ان يثير موسم عاشوراء اهتمام الأجانب الساكنين في البحرين فيتدفقوا زرافات ووحدانا للاطلاع على ما يجري في هذا الموسم فهو أمر متوقع، ولكن أن يقطع هؤلاء الأجانب آلاف الأميال لزيارة البحرين في هذه الأيام بالذات للاطلاع على إحياء شعائر هذا الموسم، فهو أمر جدير بالتأمل.
تلك قصة الأستاذة الجامعية اليابانية ياماجيشي توموكو التي وصلت مع زوجها في ذروة أيام عاشوراء لتطلع على مراسم الإحياء في البحرين، وهدفها جمع أكبر كمية من المعلومات والاطلاع عن قرب على هذه المراسم، ليتسنى لها إعداد تقرير أكاديمي متكامل تجمعه هي وزملائها الذين انتشروا في عدد من البلدان التي تحيي هذه المناسبة في كتاب متخصص عن الشيعة يصدر العام المقبل.
«الوسط» التقت توموكو في قلب العاصمة المنامة، كانت تراقب المعزين وتسجل الملاحظات وتحاول الحصول على أكبر قدر من المعلومات عما تشاهد وتسمع.
توموكو التي قضت سنوات في إيران لإعداد رسالة الدكتوارة الخاصة بها والتي حملت عنوان «مملكة الأئمة»، تقول: «تهدف زيارتي للبحرين للاطلاع على كيفية إحياء مراسم عاشوراء في البحرين، وذلك كجزء من مشروع أكاديمي نقوم به كمؤسسة بحثية وطنية في اليابان للإطلاع على الشيعة ومحاولة فهم معتقدهم الديني وتقريبه لليابانيين». وتضيف «لقد تأثرت كثيرا بما شاهدته في البحرين، فقد كان جزءا مهما من الدراسة التي نقوم بها هو الإطلاع على الشعائر عن قرب، لذلك يقوم عدد من زملائي حاليا بجمع المعلومات نفسها في كل من إيران، العراق، اليمن والكويت، وهدفنا المقارنة بين الشعائر والوصول إلى فهم متكامل حول طبيعتها، لإعداد كتاب متكامل ينشر باللغة اليابانية العام المقبل بعنوان (الشيعة... الهوية والشبكات). أما هدف الكتاب فهو الوصول إلى فهم حقيقي علمي وموضوعي عن الشيعة وإيصالها لليابانيين، فنحن كشعب ياباني لا نعرف الكثير عن الشيعة، وكل ما نسمعه من أخبار يوصل إلينا صورة خاطئة عن الواقع، ويبين لنا خلافا جذريا بين الشيعة والسنة ومقاتلتهم بعضهم البعض. من هنا جاءت فكرة الكتاب الذي يحاول الوصول إلى رسم صورة قريبة من الواقع، واستقاء المعلومات من منابعها الأصلية».
بدت توموكو عارفة تماما لأصول ومبادئ المذهب الشيعي، خصوصا بعد أن تخصصت في دراساتها العليا في هذا الأمر. وعن حصولها على المراجع العلمية اللازمة تقول «لم تكن هناك أية مراجع علمية باللغة اليابانية حول الموضوع، ولذلك اعتمدت بشكل رئيسي على المراجع باللغة الإنجليزية، وربما يكون الكتاب الذي نعده الأول من نوعه باليابانية الذي يتحدث عن الموضوع بالتفصيل».
جاءت توموكو إلى البحرين دون ترتيب مسبق مع أي جهة أكاديمية أو بحثية، غير أن الطريق فتح أمامها على مصراعيه للحصول على المعلومات التي تريدها، فدخولها المنامة فتح لها الطريق لكثير مما تبحث عنه، حتى أبهرها ما رأته هناك. تقول «أكثر ما أعجبني في البحرينيين هو طيبتهم وتعاونهم، فقد كانت المساعدة تأتيني من كل جهة وأنا أجنبية، لم يحاول أي شخص أن يمنعني من التصوير مثلا أو يسألني ماذا أفعل هنا، شعرت بالترحيب في كل موقع ذهبت إليه».
أما عن مراسم عاشوراء التي رأتها فتقول «كل ما شاهدته في البحرين يثير الإعجاب، فالناس هنا تعبر عن معتقدها بالفن والرسم والمجسمات، جنبا إلى جنب مع الطرق التقليدية كالعزاء والقراءة. أثارني استخدام التكنولوجيا الحديثة في كل ما هو مرتبط بهذا الموسم، من تقنيات وبوسترات وغيرها». إلا أن أكثر الأمور التي لفتت نظر توموكو والتي ستكون محورا رئيسيا لدراستها كما تقول، هي مشاركة الشباب والصغار في إحياء هذه الشعائر، تقول «دأبنا كباحثين على ملاحظة ميل الجيل الشباب إلى الابتعاد عن كل ما هو تقليدي في التعبير عن الهوية الدينية أو الثقافية، وهو أمر مشترك بين عدد كبير من المجتمعات والثقافات. غير أن ما شاهدته هنا يعبر عن عكس ذلك بشكل غريب. فمشاركة الجيل الشاب بل وحتى الأطفال واضحة تماما، بل أن مراسم الإحياء قائمة بشكل كامل على الجيل الشاب، وهو أمر يدعو للتأمل والدراسة بحق، فهو تعبير عن ارتباط عميق بالهوية الثقافية التي توصف بالقوية والغنية».
تغادر توموكو البحرين اليوم إلى بلادها، فتبدأ رحلة أخرى في تجميع كل ما شاهدته وما لمسته في عاشوراء البحرين بين دفتي كتاب، محتفظة بما تبقى في ذاكرتها الخاصة. //البحرين/
العدد 1963 - الأحد 20 يناير 2008م الموافق 11 محرم 1429هـ