خطة لإعداد تكون بشري يستطيع حين يكتمل أن يحمي الدولة من جمعيات المعارضة التي لا بد أن يتم إنهاء تاريخية احتكارها لصوت الأغلبية, أم غلطة صنعها خطأ القانون وفهمه حتى وصل سكان هذه الجزيرة الصغيرة من المواطنين والمقيمين إلى المليون نسمة فيما تشتكي الدولة شح مواردها وندرة المال وارتفاع دينها العام؟
خطة لصناعة مجتمع جديد في البحرين، قوامه تعدد عرقي وثقافي لا متجانس أو منسجم حتى تنتهي ويتم القضاء على وحدة المطالب السياسية للشارع والتي كانت سمة الحركة المطلبية في التسعينيات وما قبلها؟ أم غلطة بدأت الدولة في جني ثمارها إذ تحول جميع البحرينيين بالتجنيس لأعداء فعليين لأبناء الوطن الأصليين. المجنسون بالقانون، والمجنسون سياسيا خارج إطار القانون على حد سواء.
خطة لصناعة توازن ديموغرافي جديد في البحرين حتى تنتهي أسطورة الأغلبية الشيعية كما ذهبت نصوص التقرير المثير للجدل، أم غلطة لتيار ما داخل الدولة أراد من خلال التجنيس أن يصنع في البحرين واقعا اجتماعيا وسياسيا جديدا بكلفة مليوني دينار فقط؟!
إن كانت خطة، وهكذا تعتقد ثلة لا بأس بها من أبناء هذا الوطن، فهي في أقل التقادير خطة غير محكمة، وهكذا سيكون من السهل جدا، أن يتم تصوير هذا الملف بـ «الغلطة». وسواء أكبر حجم هذه «الغلطة» أم صغر، فإن المخطئ في أغلب التقادير سيتحمل نتيجة أخطائه يوما ما.
وإن كانت غلطة، وهكذا تعتقد ثلة لا بأس بها من أبناء هذا الوطن أيضا، فهي في أقل التقادير أيضا، غلطة كبيرة وغير محسوبة العواقب، فشتى التجارب الإنسانية دولا وتكونات ومنظومات وطبقات لم تنتج على مدى التاريخ هي الأخرى أخطاء للدول بهذا الحجم، وهكذا سيكون من الصعب جدا، أن يتم تصوير هذا الملف بـ «الغلطة» وحسب، فالدولة أي دولة، لا تعمد لتغيير شعوبها لتستورد شعبا آخر. وسواء أكبر حجم هذه الغلطة أو صغر، فإن المخطئ أيضا، سيتحمل نتيجة أخطائه يوما ما.
خلاصة القول في تتبع هذا الملف السياسي الشائك في البحرين، هي أن ثمة في الدولة من يحاول الانتصار لمقولة درويش حين قال: «لا تعتذر عمّا فعلت». ويغفل متعمدا حكمة قديمة تقول: «السمك الميت فقط، من يمشي مع تيار النهر».
لمن؟
- يقول خبر صحافي في إحدى الصحف المحلية: «سكان مدينة زايد يطالبون بفرض حماية لهم تحميهم من الهجمات». والسؤال: هل تتجه مدن البحرين وقراها لأن تتشكل على هيئة كانتونات «شيعية» تتركز في المحافظتين الشمالية والعاصمة و «سنية» في محافظتي المحرق والجنوبية، وأخرى لـ «المجنسين» في سافرة ومدينة زايد وربما المدينة الشمالية. هذا الوضع يشبه إلى حدٍ ما ما كانت عليه حال سكان المستعمرات الأولى في قارة أميركا الشمالية بالمقارنة مع سكان القارة الأصليين (الهنود الحمر)! المجنسون أيضا، صرحوا ذات مرة، أنهم سيقفون «ضد أي إجراء يستهدف سحب الجنسية عنهم» وهو ما يؤكد أن الضمانة الوهمية التي صنعتها الدولة في مخيلتها عن المجنسين «الولاء المطلق» هي ضمانة غير حقيقية، وخصوصا لو تتبعنا التاريخ السياسي للمجتمعات التي أتى منها هؤلاء المجنسون والتي هي في الغالب مجتمعات دائمة الحراك متقلبة الأمزجة سياسيا.
- في المجلس النيابي 2002 - 2006 تقدم أحد النواب بمشروع قانون يطلب فيه إلغاء مصطلح «المجنسين» من قانون الجنسية، وهذا ما يؤكد أن هذه الجماعات بدأت تخرج عن الإطار الاجتماعي الأول الذي كانت السلطة تسعى لأن يقروا فيه، وهو إطار الولاء المطلق ومواجهة جماعات المعارضة، أما الإطار الجديد الذي بات المجنسون يلعبون فيه هو أن يحصلوا على مساحة إضافية تدخل في منطقة المشاركة في التشريع القانوني في الدولة، وتأتي المطالبة بإلغاء مسمى المجنسين من القانون لتؤكد هذا الانزياح بقوة. ولا يبقى أمام المعارضة إلا أن تتدارس تفعيل المواثيق الدولية الخاصة بحماية الشعوب الأصلية، والتي من الممكن أن تكون ردة الفعل المناسبة لمثل هذه الدعوات.
