منذ سقوط طاغية العراق المدحور، ونحن نسمع ونشاهد عبر الفضائيات وأجهزة الإعلام المختلفة، ارتفاع وتيرة العزف على وتر الطائفية المقيت، إذ يركز البعض على ترويج الطائفية المقيتة، فهم يتعمدون ترديد العبارات والكلمات التي تعمق الخلافات وتوسع الهوة بين فئات المسلمين، وعادة ما يكثرون من زج كل ما من شأنه أن يبقي جذوة نار الفتنة مشتعلة، فأصبحت كلمتا (سنة وشيعة) تتردد على ألسنتهم ليل نهار، واخترع البعض عبارات وكلمات تصب في المصب والاتجاه نفسيهما، فمنهم من اخترع كلمات لها رنين خاص، ونبرات وعبارات براقة، تصدر من علية القوم أحيانا كالهلال الشيعي والمثلث السني، وتلوكها الأبواق الدعائية لأجهزة الإعلام، وتروّجها عبر تلك الوسائل التي بات يسيطر عليها حفنة من المهووسين والمسكونين بالهاجس الطائفي.
ما هدف هؤلاء من الترويج للطائفية وبث روح الفرقة والخلاف والاختلاف، وزرع بذور الفتنة والطائفية بين أبناء هذه الأمة، التي كانت في يوم من الأيام «خير أمة أخرجت للناس»، كما ذكر ذلك الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز؟! ما الهدف من تلك الدعاية المغرضة والترويج والتطبيل والتـزمير لتلك الطائفية البغيضة؟! فهم يسعون إلى التفريق بين الأخ وأخيه، إذ إن المسلمين إخوة في الدين والعقيدة، وإن كان البعض يعتقد بخلاف ذلك. يقول الرسول الأعظم (ص) «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة».
ويقول سيد الموحدين وقائد الغرّ المحجلين، الإمام علي (ع): «الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».
وهناك الكثير من الأحاديث والأقاويل المأثورة التي تدعو وتحض وتشجع على المحافظة على وحدة وإخوة المسلمين، فضلا عما جاء في كتاب الله العزير من سور وآيات كريمة تؤكد وتشدد على هذه الإخوة الإسلامية، وتحث المسلمين لجمع وتوحيد كلمتهم ورص صفوفهم، لأنهم يمثلون كيانا واحدا وجسدا واحدا، وهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، كما جاء في الحديث الشريف «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كالجسد الواحد؛ إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
والغريب في الأمر، هو ما نشاهده اليوم من خروج بعض الجماعات على تعاليم الله سبحانه وتعالى ، وتنكرهم لنداء ودعوة الحق التي يطلقها رسوله الأكرم (ص)، إذ تحاول تلك الجماعات المارقة بكل ما أوتيت من قوة، أن تشيع الفرقة والشقاق والخلاف بين أبناء هذه الأمة، وتصدر فتاواها المنكرة، التي عادة ما تـتبناها جماعات منحرفة ضالة ومضلة، تتلبس بلبوس الإسلام، وتدعي كذبا وزورا انتماءها إلى هذا الدين الحنيف، دين المحبة والتسامح والسلام، وتكفر البعض من طوائف المسلمين، وتبيح دماءهم وتحل أموالهم وتستبيح أعراضهم – والعياذة بالله - وتحرض وتغرر بالجهلة والأميين من عامة الناس عليهم، لقتلهم وذبحهم والتنكيل بهم، فلا يتورعون عن قتل الأبرياء من الشباب والرجال والشيوخ والنساء والأطفال بكل إصرار وعناد، ويعتدوا على حرمة المساجد ودور العبادة والأماكن المقدسة التي جعلها الله سبحانه وتعالى دور أمن وأمان، ويسفكوا دماء الأبرياء من المسلمين حتى في الأشهر الحرم.
