تسارعت وتيرة التعاون الاقتصادي البحريني الإيراني خلال السنوات الأخيرة بصورة ملحوظة، واستحوذ ملف العلاقات الاقتصادية على نصيب كبير من المفاوضات والمباحثات والاجتماعات المشتركة بين الجانبين، إذ أسهمت في تحقيق الكثير من المشروعات التجارية والاستثمارية المشتركة التي أدت بدورها إلى تحقيق نمو ملحوظ في ميزان التبادل التجاري بين البلدين منذ انطلاق مسيرة العلاقات الجديدة في عهد عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في العام 1999.
ولا شك في أن الزيارة المرتقبة لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمود أحمدي نجاد لمملكة البحرين ستكون رافدا جديدا لدفع التعاون الاقتصادي بين البلدين نحو تنفيذ كل ما تمّ الاتفاق عليه في الاجتماعات والمباحثات التجارية المشتركة، ونقلها من إطار الاتفاقات ومذكرات التفاهم إلى الواقع العملي الذي يجعلها مشروعات ملموسة تؤتي ثمارها وعائدها على الجانبين.
ومما يزيد من حجم التفاؤل في تحقيق المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين، تلك العوامل المساعدة والمميزات الخاصة التي تتمتع بها البلدان، فالبحرين تنتهج سياسات اقتصادية منفتحة أهلتها لتبوء مكانة متقدمة في مؤشر الحرية الاقتصادية عالميا وجذبت إليها رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار بالإضافة إلى كونها مركزا ماليا رئيسيا في منطقة الشرق الأوسط وتتوافر فيها القوانين والتشريعات التي تسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية فضلا عن كونها بوابة لمنطقة الخليج والشرق الأوسط، بالإضافة إلى حال الاستقرار السياسي الذي تشهده بفضل التوجهات الإصلاحية لجلالة الملك.
وبالمثل فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبحسب تصريحات وكيل وزارة الخارجية الإيرانية على رضا شيخ عطار الذي زار البحرين نهاية الشهر الماضي قد شهدت في الآونة الأخيرة تطورات مهمّة ساهمت في فتح أبواب الاستثمار أمام رؤوس الأموال الأجنبية وإطلاق حرية التملك الكاملة للأجانب، كما اتجهت الحكومة نحو تطبيق سياسية الخصخصة لعدد من القطاعات الاقتصادية مع توفير ضمانات لحماية الاستثمارات الأجنبية التي وصل حجمها بحسب المسئول الإيراني إلى 9.5 مليارات دولار بنهاية النصف الأول من العام الجاري مع توقعات بأن تصل إلى 15 مليار دولار بنهاية العام.
وبحكم مساحتها الجغرافية وتعدادها السكاني البالغ 70 مليون نسمة فإن إيران تعد سوقا كبيرة وواعدة من شأنها بثّ النشاط والحركة في القطاع التجاري في البحرين التي تعد من أقرب دول مجلس التعاون الخليجي الست لطهران. وكل المعطيات السابقة للواقع الاقتصادي في البلدين تشير إلى أن هناك أرضية مشتركة للتعاون بينهما على أساس تحقيق المصالح المشتركة.
ومن المتوقع أن ترسي الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إلى البحرين أسسا لتحقيق قفزة كبيرة في حجم التبادل التجاري بين البلدين وخصوصا في ظل الحديث عن مساعي البلدين الحثيثة لإبرام اتفاقية للتجارة الحرة بينهما التي من شأنها تأطير وتسريع وتيرة النشاط التجاري والمشروعات الاقتصادية الكبرى، وهو ما كشف عنه السفير الإيراني لدى البحرين حسين أمير عبدالليهان في أول لقاء صحافي له في سبتمبر/ أيلول الماضي عقب تسليم أوراق اعتماده، وخلال اللقاء نفسه أبدى السفير الإيراني استعداد بلاده لتوسيع علاقاتها مع مملكة البحرين في المجالات كافة، مشيرا إلى أنه سيسعى إلى ترتيب زيارات على مستوى القمة، مشيدا بما لمسه من نية صادقة لدى القيادة البحرينية لتوسيع العلاقات مع بلاده.