- العديد من المقالات والأعمدة الصحافية والندوات السياسية تحدثت عن الجنسيات التي يتم التركيز عليها في التجنيس، ولأن كان تجنيس فئات من العراقيين قد تم نفيه من قبل وزارة الداخلية، فإن المجنسين من اليمن وسورية والأردن والباكستان والهند هم من يسيطرون على القسم الأكبر من الحصة. الذي يبدو مقلقا، هو ان هؤلاء المجنسين من هذه الجنسيات لا يبدون في مأمن من تداعيات هي في الحقيقة أكبر من البحرين، وخصوصا أن هذه الشعوب تحديدا تمتلك في رصيدها الكثير من ملامح العنف والتمرد وتقلبات المزاج السياسي تحديدا. وهو ما قد يحدد بطريقة ما المخاطر والتحديات والمشكلات التي ستترتب مستقبلا على هذه الغلطة إن لم تكن بالأساس خطة.
- هل ثمة خطة في جذب عدد معين من الجنسيات دون أخرى، وفي حين تعمد الأجهزة الأمنية في إحدى الدول الخليجية الشقيقة إلى تحديد مستويات العمالة العربية بنسب توزيع محددة لكل دولة فتعمد في بعض فترات العام إلى منع العمالة من بعض الجنسيات من الدخول حين تصل جاليتها إلى سقفها المسموح به، هل تمتلك خطة التجنيس إن وصفت بالسياسة ملامح تنظيمية حقيقية في صناعة موازنة فعلية بين أعداد المجنسين من كل دولة، فلا تطغى جنسية على أخرى؟ أم أن «الخطة» تحيط بها الأخطاء من كل جانب...
لصالح من؟
- لصالح الدولة، إذ تتخلص من أزمة من أزماتها التاريخية في التعامل مع معارضة تمتلك النسبة الأكبر في الشارع، فيكون المجنسون الدرع البشري لها، والعوض المباشر أمام جمهور الشارع، هذا ما تؤكده نتائج الانتخابات النيابية السابقة من وجهة نظر المعارضة التي ذهبت إلى ان الدولة استعانت بالمجنسين في حسم أكثر من دائرة كادت نتائجها ان تنتهي بسيطرة المعارضة على أغلبية المجلس النيابي. هذه المزاعم أيضا، يدعمها الحضور الإعلامي للمجنسين في الصحافة وقنوات التلفزة داخل البحرين وخارجها وفي مؤسسات المجتمع المدني السياسية والحقوقية (الغونغو) التي أثبت التقرير المثير للجدل علاقاتها الوثيقة مع بعض أجهزة الدولة.
- لصالح السنة، إذ تفرض الوحدة المذهبية في المجنسين «المذهب السني» تعادلا مع المذهب الشيعي الذي تزعم المعارضة الشيعية أنهم الأغلبية في البحرين. وأمام هذه المعادلات يشكك العديد من أبناء الطائفة السنية في فرصهم في أن يكونوا المستفيدين من عملية التجنيس، وخصوصا أن هؤلاء المجنسين باتوا يزاحمون أبناء الطائفة السنية في مقاعدهم داخل بعض أجهزة الدولة وحتى في المجلس النيابي.
ضد من؟
- الإجابة التقليدية لأي بحريني من الطائفة الشيعية هي أنه المستهدف من وراء هذه الخطة، إلإ أن أحد الكتاب في المنتديات الإلكترونية يرفض أن يقفز على ما يعتبره «حقائق للتاريخ»، هذا الكاتب أطلق نتيجة تستحق التأمل، إذ يربط عملية التجنيس بالملف الأمني، فالشيعة - بحسب رأي الكاتب - غير مؤهلين للدخول في الأجهزة الأمنية لأسباب سياسية معروفة، وعليه فإن استقدام رجال أمن من خارج البحرين يبدو طبيعيا، أما الذي لا يبدو طبيعيا في وجهة نظره، هو أن تتحول هذه الطبقات التي من المفترض ان تقدم خدماتها ثم ترحل إلى ديارها، إلى طبقات أصيلة داخل المجتمع عبر تجنيسها، يقول ذلك الكاتب بصراحة «هؤلاء لا يمثلون ثقلا على المواقع الشيعية في الدولة، بل يمثلون ثقلا علينا نحن أهل السنة والجماعة»، وهو بالتحديد من جعله يصف عمليات التجنيس لرجال الأمن الأجانب بـ «الغلطة».
- تشير صفحات التقرير المثير للجدل، إلى أن عملية التجنيس لا بد أن تتسارع للوصول إلى تعديل ديموغرافي يحقق الموازنة الطائفية المبتغاة في البحرين. وعليه، بدأ المواطنون الشيعية في اعتبار التجنيس مطلقا استهدافا للطائفة الشيعية وهو ما أدى في سياقات مختلفة إلى تذمر شريحة كبيرة ممن نالوا الجنسية البحرينية قانونيا، وهو ما أعادته المعارضة لخطأ بذرته الدولة بتشويهها للتجنيس، وهو ما اعتبرته العديد من الأوساط الحكومية تمييزا وعدائية من قبل بعض الجماعات الشيعية التي تهول من ملف التجنيس وتعطيه أكثر من حجمه.
العدد 1964 - الإثنين 21 يناير 2008م الموافق 12 محرم 1429هـ