جروا الخطى من خيام عرفة سائرين في طريق طويل مرورا بالمزدلفة لبلوغ منطقة رمي الجمرات وخلال ذلك الطريق استحضروا بعض همسات قدامى الحجاج لبعضهم بعضا عن حكايات موت البعض دوسا تحت الإقدام أثناء رمي الجمرات ولوهلة خيل لهم أن ما يقال مبالغ فيه بيد أن تلك الهمسات ما لبثت أن أمست واقعا شهدوه بأم أعينهم عندما تعثرت خطى أحدهم ليقع على الأرض وتنهال عليه أكوام من البشر فتخلق جبلا بشريا فوقه ولم تنقذه من موت محدق سوى رحمة الله بحجاج بيته وسواعد أصحابه.
حلت صبيحة يوم العيد معلنة موعد خروج حجاج بيت الله من المزدلفة قاصدين منى لرمي الجمرة الأولى (جمرة العقبة الكبرى) وبازدحام الحجاج تزدحم سطور الذكريات لتسطر تلك اللحظات التي تسجل أولها الحاجة (ز.ع) موقفا حدث لها عندما همت بتنفيذ نصيحة والدتها التي سبق أن وصتها بالمحافظة على كيس جمراتها وعدم التفريط به لحين إنهاء عملية الرمي معزية ذلك إلى تعذر العودة للوراء لجمع المزيد من الجمرات نظرا لشدة الزحمة فما كان منها سوى مسك الكيس محكمة عليه بيديها حتى رمت الجمرة الأولى وجرت أذيالها فرحة لسماعها نصيحة والدتها وهي ترى تدافع الحجاج للعودة لجمع المزيد من الجمرات وما يلاقونه من مشقة.
حديثو العهد بموسم الحج ومناسكه هم أكثر عرضة لمشاقة، إذ عمد أحد الحجاج(س.س) إلى حمل هاتفه التنقل خوفا من أن يتوه فيكون هاتفه وسيلة الاتصال التي ترشده لمكان تجمع أقرانه من الحجاج بيد أنه لم يعِ أن أكثر ما يستطيع حمله أثناء رمي الجمرات هو كيس الجمرات فقط ليمضي قدما حاملا هاتفه وكيسه ونظرا لخوفه من وقوع الكيس ونتيجة لتزاحم الناس سقط هاتفه على الأرض ولعب هو دور المتفرج من بعيد على هاتفه الذي تلف دوسا بالأقدام ولم يجرأ ولو للحظة بالتفكير بالانحناء لالتقاطه خوفا من أن يكون مصيره كمصير هاتفه.
فقدان الحقائب والحجاج
الطريق المؤدي إلى منى طويل جداَ وما يلفت النظر فيه تزاحم الحقائب على طرفيه ووجود الكثير من الحجاج الذين آثروا أخدا قسطا من الراحة استعدادا لأداء منسك من مناسك الحج الصعبة، في إحدى الحملات وجه مرشدها عددا من النسوة بترك بعض أمتعتهم والتي سبق أن حملوها معهم ولاسيما أن اثنتين من النساء طلبتا الجلوس وأنابتا المرشد لرمي جمراتهما ووعدهما المرشد بالعودة للحقائب والنساء بعد نصف ساعة للعودة للخيام إلا أن الصدمة الكبرى بأن المرشد لم يعد للحقائب وكذالك السيدتين على حد السواء ومضى في طريقه إلى خيام أخرى وبات على السيدتين ربما تدبر أمرهما في حين ظلت الحقائب عرضة للسارقين.
معظم الحملات تقوم بلصق إشارة على إحرام المنتسبين لها من الحجاج، أحد كبار السن ذهب مع موكب حملة أخرى نظرا لتشابه لون الشارة وعدم قدرته على قراءة ما هو مكتوب فيها.
حاجة أخرى (ع.ن) آثرت العودة في اليوم التالي لأمتعتها بيد أنها صدمت بكومة من الحقائب وبات عليها البحث مع آلاف من الحجاج عن حقيبتها المفقودة والتي ضمن بعض مقتنياتها الشخصية كهاتفها المتنقل وخاتم زواجها وثوب للإحرام، وبعد ساعات البحث الطويلة سئمت البحث كما سئم سواها، في حين ذكرت أن أحد رجال الشرطة ذكر أن الحقائب ركنت من يوم أمس الأمر الذي من شأنه أن جعلها عرضة للسارقين والمتسولين.
الحاج (ح.ع) توج خريف عمره بحجته الثانية والعشرين وعلى رغم بلوغه عامه الستين فإن عزمه بزيادة رصيده من الحجات في العام المقبل لم يقل عن مثيله في كل عام، وعلى غرار كل عام عاد الحاج وتوسط مجلسه ليروي ذكرياته ومشاهداته لرفاق عمره وأبنائه وأحفاده، مشيرا إلى أن أكثر ما يميز موسم الحج لهذا العام هو التنظيم، مستشهدا بإجراءات النحر إذ شدد على أن تكون في المسالخ ومنعها في الشوارع وتوجيه جميع المقاولين بالتزام القوانين في ذلك، وبذلك يحل الحجاج إحرامهم الأبيض ويعمدوا على عجالة لتأدية طواف الحج الأكبر.
يقال إن عيد الأضحى هو عيد للحجاج لذلك يلاحظ اختلاف الاحتفال به في البلدان الإسلامية مقارنة بعيد الفطر، إذ إن الاحتفالات تزدهي في أرض الله الطاهرة في أول أيام العيد وأمام بيت الله، أحد الحجاج (س.م) يروي ذكريات ذلك اليوم، إذ يشير إلى أن الملفت فيه سعادة الحجاج بإنهاء مناسك الحج وتأدية فريضة يسعى الملايين لأدائها في كل عام من كل فج عميق.
المتسولون وأصحاب «البسطات» لا يألون جهدا في استغلال هذا اليوم ودغدغة مشاعر الحجاج الفرحة بإنهاء مناسك الحج والراغبة في الحفاظ على بياض صفحة أمر عز وجل ملائكته بفتحها لحجاجه.
أثواب شعبية
تزين عيد الحجاج
بعض المشاهدات ترويها الحاجة (ه.ي) التي تقول إن العيد في بيت الله الأفضل على الإطلاق لا في روحيته وقربه من الله عز وجل فحسب وإنما لتقارب الشعوب وتمازجها وأكثر ما لفت نظرها في ذلك اليوم تنوع ثياب العيد فترى اللبس الخليجي والزي الشامي وغيرهما لتحسب نفسك لوهلة في عرض للأزياء.
بعد يومين يرمي فيهما الحجاج باقي الجمرات (الصغرى والمتوسطة والكبرى) يجرون الخطى للقاء نبي الأمة محمد (ص) بعد الزوال. ولحديث الذكريات بقية...
العدد 1955 - السبت 12 يناير 2008م الموافق 03 محرم 1429هـ