العدد 1975 - الجمعة 01 فبراير 2008م الموافق 23 محرم 1429هـ

قلم طويل اللسان!

أضعُ بقبضة يدي قلمي على صدر ورقة بيضاء ليكتب كلاما يُهدئ أعصابي المتضجرة الثائرة، ولكنه يأبى أن يخط حرفا واحدا، أضغط عليه بشدة استحثه وأستحلفه أن يكتب بحبر يستنزفُ نارا ويشعل المكان ويفعل شيئا، لكنه لا يجيب وكأنه جثة بيدي، شعرتُ حينها بنصل حاد مغروس بقلبي بسبب جموده وتخاذله معي، سألته: لماذا يا قلمي لا تريحني وتكتب شيئا وتعبر عن الآلام التي تطعنني في قلبي وعما هو مُعلق بداخلي؟

فأجاب مقهورا: ولمن أكتب والناس قد أصبحت لا تقرأ فقد حاصرها الغلاء والفساد وغرقت في تصريحات وردية للحكومة التي حولت الأرض الصحراء إلى جنة فيحاء؟! ماذا أكتب والناس قد ألهاها السعي وراء لقمة العيش التي تأتي بطلوع الروح وقد تطلع الروح ولا تأتي اللقمة؟! ماذا أكتب وإذا كتبت من يستجيب فنحن ننادي في أناس قلوبهم أشد قسوة من الحجارة، لا يقرأون فليس لديهم وقت، فالوقت كله مخصص للمصالح الشخصية والـ (business) وأشياء أخرى، وإذا منَّ الله عليهم بنعمة القراءة وقرأوا، فلا يبالون فيما هو مكتوب، وكأنهم يقرأون عن أناسٍ في بلاد الواق واق، فالشابُ منا قد أصبح شيخا بهمومه، حتى أحلامه صارت سوداء مشحونة بالأهوال، فالحلم أصبح بثمن! والبسمة تقابل بالكثير من الدموع!

اعلم يا من تريدني أن أكتب هناك وعدا يعدك به الزمان بأن يصحَبُكَ لمركبة الأحزان حتى وإن كنت في بحر من ذلك الذهب الأسود... ستظل فقيرا... ستظل يتيم الروح... وستظل غريبا... تعيش غربة الوطن! عاطلا، مُفلسا، ضائعا.

اعلم يا صاحبي ففي داخلي براكين من الكتل النارية لو طرحتها تصم من قسوتها يا معتوه! فضحكت ورقتي علي، عند ذلك صرختُ في وجه ورقتي الخرساء فبكت... فلم أعد أعلم هل أقوم وأمسح دموعها... أم أسارع في حمل حقائب حروفي البلهاء بعد أن دمي قلبي ودمعت عيني... والمسألة لا تتحمل الكثير من الطعنات، فطويتُ الورقة وألقيتُ بقلمي من الشباك لأن لسانهُ طال علي!

هيثم علي ناس

العدد 1975 - الجمعة 01 فبراير 2008م الموافق 23 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً