حتى يتولد لدى المرء تصور واضح عن حجم العجز في موازنة ثالث أكبر اقتصاد في العالم يمكن تبسيط الوضع على الشكل الآتي: من أجل سد العجز في الموازنة الحالية يجب على وزير المالية هانس آيشل أن يلغي جميع المبالغ المخصصة للدفاع وإنشاء الطرق السريعة وأن يتراجع عن قرارات مهمة تتعلق بإصلاح سوق العمل والتي تقرر على ضوئها تخفيض في الضرائب. إلا أن الوزير يحاول حل المشكلة على طريقته الخاصة، فهو يقوم بالاقتراض، الأمر الذي يشكل زيادة مضطردة في حجم ديون الدولة، كما أنه قام على نطاق واسع ببيع ممتلكات الدولة الى القطاع الخاص.
عائدات الدولة في تناقص
مشكلة المشكلات في الأمر هو أن العائدات الإجمالية للدولة لا تكفي حتى لتغطية النفقات الضرورية القائمة. فرواتب المتقاعدين وموظفي القطاع العام والعاطلين عن العمل تكلف خزينة الدولة ما يقارب 208 مليارات يورو سنويا، في حين بلغ حجم عائدات الضرائب 187,2 مليار يورو فقط. وعند حساب النفقات الأساسية للدولة هذا العام، تبين أن حجم النفقات يفوق العائدات بـ 20,4 مليار يورو، هذا بالإضافة الى 40 مليار يورو أعلنت الحكومة انها عازمة على استثمارها في مجالات مختلفة من دون الإشارة الى كيفية توفير أو اقتطاع هذا المبلغ. وعادة ما يشير الخبراء الماليون إلى مثل هذا الوضع بـ «العجز الهيكلي»، ويعني الفارق بين العائدات المنتظمة للدولة والنفقات الحالية. هذا الفارق آخذ بالتزايد عاما بعد عام، الأمر الذي يبين بوضوح أن الدولة تنفق أكثر من إمكاناتها بكثير.
البطالة فيروس الاقتصاد
البطالة كانت أهم موضوعات السجالات بين الحكومة والمعارضة. إحدى المخاطر الكبيرة التي تواجه الاقتصاد الألماني تتمثل في عدد العاطلين عن العمل والذي تجاوز حاجز الـ 5 ملايين شخص. وزير المالية آيشل وضع في حساباته هذا العام ضخ 33,3 مليار يورو لدفع إعانات البطالة وتمويل بعض الإجراءات المترتبة على إصلاحات سوق العمل وفقا لما أصبح يعرف باسم « إصلاحات هارتس 4»، الا أن الوزير أخطأ على ما يبدو في حساباته بشأن حجم المبلغ المطلوب إنفاقه. فقد تبين له أن الإصلاحات المذكورة تكلف 10 مليارات يورو اكثر من المتوقع، كما أنه تطلّب زيادة التحويلات الاتحادية المخصصة «للوكالة الاتحادية للعمل» بواقع مليار يورو إضافي. ويتوقع ان تبلغ نفقات الدولة الإجمالية على سوق العمل خلال هذا العام حوالي 45 مليار يورو، وهذا يعني ضعف المبالغ المنفقة سنة 1998. أما سبب ذلك فيكمن في الارتفاع المضطرد لعدد العاطلين عن العمل والذي ترتب علية زيادة ارتفاع حجم إعانات البطالة مع انخفاض حجم الضرائب المحصلة.
رواتب التقاعد تلتهم الكثير
تشكل المبالغ المخصصة للضمان الاجتماعي أكبر حصة على الإطلاق في خزينة الدولة، فقد قامت وزارة المالية بدفع مبلغ 80 مليار يورو هذا العام كرواتب منتظمة للمتقاعدين، بينما بلغت نفقاتها في هذا المجال العام 1998 حوالي 51,4 مليار يورو. ومن المعروف أن هناك مشكلة خطيرة تواجه المجتمع الألماني وهي انه مجتمع هرم مع تناقص مستمر في عدد الشباب الملتحقين بالعمل والذين يسددون لخزينة الضمان الاجتماعي. هذا يعني من جهة تزايد نفقات الدولة في قطاع الضمان الاجتماعي في الوقت الذي تتراجع فيه عائدات الولة لهذا القطاع. وحسب بيانات وزارة المالية تشكل نفقات الضمان الاجتماعي والبطالة 47 في المئة من إجمال نفقات الدولة، ما يعني أن واحدا من كل اثنين يورو يُصرف على المتقاعدين والعاطلين عن العمل.
الفوائد المترتبة على الديون
تقوم الدولة بدفع مبالغ طائلة كل عام كفوائد على القروض التي تراكمت منذ سبعينات القرن الماضي. ويبلغ حجم الديون الذي يتوجب دفعها في يوم من الأيام 881 مليار يورو، أما بالنسبة لحجم الفوائد المترتبة دفعها سنويا فيبلغ نحو 30 مليار يورو. وهذا يشكل خمس المبالغ التي تجنيها الدولة جراء تحصيل الضرائب. ويزيد حجم الفوائد السنوية عن المبالغ التي قامت الدولة باستثمارها هذا العام والتي لم تتجاوز 22 مليار يورو.
إذا ما تمكن الحزب المسيحي الديمقراطي من الفوز بالانتخابات المقبلة فهذا يعني أن أرقاما مرعبة بانتظار وزير المالية الجديد. ويعتقد الخبراء أن تخفيض حجم العجز في موازنة الدولة بحيث يتوافق مع معايير معاهدة ماسترخت، التي تنص على ألا تزيد مديونية الدولة على 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لا يكمن أن يتحقق الا بتضافر الجهود كافة ووضع برنامج عمل تشترك فيه كل من الحكومة والمعارضة وأرباب العمل ونقابات العمال على السواء. يجب على كل جهة أن تتنازل بعض الشيء، والا سيجرف التيار الجميع معه.
العدد 1853 - الثلثاء 02 أكتوبر 2007م الموافق 20 رمضان 1428هـ