شيء، بل كلما تحسنت وضعية أحد البلدان مع مرور الوقت، يتوقع من الحكومة التي تليها أن تحاول إصلاح المظالم الناجمة عن القيود السابقة.

وتركز العدالة الانتقالية على خمسة مناهج أولية لمواجهة انتهاكات حقوق الانسان الماضية والمتمثلة في المحاكمات المدنية أو الجنائية أو الوطنية أو الدولية المحلية والخارجية، والبحث عن الحقيقة وتقصي الحقائق سواء من خلال تحقيقات رسمية وطنية مثل لجان الحقيقة أو لجان التحقيق الدولية أو آليات الأمم المتحدة أو جهود المنظمات غير الحكومية، والتعويض الرمزي أو العيني أو إعادة التأهيل، والإصلاح المؤسسي، وإقامة النصب التذكارية وإحياء الذاكرة الجماعية.

وأكدت الورقة كذلك أن العدالة الانتقالية تعتبر نتاجا للخطاب الدولي بشأن حقوق الإنسان وتشكل جزءا منه، وينبغي الاهتمام ببعض المشكلات المحتملة التي قد تترتب على ذلك، ويرى البعض أن حركة حقوق الانسان الدولية قد تفشل في مواجهة القضايا الرئيسية في حل النزاعات والتنمية واستبعاد بعض الأطراف المحلية أو مجتمعات بأكملها. كما تحذر من احتمال أن تؤدي هيمنة خطاب حقوق الانسان في التنمية إلى اقصاء الخطابات والمناهج البديلة في حل النزاعات، وقد تفشل كذلك في إظهار مدى تنوع الأصوات والتجارب، ناهيك عن أن التنوع يواجه المناوأة بسبب الإطار المجرد والعالمي الذي توضع فيه حقوق الإنسان والذي يفرض تصنيفا واضحا لجميع الأطراف، كضحايا مثلا أو مرتكبين. كما أشارت الورقة أيضا إلى أن وضع الدولة في مركز تتولى فيه تحديد المشكلة وحلها قد يؤدي إلى تخلي الأفراد بشكل أكبر عن دورهم في تحمل مسئولية إيجاد حل والبحث عن طرق بديلة لبلوغ الحل، ناهيك عن أن التركيز على الدولة لا يعير الاهتمام إلى مساوئ المجال العام مع تجاهل مساوئ الخاص، وبالتالي فإن ذلك لا يعتبر فقط من الأسباب الجذرية لانتهاك حقوق الانسان المحتمل تجاهلها، وإنما تحظى مشكلات القطاع الخاص ضمنيا بالمشروعية جراء ذلك.

العدد 1845 - الإثنين 24 سبتمبر 2007م الموافق 12 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً