العدد 1960 - الخميس 17 يناير 2008م الموافق 08 محرم 1429هـ

بعد مئة عام... هل ستشهد المآتم النسائية تغييرا؟

قبل أكثر من ثمانين عاما، ورغم قلة الإمكانات وضيق الحال، وقفت تلك المرأة بصمود عجيب لتخلق لها كيانا خاصا، تحيي فيه الذكرى بروح نسائية بحرينية خالصة، فظهر إلى الوجود المأتم النسائي بالبحرين. شكل جديد وتاريخ طويل يشهد للبحرينية قدرتها على الإدارة البشرية والمالية، بل على قوتها في الاستمرار والثبات، فلم يوقفها زمن ولا حدث.

لقد برهنت أنها صاحبة قدرة وصبر، لكن هل تقبل تحدي ما ألفت عليه وترضى بالتجديد؟

المأتم نسائي الأصل

من الملفت حقا لقارئ للتاريخ أن المأتم الحسيني نسائي المنشأ، إذ يرجع بذوره إلى ما سنته السيدة زينب (ع) عندما سيقت مع النساء سبايا إلى دمشق، فعندما دخل موكبهن الكوفة أقامت زينب العزاء، وشاركها أهل الكوفة بالنواح والعويل. وعندما دخل الموكب دمشق أمر يزيد بن معاوية بإدخال نساء وأطفال الحسين بمبنى ضيق متهالك البينان، وهناك نصبت السيدة زينب العزاء على شهداء معركة كربلاء لمدة ثلاثة أيام، شارك فيها بعض نساء البيت الأموي. كما أقامت العزاء بعد عودتها إلى المدينة المنورة. هذه المجالس التي أقامتها السيدة زينب وأثرتها بروحها الصامدة، «فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا»، أخافت بني أمية فأوعزت إلى والي المدينة بترحيل السيدة، لكن نساء أهل البيت ومريديهم استمروا في إقامة العزاء على الحسين، ويشار إن الإمام جعفر الصادق أول من أشرك نساء أهل بيته في مجلس العزاء الذي يقيمه، إذ ضرب ساترا بين النساء والرجال. وبدأ أئمة أهل البيت يوصون الناس بذكر مقتل الحسين(ع)، ويشجع الإمام الرضا (ع) على إقامة المأتم والبكاء على استشهاد الحسين. ومن هذا المنطلق، بدأ الشيعة يجتمعون في حلقات في بيوتهم لإقامة العزاء على الحسين وخصوصا في شهر محرم، فيشير الحافظ العسقلاني في كتابه التهذيب: «قال ثعلب حدثنا عمر بن شبه النميري، حدثني عبد الله بن جناد أخبرني عطاء بن مسلم قال: السدي أتيت كربلاء، أبيع البر فيها، فعمل لنا أبن طئ طعاما، فتعشينا عنده فذكرنا قتل الحسين».

وهكذا أخذت فكرة إقامة المأتم السنوية تنتشر في المجالس الأهلية، ثم أخذت صفتها الرسمية في عصور الدول الشيعية كدولة بني بويه في بغداد والحمدانيين في حلب والفاطميين في المغرب والشام ومصر والصفويين في إيران. ولعبت المرأة دورا مهما في هذا الجانب، إذ جاء في الكامل لابن الأثير في أحداث 352 هـ (في هذه السنة عاشر من محرم أمر معز الدولة - أبو الحسن البويهي- الناس ان يغلقوا دكاكينهم ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء، وأن يظهروا النياحة ويلبسوا قبابا عملوها بالمسوح، وأن تخرج النساء منشورات الشعور، مسودات الوجوه، قد شققن ثيابهن، يدرن في البلد بالنوائح، ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي رضي الله عنهما ففعل الناس ذلك».

بدايات المأتم النسائي

يؤرخ لمجالس العزاء في البحرين إنها كانت تقام في البيوت والمساجد، ولم تقم المآتم كبناء مستقل إلاّ مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت النساء تتجمع في غرف ملاصقة للمجلس لتسمع الخطيب الحسيني وتشارك في العزاء. لكن مع مطلع القرن العشرين، وبالتحديد في العام 1907م استقلت النساء في مآتم خاصة بهن.