ووصل الأمر بهؤلاء الجهلة والظلاميين التكفيريين إلى تحقيق أهدافهم العدوانية وما خططوا وسعوا إليه، نتيجة لتفكك المسلمين وتفرقتهم وعدم توحيد كلمتهم ورص صفوقهم، والأدهى من ذلك أن هناك من يتستر عليهم ويساندهم ويأويهم ويساعدهم، ويمدهم بالمال والسلاح لمواصلة بطشهم وعدوانهم، وتشجيعهم على التمادي في إراقة دماء المسلمين، وبث الرعب والخوف والفزع في صفوفهم، وإشاعة مظاهر العداء والكراهية بين أبناء الدين الواحد. وفي ظل الأوضاع المتردية في العالم اليوم، نتيجة لغفلة المسلمين عن أمور دينهم، وانشغالهم بأمور دنياهم، ظهرت بين صفوفهم جماعات تمارس القتل والذبح، باستخدام الأساليب الإجرامية والوحشية والهمجية، وتفجير الناس باستخدام السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والقاذفات ومدافع الهاون وغيرها من أدوات القتل والتدمير، بهدف وقوع أكبر الخسائر في معدات وممتلكات وأرواح المسلمين الأبرياء.
أليس هذا الأمر الخارج على كل التعاليم الإسلامية والإنسانية والأخلاقية يبعث على الخيبة والحسرة والألم والكسيرة، ويدل على ما وصلت إليه أمور المسلمين من تمزق وتفكك وتشتت، وانهيار وسقوط أصاب هذه الأمة وأذلها، فحفت بها الأعداء من كل اتجاه؟! وأصبح الجهلة والقتلة والمجرمون هم الذين يفتون وينظرون ويعبثون بمقدراتها ومصيرها، ويجرونها إلى مستقبل مجهول ونفق مظلم سيؤدي بالأمة في نهاية الأمر إلى السقوط في الهاوية، وهي تنظر إلى ما يجري من حولها من دون أن تحرك ساكنا أو تفعل شيئا! فتلك الوحوش الكاسرة تتحكم بمصيرها وتقودها إلى الهلاك ، وتفعل ما يحلو لها في وضح النهار، من دون أن تشحذ الهمم وتشد العزائم وتبعث الأمل في النفوس لمحاربة الخطر الداهم والشرر المستطير الذي يفتك بهذه الأمة ويهددها بالانهيار والسقوط. وصدق رسولنا الأعظم (ص) حين صور حال أمة المسلمين، وهم في غفلتهم وتفرقهم وتشتتهم، إذ أصبحت الدول الكبرى تتكالب عليها وتتحكم في مصيرها وتفرض عليها شروطها المذلة والمخزية، وهي تنصاع بإذلال وعبودية، مغلوبة على أمرها مطأطئة الرأس، وتقبل بكل الشروط والقيود التي يفرضها عليها الطاغية والمستبد في تلك الدول الكبرى، الذي ينهب خيراتها وثرواتها، ويسلب حريتها وعزتها وكرامتها.
أما آن لهذه الأمة أن تنهض من كبوتها وتسيّقظ من سباتها العميق، وتتحدى كل الأخطار المحدقة بها، التي تسعى للنيل من عزتها وكرامتها، فتحارب كل من يحاول أن يتعرض لكيانها لتمزيقها وتفريق كلمتها، وتشتيت شملها وتفكيك جمعها ووحدتها، ومواجهة الخطر الداهم الذي يهددها، ووضع نهاية لكل من تسوّل له نفسه بث الفرقة والتفرقة، وإشاعة الفتن الطائفية، بهدف إثارة النعرات وإشعال الحروب الطائفية التي ستقضي على هذه الأمة وتزلزل كيانها، فعلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يوحدوا كلمتهم، وأن يرصوا صفوفهم، ويلموا شملهم وأن يتوحدوا ويتحدوا، حتى يفشلوا مخططات الجهلة والأعداء على حد سواء، وليكن شعارنا جميعا نحن معشر المسلمين: «يا أيها المسلمون اتحدوا... اتحدوا».
محمد خليل الحوري
العدد 1975 - الجمعة 01 فبراير 2008م الموافق 23 محرم 1429هـ