ومما يذكر في هذا المقام أن حجم التبادل التجاري غير النفطي بين مملكة البحرين وجمهورية إيران الإسلامية ارتفع من 12,7 مليون دينار العام 2004 إلى 37,5 مليون دينار العام 2005م أي بزيادة قدرها 195,3 في المئة، كما حافظ على المستوى نفسه في نهاية العام 2006، إذ بلغ 37,6 مليون دينار، وتشكل التجارة البينية بين البلدين نحو 1,3 في المئة من حجم التبادل التجاري غير النفطي لمملكة البحرين مع العالم الخارجي، ما يؤكد أن إيران شريكا تجاريا مهما للمملكة.
وقد كان للجنة المشتركة بين البحرين وإيران واللجان الفرعية المنبثقة عنها وهي لجنة الاقتصاد، ولجنة النفط، ولجنة الغاز هي الأخرى نشاطا ملحوظا تحرّكه الملفات المطروحة للنقاش والبحث وأهمها الاستثمار في مجال النفط وتصدير الغاز الإيراني إلى البحرين، ووقع الطرفان خلال الزيارات المتبادلة عددا من الاتفاقات أهمها التعاون الاقتصادي والتجاري والفني وتشجيع الاستثمارات وحمايتها وتفادي الازدواج الضريبي وغيرها.
وتأتي مسألة توريد الغاز الإيراني لمملكة البحرين على رأس مجالات التعاون الاقتصادي التي جرى بحثها في عدة لقاءات ثنائية خلال الفترة الماضية، ومن المنتظر أن يسهم هذا التعاون في إيجاد علاقات اقتصادية وتجارية وثيقة وطويلة الأجل بين البلدين، وسيعود مردودها بالنفع في مختلف المجالات التي تدخل فيها صناعة الغاز عنصرا أساسيا، وكانت اللجنة الفنية المشتركة بين مملكة البحرين والجمهورية الإسلامية الإيرانية للتعاون في مجال الغاز الطبيعي قد عقدت اجتماعاتها الأولى في المنامة في سبتمبر الماضي، بمشاركة مسئولين كبار بقطاعي النفط والغاز في البلدين، وأكد الجانبان خلال الاجتماعات أهمية التوصل إلى صيغة عملية لتأمين تجارة الغاز بين البلدين بما يؤدى إلى توقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين بهذا الشأن تفضي لتأسيس علاقة تجارية واقتصادية وثيقة بين البلدين فيما يتعلق بتصدير الغاز الإيراني إلى مملكة البحرين.
ولا شك في أن البيئة الاقتصادية مواتية للاتجاه نحو استغلال فرص القطاعات الاقتصادية النشطة في البلدين لتنفيذ عدد من المشروعات المشتركة وخصوصا في القطاع المالي والمصرفي الذي تتمتع فيه البحرين بميزة نسبية تتمثل في الخبرة الواسعة التي جعلت منها قبلة للمصارف عموما والإسلامية منها خصوصا، ما يجعل من إمكانات الانفتاح على السوق الإيرانية والإسهام في عمليات الاستثمار المختلفة التي يتبناها القطاعان العام والخاص في البلدين أمرا مشجعا، إذ تعوّل قيادة البلدين على القطاع الخاص في تنشيط عمليات التبادل التجاري ودعم النشاط الاستثماري في كلا البلدين.
وإلى جانب القطاع المالي فإن الآمال معقودة على أن تدفع زيارة الرئيس الإيراني باتجاه تنشيط كل أوجه النشاط التجاري؛ إذ يمكن للجانب الإيراني الاستفادة من مركز البحرين باعتباره نقطة لتجارة الترانزيت وزيادة إعادة التصدير من البحرين إلى إيران وزيادة حجم التبادل التجاري والتدفقات الاستثمارية والتجارية بين القطاعين الخاص في كلا البلدين بالإضافة إلى أن البيئة مهيأة لإبرام اتفاقات تعاون في مجالات الصناعات المختلفة.
العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