ومن الملفت إن مآتم الرجال أخذت أسماء العائلة أو الحي، بينما غالبية مآتم النساء سميت باسم المؤسسة، وغالبا ما تكون معلمة القران لأطفال الحي، إذ تشارك طالباتها عند انتهائهن من مراحل التعليم في قراءة المجلس الحسيني، ويطلق عليها «قارئة». وعندما تتمكن من إدارة المجلس تسمى بـ «الملاية». وكان المأتم النسائي ولا يزال يفتح طيلة أيام السنة، حيث تعقد المجالس في الصباح والعصر، بخلاف شهر محرم وصفر، إذ تستمر حتى المساء.

واعتبر المأتم النسائي مؤسسة نسائية تختص بإدارتها المرأة، وتبدأ من الصباح حيث تفتح لتعليم القرآن الكريم، ثم يبدأ المجلس بقراءة الحديث في كتاب تاريخي للفخري، ويشار إليه عند المجتمع النسائي بـ «النسخة» أو « المنتخب»، ثم يقرأ «القصيد»، وهي أبيات رثاء، بعدها تقرأ «الرواية»، أما إذا كان المجلس احتفاليا فإن صورته تكون مختلفة، إذ تنشد فيه الأهازيج وتقرأ فيه رواية المولد بطريقة خاصة. كما اعتبر المأتم مكانا لإقامة التعزية أو الزواج لمنتسبات المأتم ومجاوريه.

وأما بقية الأنشطة المناطة بالمأتم والتي تقام باستمرار فهي:

-1 إحياء ذكرى مولد ووفاة النبي (ص)، والسيدة فاطمة الزهراء (ع)، والأئمة المعصومين(ع).

-2-إحياء ذكرى استشهاد أنصار الإمام الحسين (ع) وأهل بيته.

-3-إحياء ذكرى وفاة الأنبياء كالنبي يحيى والسيدة مريم العذراء.

-4 إحياء الشعائر الإسلامية كصلاة العيدين، وعيد الغدير، وليالي البيض من شهري رجب وشعبان، وقراءة أدعية شهر رمضان وإحياء ليالي القدر.

-5قراءة الروايات التاريخية والتي تدور في أغلبها حول مقتل الإمام الحسين، وثواب إحياء المآتم. ومن الملاحظ أن لدى المأتم النسائي الكثير من الروايات التاريخية، وهناك الكثير من الروايات المخصصة لأيام محددة من كل عام لقراءتها. ويغلب على تلك الروايات الطابع الأسطوري، كما أن كثيرا منها فاقد للسند إذ يكتفي بجملة «قال الراوي»، ولا تؤرخ بعام، ولا تعطى أسماء محددة لشخوصها، لذا بدأت الإدارة النسوية بالمجلس العلمائي تشكيل لجنة من أجل إعادة النظر في هذه الروايات، وتم الانتهاء فعلا من تنقيح رواية «حرم الحجاج»، وعليهن الأمل في تنقيح بقية الروايات لتزويد المأتم النسائية بها، للتخلص من الروايات والمرثيات غير الصحيحة، ومعها سينطلق مجلس العزاء بشكل مختلف في الطريقة والطرح، لكنه حتما سيخلق صراعا بين المحافظة والتجديد، إلاّ انه المسار الصحيح الذي يبشّر ببداية مرحلة جديدة من تاريخ المأتم النسائي في البحرين والتي تأخرت كثيرا.ما يؤخذ على المآتم النسائية إنها ظلت ردحا من الزمن فاقدة للتجديد، مع طول المجلس الذي يستغرق ما لا يقل عن ثلاث ساعات، هذا الأمر دفع بالكثير من الشابات للهروب منه إلى المجالس الرجالية خصوصا في الثمانينيات والتسعينيات. لكن خروج مآتم نسائية جديدة بروح جديدة كمأتم أم البنين بالدير والذي استقطب الكثيرات، جعل التغيير في المآتم النسائية تدور بعجلة سريعة خصوصا مع عودة الجيل الجديد لإدارة المأتم خلال عشرة محرم، إذ يبدأ التخطيط المسبق للفعاليات من خلال إعداد المحاضرات والتمثيليات والرسوم وخيم الأطفال وبيع القصص. كلها خطوات جادة تنم عن سعي البحرينية لبلورة الفكر الحسيني بشكل تطرح فيه القضايا بحس سليم. إنها البداية لكننا نتمنى ألا تتوقف عند هذا الحد، فالإبداع لا حدود له، والمرأة البحرينية لا تعرف الكلل ولا الملل، والحسين رمز العطاء والإنسانية والتجديد، فهل من جديد؟

* كاتبة بحرينية

العدد 1960 - الخميس 17 يناير 2008م الموافق 08 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً